توثيق مصور.. هدم مسجد الفازة التاريخي ومخاطر تكرار الجريمة في تهامة؟

السياسية - Friday 26 October 2018 الساعة 10:31 pm
الفازة/الخوخة/التحيتا/المخا/ عدن، نيوزيمن، خاص:

الاعتداء على 1200 سنة ونسفها كأن لم تكن، جريمة بكل المقاييس بحق الساحل وتهامة واليمن والإنسانية. هدم معلم وأثر تاريخي وأثري وديني بهذا العمر والقدم، وجرفه بشيول، جناية نكراء يستحيل تجاوزها أو تقبل فكرة التغاضي تحت أي تفسيرات ومعاذير.

مسجد الفازة التاريخي، الذي يمثل أهم المعالم الروحية والأثرية في تهامة واليمن بأكملها وعرف أيضا بمسجد العارف الولي أحمد الفاز، في موقعه المميز على كتلة صخرية تغوص في مياه البحر وينتصب كسجادة صلاة على الساحل الفسيح متماوج مع أمواج البحر الأحمر ومزروع ثم كسجدة أبدية لله منذ أكثر من ألف عام، هُدم وسُوّي بالأرض في طرف من نهار وانتهى كل شيء.

ردود الأفعال على هدم وجرف مسجد الفازة التاريخي فردية منددة وآسفة وباكية ومقهورة، لكن غاب ويغيب الصوت والموقف الرسمي من أية جهة كانت. لا الثقافة ولا السياحة ولا الآثار ولا الداخلية ولا المدن التاريخية ولا الحكومة ولا السلطة المحلية ولا أحد. غابوا دائما عن الترميم والصيانة والرعاية ويغيبون الآن.

ناشطون ومثقفون وإعلاميون وأدباء وكتاب يمنيون ومن أبناء تهامة تشاركوا خلال اسبوع مأتم النواح على الفقيد الشهيد، الجامع المعلم والرمز، التاريخ المهدور والرمز المغدو. الأصوات المنددة تعالت بالإدانات في اتجاهات مختلفة، وتبودلت إشارات واتهامات لجناة محتملين، ولكن الجميع متفق -تقريباً- على مسئولية واجبة ومباشرة يتحملها التحالف وشركاء التحالف على الأرض باعتبارهم الحماة وأصحاب الحضور والحماية الفعلية في تهامة المحررة.

أياً كانت هوية وشخوص الفاعلين المباشرين ومرتكبي الجريمة، وبعيداً عن الخوض في جدل المسميات والجماعات كما راج في مواقع التواصل الاجتماعي. المسئولية لازمة على من يتحملون مسئولية تأمين تهامة المحررة من المليشيا الحوثية.

ما الذي حدث؟

تمهلنا في نيوزيمن لتقصي المعلومات والشهادات حول الجريمة، حاصل وخلاصة الروايات المتجمعة تتحدث عن هدم وجرف متعمد ومعد له وعن سبق إصرار. وحدث التنفيذ في وضح النهار ومر الجناة وآلاتهم في طرق ودروب قريبة من أو تمر بنقاط عسكرية وأمنية وتشرف على المنطقة أخرى متمركزة هناك.

تم الهدم بعد التاسعة صباح يوم الخميس 18 أكتوبر 2018. بمحاذاة القرية والمنطقة هناك قوة متمركزة. وعلى مبعدة 2كم فقط توجد قوة إسناد وتأمين ميدانية إلى الجنوب الشرقي من الموقع.

يؤكد الأهالي أنهم شاهدوا "شيول" يحرسه مسلحون قاموا بعملية الهدم والجرف وتسوية المسجد التاريخي بقبابه العتيدة البيضاء بالأرض. الشهادات تذكر وجود طقمين أحدهما رافق فريق الهدم والشيول والآخر بقي قريباً للتأمين ربما.

لم ينتصف النهار إلا وقد انتهى كل شيء وأزيل من موقعه معلم ورمز وشاهد تاريخي بقي هنا منذ نحو 1200 سنة.

حصل نيوزيمن على صور من موقع الجامع بعد الهدم وتظهر الموقع المميز خالياً من المسجد ومجرد أرض مستوية تبدو مثل جرح نازف على جسد الأرض السمراء.

صوت تهامي

"بكيت كثيراً، وكانت دموعي منذ الأمس تختلف عن تلك التي كنت أذرفها كلما زرت المسجد العتيق، بالأمس بكيت حرقة وشعوراً بالعجز، أعترف بهذا..".

"كان شيئاً لا يصدق أن يذهب عطر الأولياء والصلحاء والعلماء بهذه السهولة".

الكاتب والباحث والأديب التهامي علوان الجيلاني، ‏أمين الحريات والحقوق باتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين‏، مضيفاً على فيسبوك:
"بتدمير مسجد الفازة وتسويته بالأرض، تفقد تهامة وزبيد واليمن كلها.. واحداً من أهم شواهدها الروحانية على مدار ١٢٠٠ سنة. هنا كان سلاطين الدولة الرسولية يحتفلون بختم القرآن وليلة البهجة وليلة المحيا، وهنا كان يختلي العلماء والصالحون.. ومن هنا مرت عشرات الدول وجحافل كثيرة من الجيوش عبر التاريخ.. لم تفكر في إيذاء المسجد ولا تربصت للنيل منه.. ليس من الممكن أن تطلق أيدي المتطرفين لتدمر التراث الديني والإنساني بهذا الشكل، هذه جريمة نكراء يجب الوقوف في وجهها، نحن نناشد اليونسكو ونناشد منظمات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وكل هيئات حقوق الإنسان في العالم من أجل إيقاف هذا العبث".

المسجد التاريخي.. سيرة موجزة

يقع هذا المسجد على مرتفع صخري يرتفع عن مستوى سطح البحر حوالي أربعة أمتار فقط. ينسب بناء جامع الفازة إلى الشيخ الفقيه أحمد الفازة، ويرجع تاريخ بناء هذا الجامع إلى عصر الدولتين النجاحية والصليحية في القرنين الخامس والسادس الهجريين-الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.

يشرف مسجد الفازة على شاطئ الفازة، وترتطم أمواج البحر بالتلة الصغيرة التي بنيت عليها واجهة الجامع الغربية التي تفتح على البحر بباب يؤدي إلى خمس درج هابطة إلى مستوى البحر.

التخطيط المعماري العام لهذا الجامع: عبارة عن بناء من الآجر مستطيل الشكل، يتكون من فناء مكشوف في الجهة الجنوبية وقاعة للصلاة في الجهة الشمالية وتمتد بطول الفناء، ومقصورة تحتل الزاوية الجنوبية الشرقية وإلى الغرب منها توجد أماكن الوضوء والطهارة تليها مئذنة الجامع.. ملحق بهذا الجامع مساحة للدفن تقع في الجهة الجنوبية الغربية منه.

قاعة الصلاة: يتم الدخول إليها من الفناء الذي تفتح عليه في جهتها الجنوبية بواسطة باب معقود يفتح في جدارها الجنوبي.

قاعة الصلاة مستطيلة الشكل مقسمة بواسطة عقدين مدببين إلى ثلاثة أقسام: جناحين شرقي وغربي تتوسطهما بلاطة المحراب. تغطي قاعة الصلاة ثلاث قباب بصلية الشكل، تؤمن مناطق الانتقال في كل قبة أربع مناطق ركنية، كل منطقة تتكون من تسع حطات أو صفوف من المقرنص تتسع الصفوف كلما اتجهنا إلى الأعلى. تفتح في كل من الجدار الشرقي والجدار الغربي لقاعة الصلاة نافذتان معقودتان، وتفتح في الجدار الشرقي دخلتان جداريتان ودخلة جدارية واحدة تفتح في الجدار الغربي.

مخاطر التكرار

الخسارة كبيرة وسوف تستمر وتتضاعف مع الصمت والتواطوء الرهيب من قبل الجميع، وهو ما زاد من وجاهة المخاوف والتحذيرات حيال ما يمكن أن يحدث مع معالم ومساجد أثرية وتاريخية منتشرة بكثرة في سهل وساحل تهامة، زبيد وبيت الفقيه وبيت عطاء والضحي وغيرها.

ما لم تغل الأيادي المنفلتة انطلاقاً من هذه الواقعة فإن القادم لن يكون أفضل حالاً طالما مرت جريمة بهذه الفداحة والجرأة والعدوانية دون موقف حازم واعتذار كبير وعلني يتبنى إعادة الإعمار والبناء لمسجد الفازة وشاهدها الشهيد بنفس النمط والمواد، مع أن لا شيء يمكنه أن يعوض الخسارة.