قرى خالية من الشباب، ووعود المرتبات تتحلل مع بقايا جثث “القتلى”.. “آنس” حطب الحوثي للحرب

السياسية - Sunday 28 October 2018 الساعة 09:57 am
ذمار، نيوزيمن، نجوى إسماعيل:

كانت أم عبد الرحمن تجلس على مقعد باص صغير قادم من حي الجراف بالعاصمة صنعاء، ويبدو عليها الضعف والشحوب والاصفرار، وتبدو مهدودة القوى، وبجانبها طفل لم يتجاوز الستة أعوام ووالدها المسن الذي بالكاد يتحرك.

أم عبد الرحمن زوجة لمقاتل حوثي من منطقة ضوران آنس، لقي مصرعه في إحدى جبهات القتال، وترك خلفه خمسة أطفال، أربعة ذكور وطفلة يتيمة.

تقول أم عبدالرحمن ساردة قصة زوجها: "كان زوجي يعمل بالزراعة وكنا مستوري الحال.. دخلت أفكار الحوثي علينا وقلبت حياتنا، وعززوا أفكار زوجي عن الجهاد وجزاء المجاهد.. ووعدوه بالتكفل بجميع مصاريف عائلته التي لم نرى منها شيئا ماعدا مبلغ سبعة عشر ألف سلموه لنا مرتين".

تكمل:" توجه زوجي للجبهة ليستشهد (قتل) وأرسلوا لنا بما تبقى من جثمانه، وسلموا لنا مبلغ عشرين ألف ريال للعزاء، وتركوا لدي رقم لأتصل به بداية كل شهر ويرسل لي راتب زوجي الفقيد".

وتتابع أم عبد الرحمن قائلة:" وفي الشهر الأول اتصلت وأرسلوا لي خمسة ألف ريال فقط، وفي الشهر الثاني ثلاثة ألف ريال فقط، وبعدها لم يعودوا يردوا علي.. انا امرأة بدون حرفة وأوضاعنا سيئة جيدا لا نجد حتى قوت يومنا، ومع ذهاب زوجي أوضاعنا زادت سوءاً".

وتواصل حديثها قائلة: "بعد شهور مرت وأنا أحاول وأبحث واذهب للمشرفين قال لي أبو عاصم وهو مشرف بالمنطقة، ان المفترض ان أولادي الكبار يخلفوا والدهم بالجبهة بدل البحث عن المعاشات، وكرر الوعود نفسها: يسيروا الجبهة ونحن نصرف لك معاش..”، تقول: “أولادي الذين لم يتجاوزوا الرابعة عشرة من أعمارهم".

وتضيف:" لم أقبل ولكنهم ضحكوا على أولادي وأخذوا اثنين منهم بغير علمي خرجت لأبحث عنهم لماذا تأخروا وقالوا لي ذهبوا مع المشرف أبو عصام، وإلى اليوم لا أعرف عنهم شيئاً.. لم أترك بابا إلا وطرقته أبحث عنهم حضرت إلى هنا مكتب الحوثيين بالجراف لأترجاهم ويعيدوا أبنائي ولكن لا جدوى".

هذه واحدة من مئات القصص المأساوية تلخص الواقع الأليم الذي تعيشه عشرات الأسر بمنطقة آنس في محافظة ذمار، حيث تعد المنطقة ومديرياتها الثلاث (ضوران، جبل الشرق، المنار) المعقل الرئيسي لمليشيا الحوثي في محافظة ذمار.
وتعد منطقة آنس المخزون البشري لميليشيا الحوثي، حيث جندت الأخيرة المئات من أبناء المنطقة الى صفوفها، إلا أن الميليشيا تركت عشرات الأسر تواجه قسوة الحياة والعيش، بعد مقتل معيلوها في جبهات القتال.

فوزية الحميدي، من منطقة جبل الشرق آنس، أم خسرت زوجها وثلاثة من ابناءها أكبرهم لا يتجاوز عمره ستة عشر عاما وأصغرهم ثلاثة عشر عاما بوقت واحد.
تصارع فوزية شظف العيش مع أربع بنات وولدان صغيران، بعد مقتل زوجها وأولادها الثلاثة الكبار، اذ أضحت الأسرة بدون معيل وتصارع الجوع والمرض من دون أن تلتفت ميليشيا الحوثي لمعاناة الأسرة التي احتطبت أربعة من ذكورها الى محارق الحرب.

استغلال تدني المعيشة والتعليم

ميليشيا الحوثي تستغل أوضاع منطقة آنس المأساوية مستفيدة من تدهور الحالة المعيشية وتدني المستوى التعليمي للسكان.

وبحسب مؤشرات التنمية التي أطلقها الصندوق الاجتماعي بالعام 2012 بذمار، فمنطقة آنس بذمار تعد من أكثر المناطق تدنيا وانخفاضا في مؤشرات التنمية، وتعاني من نقص كبير في خدمات التعليم والصحة والكهرباء وغيرها، كما أنه وفقا لروايات العديد من ابناء منطقة آنس فقد استغلت جماعة الحوثي هذا الوضع لتنشر فكرها الديني ومعتقداتها بين أوساط المواطنين في تلك المناطق.

في هذا السياق تقول نجلاء محمد وهي ناشطة عملت مع منظمات دولية في مجالات التنمية في مديريات ذمار: "أتذكر عندما كنا نذهب إلى مناطق نائية في المنار- آنس كان هناك قرى كثيرة مغلقة وترفض استقبالنا بحجة أننا نتعاون مع اليهود والنصارى وكنا نستغرب من ذلك ونبلغ السلطة المحلية بشكل رسمي آنذاك".

وتضيف:" في انتخابات 2012 الرئاسية، عقب توقيع المبادرة الخليجية رفضت أغلب قرى مناطق ضوران والمنار وجبل الشرق دخول سيارات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ورفضت حتى سماع ما حضرنا لنقوله عن مستقبل اليمن وكانت شعارات جماعات الحوثي وصورة قائدها معلقة بكل مكان".

وتقول لـ"نيوزيمن" أم جهاد وهي امرأة مسنة في الستين من عمرها، من منطقة قاع مرح في المنار آنس:"صارت أغلب قرانا وعزلنا بلا شباب فقط قرى تسكنها قلة من النساء والأطفال والكهول، الحوثيين قادوا خيرة شبابنا من أبناءنا وإخواننا وأزواجنا وذوينا إلى محارق الموت وتركونا لنواجه الجوع والمرض والفقر وليعودوا من جديد وليستغلوا حاجتنا ويأخذوا كل ابن لنا نما فرعه من جديد".
مصادر “نيوزيمن” في القرى الانسية تلحظ تزايد حالة رفض في الفترة الأخيرة في عديد من القرى والعزل لارسال أبناءها لمحارق الموت التي يشعلها الحوثيين -على حد قول ام جهاد- وتتعرض هذه القرى والعزل بشكل كبير للمضايقات والتهديدات وحتى الحصار العسكري من قبل الحوثي ومسلحيه”.