في صنعاء.. الغاز لــ(الشهداء) فقط
السياسية - Sunday 28 October 2018 الساعة 10:56 am
على مدار شهور قامت سلطات الحوثيين باستكمال بيانات المواطنين في كل حارة بصنعاء، وكان المبرر دائماً تنظيم صرف أسطوانات الغاز المنزلي عبر عقال الحارات، المعلومات المطلوبة تشمل عدد أفراد الأسرة ومصدر الدخل والبطاقة الشخصية لرب الأسرة، وهي معلومات لا علاقة لها بالغاز، وإنما هي معلومات أمنية بالدرجة الأولى.
لم يتم تنظيم عمليات الصرف حتى الآن، حيث إن بعض الحارات لا تحصل إلا على عدد قليل من الأسطوانات تجعل المواطن ينتظر لأسابيع، وبعضها الآخر يحصل على حاجته من الغاز كل بضعة أيام، وبرر أحد مشرفي الحارات من الحوثيين ذلك التفاوت بأنه يتم الصرف للحارات كميات محددة تزيد في الحارات التي يرتفع فيها عدد (الشهداء) من أبنائها، وتنخفض بانخفاض هذا العدد.
قتلى الحوثيين بالآلاف، وتم خلال الفترة الماضية تنفيذ عملية مسح لأسرهم عبر الجهاز المركزي للإحصاء، ولكن في ظل تكتم كبير، وكلما ارتفع عددهم من منطقة معينة حصلت تلك المنطقة على نسبة أعلى من الغاز المنزلي، ولا أحد يرغب بمبادلة أحد أفراد أسرته بأسطوانة غاز على كل حال.
تشتد أزمة الغاز بصنعاء بين فترة وأخرى رغم استمرارها بشكل عام منذ مارس الماضي، لكن بعض الأسابيع تغيب أسطوانات الغاز كليا، وقبل أيام أعلنت شركة الغاز التابعة للحوثيين عن توفير (221) ناقلة غاز لأمانة العاصمة، وتشغيل ست محطات غاز، لكن تلك الكمية لا أحد يعلم مصيرها، فقد عادت المطاعم التي كانت قد اضطرت للإغلاق للعمل، وحصلت على حاجتها من الغاز، بينما لا تزال الأسر تنتظر مهديها المنتظر دون جدوى منذ أسابيع.
إذا كنت من الحوثيين أو من الموالين لهم أو لك علاقات وثيقة بأحد المشرفين لن يشكل الغاز أية أهمية أو مشكلة بالنسبة لك، فحاجتك ستتوفر في أي وقت ترغب بها، أما إن كنت مواطنا عاديا فليس لك سوى الانتظار الطويل، أو اللجوء للشراء من المطاعم، أو الاضطرار لأكل المعلبات الباردة لأيام.
علق أحد سكان الحي؛ أن من النوادر بصنعاء أن تشارك في جنازة أحد المهمشين (ذوي البشرة السوداء)، وأن ترى حوثيا يقف في طابور الغاز أو طابور البنزين، موضحا طبيعة الأزمة وأنها مصطنعة بشكل كبير، وإلا لماذا تم إغلاق المحطات التي استمرت بالبيع المباشر بالقوة وبواسطة المسلحين التابعين للجماعة بحجة مخالفة الأسعار، بينما الأسعار أصلا مضاعفة عندما يبيع لك عاقل الحارة أسطوانة غاز معبأة نصف العبوة فقط بسعر (3500 ريال)، أي أن عبوة أسطوانة كاملة تكلف قرابة (7000 ريال)، بينما تم إغلاق محطات كانت تبيع نفس الكمية من الغاز بسعر (4200 ريال).
قد تضطر أحيانا لدفع مبلغ أعلى بشكل سري لعاقل الحارة أو المسؤول عن تسجيل أسماء السكان لديه، وذلك لتعجيل دورك والحصول على أسطوانة غاز بنصف العبوة بوقت أسرع وبسعر أسطوانة كاملة التعبئة.
لقد نجح الحوثيون بافتعال الأزمة المستمرة في وقود الطهي المنزلي على مدار سبعة أشهر، بجعل المواطن يبحث عن حاجته من الغاز بأي ثمن، لكن هذا النجاح مؤقت ونتائجه غير سارة للجماعة على المدى المنظور.