السعودية مركز جبهة عربية.. معارك قطرية بريطانية حول معركة الحديدة

السياسية - Monday 12 November 2018 الساعة 08:42 am
عدن، نيوزيمن، أمين الوائلي:

راهن الحوثيون على دور بريطاني يكون بمثابة الغطاء لاستمرارية سلطتهم وتواجدهم في ميناء الحديدة الاستراتيجي وفي المدينة. واعتمدوا على ذلك في جزء من استراتيجيتهم الخاصة للتعامل مع نشوب معركة قتالية عنيفة تستهدف إرخاء وخلخلة قبضتهم على الحديدة ودفعهم خارجها.

ومع أنهم أعدوا، بالفعل، لمعركة متوقعة منذ أشهر طويلة مع انطلاق مرحلة تحرير الساحل الغربي بداية من باب المندب والمخا، إلا أن الاحتماء بالراعي البريطاني مثل فكرة شهية تسرّبت إلى العضلات والجهاز العصبي على شكل رسائل إيحائية تبعث على الاسترخاء قرين الثقة واليقين.

ولم تدخر بريطانيا، كما هو واضح، جهداً في سبيل الهدف المتفق: إلغاء وتعطيل المواجهة.. ثم وقفها.. ثم الآن -وقد قطعت المعركة شوطاً كبيراً وانحسر الحوثيون عن أجزاء كبيرة من المساحة الجغرافية للمدينة- إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل ذهاب العملية العسكرية، التي تراكم مكاسبها، إلى دفع المليشيات الحوثية خارج الحديدة تماماً، ليست المدينة والميناء فحسب وإنما المحافظة والإقليم في الساحل الغربي.

سر "غريفيث" الخاص

كان مارتن غريفيث، السياسي الانجليزي الذي يوصف بـ"المخضرم" و"الخبير بالشئون اليمنية"، قد خاض مغامرة شديدة الحساسية - من موقعه كمبعوث أممي ووسيط تتحدد مهمته في تيسير التقارب والحوار بين أطراف متصارعة وصولاً إلى وقف الصراع والعنف وتثبيت هدنة إنسانية طويلة تترجمها المفاوضات إلى اتفاق سياسي شامل.

لكنه فضّل أن يستخدم خبراته الخاصة على خبرة الوسيط الأممي المنتدب عن أعضاء مجلس الأمن ونيابة عن السكرتير العام للأمم المتحدة (أسرة المجتمع الدولي)، وذهب إلى ما اعتقد أنه يتميز به عن سلفه الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ أحمد، فهذا الأخير لم يكن يمتلك مرجعية تخوله استخدام نفوذها لدى الحوثيين وفي طاولة القرار الدولي كضامن له كلمته في مجلس الأمن، مثل بريطانيا (الرسمية) التي ألقت بثقلها وراء السياسي البريطاني في مهمة أممية تقاطعت لديها ولديه مع حسابات وطنية وقومية أضيق من دولية وأقل من محايدة.

الجولات المكوكية التي نفذها غريفيث إلى صنعاء ومعقل الحوثيين الانقلابيين ولقاءاته المتكررة في غضون أسابيع قليلة مع القيادات الحوثية جعلته ينتزع على ما يظهر صفقة ما من نوع ما مع المليشيات الانقلابية المدانة بنص قرارات دولية يفترض أن يمثل سلطتها المبعوث الأممي. لكن تبقى التكهنات مراوحة طالما بقي غريفيث يحتفظ لنفسه بـ"سر خاص".

تمايز "جبهات" و"جهات"

لعل استثمارات بريطانيا في ميناء الحديدة تشكل جزءًا من خلفية موقفها العلني ومن طاقة اندفاعها "المثير للدهشة أحياناً وللتعجب أحياناً أخرى"؛ حد تبنيها تفصيل قرار دولي، على مقاس معركة واحدة ضمن صراع كبير وباهظ الكلفة الإنسانية من أربعة أعوام، وعلى مقاس يستبقي المليشيات الموالية لإيران في ميناء الحديدة.

لكن بريطانيا أيضاً كانت تضحي بمصالح أكبر تربطها بالعربية السعودية والإمارات وربما مع الخليج بمعظمه ما عدا قطر التي اندمجت مع الموقف البريطاني وتبنت مسارات موازية تضغط وتدفع في الاتجاه نفسه وصولاً إلى التمكين لقيادي حوثي متهم بجرائم حرب وانتهاكات موثقة أممياً في تقرير الخبراء 2018 للنشر في واشنطن بوست.

ولعل هذا قد مثل انكشافاً فجّاً لمنصة استهداف متعمد ضد الرياض بصفة خاصة وشخصية، على إثر معركة لم تكد تبرد بعد، باتجاه السعودية، وعلى صلة بالصحيفة الأمريكية -قطرية الهوى والميول التاريخية للإخوان وجماعات الإسلام السياسي أو المسلح- وحملة شبكة الجزيرة القطرية في الوقت نفسه من خلال قضية الكاتب والمواطن السعودي جمال خاشقجي.

وتلاقت الأغراض البريطانية والقطرية هنا وفي الولايات المتحدة عند نقطة واحدة تضمر أو تظهر الاستهداف للسعودية كخلفية للموقف من أطراف وخارطة الصراع في اليمن. لم تستطع لندن أن تتخلص من فكرة أن السعوديين خذلوا توقعاتها وأمنياتها حول طرح الاكتتاب الذي كان مقرراً لنسبة من أسهم أرامكو في بورصة لندن. وأشياء أخرى يبدو أنها تعكر صفو العلاقات السعودية البريطانية في الأثناء.

وفيما يبدو كان صانع القرار السعودي يستشرف احتمالات ومآلات من هذا النوع، فالأمير محمد بن سلمان أعلن، قبل عدة أسابيع، أنه مستعد لتحمل وتقبل مواجهة أزمة علاقات مع البريطانيين إذا لم يتفهموا أولويات وخطوط المملكة الحمراء في الملف اليمني.

جولة "شد" و"رد"

لم تستطع بريطانيا تمرير مشروع بيان في مجلس الأمن يتبنى الدعوة لوقف القتال في اليمن حيث معركة الحديدة على أشدها. ولكنها استأنفت من فورها الجهود والتحركات واستقطبت موقفاً أمريكياً تريده مؤيداً لها باتجاه تبني صيغة مشروع قرار ملزم يدعو لوقف القتال في اليمن مع دنو موعد جلسة مرتقبة بشأن اليمن في 16 من الجاري.

وتلوح بريطانيا وأوساط أمريكية بإجراءات ضاغطة من بينها وقف الدعم والتعاون مع عمليات التحالف العربي، بالتزامن مع ذلك كان التحالف يعطي بياناً فريداً ولافتاً عن طلبه من الأمريكيين التوقف عن تزويد طائراته بالوقود، مؤكداً أنه بات يعتمد على إمكاناته الذاتية. كان هذا التزامن كافياً ليحمل معنى ومعطى الرد لا أقل وبحسابات التحدي.

تجمعت الخيوط والمسارب والمعارك السياسية في بوتقة واحدة أخيراً، قطر وبريطانيا (وهذا سيعني إيران بمعنى ما) واللوبيات المعادية للسعودية في الولايات المتحدة كلهم التقوا علناً في محطة مركزية. وجزء من الإدارة الأمريكية بمن فيها الرئيس ترامب وحلفاء آخرون يحافظون على مبدأ وشروط التحالف مع المملكة السعودية، وبالتالي دعم قيادتها للتحالف العربي وعملياته لدعم الشرعية في اليمن. علاوة على إجماع عربي وإسلامي مهم.

معركة أكثر من مصير

هذا الفضاء والأفق الواسع يعطي في حقيقة الأمر تصوراً مهماً حول؛ أهمية وحساسية معركة الحديدة، وخطورة ما ستسفر من نتائج، وانعكاساتها على خارطة المستقبل، واحجام القوى اليمنية ضمن معادلة تسوية سياسية، بشروط تحد وتحدد قوة وخطر حلفاء إيران في اليمن، وتتحرى يمناً يتكامل مع محيطه وجواره العربي الخليجي في منظومة الأمن والمصالح الاقتصادية والمصير القومي.

القرار في الواقع يبقى وحتى اللحظات الأخيرة مرهوناً بما يتقرر عملياً وفعلياً على أرض الواقع. تحرير الحديدة هدف مصيري وهو بصدد الإنجاز. لا أحد يسابق نفسه هنا أو يتسابق مع الوقت، لكن الإنجاز والحسم سيكون في مصلحة الجميع. وعملياً الحديدة تتحرر يوماً بيوم وساعة بساعة.