بأقل من 300 مقاتل وفي عمره الـ80 وفي قلب العاصمة الحوثية.. يبدأ ثورته مختتما حياته بالبطولة

السياسية - Monday 03 December 2018 الساعة 07:26 am
نيوزيمن، خلود الحلالي:

"وأنا أشاهد خطاب الزعيم في الثاني من ديسمبر تيقنت بأن اليمن سيتعافى وشعرت أن بإمكاننا استعادة دولتنا وهويتنا المخطوفتين قسراً".

بهذه الكلمات يصف أحمد ناصر، وهو واحد من سكان العاصمة صنعاء، المشهد لحظة خطاب الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، صباح الثاني من ديسمبر 2017م، الذي دعا فيه إلى انتفاضة شعبية ضد ميليشيا الحوثي، وقدم حياته قرباناً لذلك في الرابع من ديسمبر.

يقول أحمد، في سياق حديثه لـ"نيوزيمن": "خبر استشهاد الزعيم كان صادماً وغير مصدق.. شعورنا بالقوة وأملنا باستعادة دولتنا تلاشى".

أحمد لم يكن وحده من اعتقد لوهلة بإمكانية وضع حد للحقبة الحوثية بالغة السوء والفداحة، بعد ظهور الرئيس السابق علي عبدالله صالح يدعو إلى انتفاضة شاملة على الأئمة الجدد، فغيره كثيرون علقوا آمالهم على تلك اللحظات الفاصلة في مسار الصراع والحرب.

في هذا السياق يقول حمير فيصل القفاز، إنه شعر بأن حلم الخلاص من الحوثيين سيتحقق في خضم المواجهات بين أفراد حراسة الرئيس صالح من جهة، وميليشيا الحوثي من جهة ثانية في العاصمة صنعاء.

بيد أن الكابوس انتاب اليمنيين مجدداً بمجرد إعلان استشهاد الرئيس صالح رفقة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، عارف الزوكا، وهو الحدث الذي بدا لكثيرين غير متوقع، حد أن البعض استمر في تكذيبه لأيام بل وأشهر.

في مثل هذا اليوم كانت الحرب مشتعلة داخل صنعاء، وكان من بقي مع الزعيم “قليل من الرجل لا يتجاوزون الـ300”.

يروي نبيل الصوفي، الذي يقول إنه قضى نهار المواجهات الأول مع الزعيم، أن الزعيم رفض الاتصال بعبدالملك الحوثي. وقال: “بيجلس يشتكي من أصحابه.. ما هو صاحب قرار”. كما رفض الاتصال ودعوة قيادات حزبه المؤتمر للحضور إلى منزله لإدارة التطورات واتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية”.

قال الصوفي: “قلت له أين هي قيادات المؤتمر.. أين صادق أمين أبو راس، وجلال الرويشان، ويحيى الراعي.. لماذا لا نتصل بهم للحضور هنا، فالمصير واحد؟ فرد الزعيم: “ما أقول لهم تعالوا دافعوا عن بيتي.. أنا سأقاتل أنا وعيالي..”، وأنه أضاف “ثلاث سنوات نحاول.. عيينا نحبهم وعيوا يحبونا”.. إذاً ما للمواجهة من بدّ.

واختفت كل الوجوه المؤتمرية في الداخل والخارج حابسة أنفاسها، غالبها كان يقتله القلق خوفاً من أن “ينتصر صالح..”.

وقد حاول الزعيم تهدئة الخارج بكلمته.. أنه لايريد سلطة له.. بل يريد الناس أن تستعيد دولتها، مذكراً أنه في آخر العمر.. فهو يدخل عامه الثمانين.

الانتفاضة في صنعاء وصداها في الساحل

فجّر الرئيس اليمني علي عبدالله صالح انتفاضة الثاني من ديسمبر في صنعاء، بعدما تمادت ميليشيا الحوثي في إيذاء اليمنيين، بمن فيهم صالح وأقاربه، وأوغلت في تجريف دولتهم وهويتهم، لصالح تكريس تهويمات دينية وعنصرية غير مألوفة، فدوت الاشتباكات في العاصمة، ووصل صداها إلى أنصار صالح في غير منطقة يمنية، بما في ذلك جبهات القتال في الساحل الغربي.

يقول علي أحمد، وهو جندي في الجيش، كان يشارك إلى جانب الحوثيين في المواجهات مع قوات التحالف العربي، في الساحل الغربي: "كنت متنقلاً من منطقة يختل والخوخة والنجيبة وحيس.. انسحبت أنا ومن معي إلى الحديدة وكنا على وشك السفر إلى صنعاء، لكن الحوثيين منعونا بحجة أن الطريق مقطوعة".

ويضيف: "رفاقنا الذين كانوا في الخوخة انسحبوا بعد استشهاد الزعيم إلى الحديدة، بعدها سقطت الخوخة من سيطرة الحوثيين".

عارف الزوكا.. المقاتل الصلب

يسترجع أحد المقاتلين الذين شاركوا ببسالة في انتفاضة الثاني من ديسمبر 2017م، في حديث لـ"نيوزيمن"، اللحظات الأولى التي هيأت ومهدت للمواجهات مع ميليشيا الحوثي في صنعاء. يقول: "بدأت عصابة الحوثي بعمليات استفزازية بنشر نقاط تفتيش في الشوارع المؤدية إلى منزل العميد طارق".

ويضيف: "قاتلنا مع الزعيم بكل شراسة بالرغم أنه منعنا من استخدام مدفع B10 ومدافع الهاون حفاظاً على المواطنين في الأحياء السكنية، وكانت المليشيا الحوثية تستخدم جميع أنواع الرشاشات ومدافع الهاون وB10 حتى الدبابات".

ويكمل حديثه قائلاً: "رغم استخدامنا للأسلحة المتوسطة والخفيفة إلا أننا صمدنا وكبدنا الحوثيين خسائر بشرية بالمئات".

ويروي المقاتل دور الشهيد عارف الزوكا الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام والدور خلال انتفاضة ديسمبر بقوله: "كان الشهيد عارف الزوكا معنا وقاتل بشراسة لم نتوقعها وكان يحفز المقاتلين على القتال بشراسة".

ويتابع: "استمررنا بالقتال يومين متواصلين بدون نوم وكانت التغذية قد انتهت، وكان البعض قد جرح والبعض استشهد ومن تبقى أزهقهم الإرهاق. لكننا رفضنا ترك الزعيم يقاتل لوحده وتسليم رقابنا لعصابة تخون العهد واستمررنا في القتال حتى وصل نبأ استشهاد العميد حسين حميدي".

المشهد على الأرض

يروي مقاتل آخر من الذين استبسلوا في انتفاضة 2 ديسمبر، وشارك في المعارك من أول طلقة إلى اللحظات الأخيرة، في مربع منزل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، بطولات فردية أسطورية، أبطالها جنود وضباط من أفراد حماية منزل الرئيس صالح في منطقة "الثنية" وسط العاصمة.

يقول، في سياق حديثه لـ"نيوزيمن": "يوم 2 ديسمبر كنا قرب منزل الزعيم بعد أن زادت حدة المواجهات في محيط منازل أقربائه بعد اعتداءات الحوثيين".

وأردف: "زادت حدة الاشتباكات وعمل الحوثيون نقاطاً في كل الشوارع المحيطة.. فخرج الزعيم يدعو إلى الانتفاضة"، ويعلق على هذه الجزئية: "كان يوماً مختلفاً، عاد الأمل من جديد للشعب.. في العاصمة تم تقطيع صور ولافتات حسين الحوثي وكانت بداية انتفاضة ناجحة". و”خرج عبدالملك الحوثي للناس مفزوعاً مستسلماً يتحدث للزعيم عن ما عهدوه منه من حكمة وشجاعة”.

ويشير الجندي إلى أن الحوثيين أصيبوا بالذعر وفروا من أغلب الشوارع والمقرات في اللحظات الأولى من انتفاضة ديسمبر 2017 رغم كل التجهيزات المسبقة للمعركة.. جاء ظهر ذلك اليوم (2ديسمبر) والحركة شبه طبيعية".

ويستدرك قائلاً: "ولكن من وقت العصر بدأت عصابات الحوثة تعيد ترتيب صفوفها وتعيد الانتشار ونشر القناصة والنقاط".

وبحسب هذا المقاتل، فإن ميليشيا الحوثي هاجمت قناة اليمن اليوم في وقت المغرب يوم 2 ديسمبر، وقطع بثة القناة قبل أن تقتحمها في الساعة الثامنة ليلاً من نفس اليوم.
في تلك الأثناء عاد الحوثيون لحشد المقاتلين حول منطقة سكن الرئيس صالح واستخدموا جميع أنواع الأسلحة والدبابات والمدرعات وصواريخ قصيرة المدى، حسب رواية الجندي.

ويضيف: "وفي اليوم التالي اشتدت وتيرة القتال ونحن مواصلين الدفاع بكل بسالة دون توقف رغم نفاد الغذاء وتوقف الحركة بسبب انتشار قناصين حوثيين في المنازل والبنايات المحيطة بمربع منزل الزعيم".

خيانات طعنت انتفاضة 2 ديسمبر

وتحدث لـ"نيوزيمن"، ضابط من أفراد حراسة منزل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، عن التفاصيل التي سبقت اندلاع انتفاضة الثاني من ديسمبر قائلاً: "الحرب بدأت بعد المولد النبوي بسبب اقتحام جامع الصالح للمرة الثانية وبعدها تم تعزيز الأماكن التي يسكن فيها الزعيم وأسرته".

وقال إنه و"بسبب تدخل الوساطات القبلية بقيادة الشيخ الغادر تم إخلاء المتارس والانتشار من قبل أفراد حراسة الزعيم وأسرته والتي كانت متقدمة إلى الستين وشارع الجزائر".

ويضيف: "وبعد الوساطة بساعات، وتحديداً عند الساعة الثالثة والنصف فجراً، هاجم الحوثيون منازل الزعيم وأسرته ودارت المعارك بشراسة واستخدمت ميليشيا الحوثي جميع أنواع السلاح الثقيل من دبابات ومدافع بي عشرة وغيرها، فيما استخدمنا البنادق والمعدلات المتوسطة فقط".

وذكر أن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح أصدر أوامر لأفراد حراسة منزله بالانسحاب بعد نفاد الأكل. وقال لهم ما نصه: (أرواحكم أغلى من روحي) لكن الحماية أصرت على المقاومة حتى آخر رمق".

وتحدث الضابط عن "خيانات طعنت انتفاضة ديسمبر، ضلع فيها مشايخ قبليون وضباط انسحب بعضهم مع أفرادهم وقت المواجهات". مضيفاً: "وبعد انهيار المدافعين بسبب الجوع والسهر المتواصل وإذاعة خبر استشهاد الزعيم تم التسليم وأسر الحراسة وحتى المواطنين الذين كانوا يمرون في شوارع العاصمة القريبة من منازل الزعيم وأسرته".

وأشار إلى أن ميليشيا الحوثي مارست صنوفاً من التعذيب بحق الأسرى في انتفاضة 2 ديسمبر، حيث تعرضوا للضرب والصعق الكهربائي في المعتقلات.
وأسر هذا الضابط مقاتلاً في منزل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، في صنعاء، ونقل إلى السجن المركزي وقضى فيه عشرة أيام قبل أن تقوم ميليشيا الحوثي بنقله إلى السجن الحربي لمدة ٢٦ يوماً.

وقال إن ميليشيا الحوثي حاولت إقناعه بالانضمام إليها خلال فترة مكوثه في السجن، إلا أنه رفض رغم الترهيب الذي تعرض له، مشيراً إلى أنه رد على طلب الميليشيا بالقول: "إحنا من جنود عفاش.. وأنتم قلتم إنه خائن.. فكيف أقاتل معكم واحنا خونة؟

البحث عن "طارق" ومخازن "الزلط"

ربما لم يكن يؤرق ميليشيا الحوثي بعد تمكنها من الوصول إلى الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح أكثر من شبح العميد الركن طارق محمد عبد الله صالح، ذلك أنها استنفرت في أرجاء صنعاء للبحث عنه دون جدوى، إلى جانب اتجاهها للبحث عن الأموال والسيارات الخاصة بـ"صالح" وأفراد عائلته".

في هذا السياق يقول واحد من أسرى انتفاضة 2 ديسمبر في حديث لـ"نيوزيمن": "نقلوني إلى مقر تابع لهم وهناك غطوا على وجهي ومزقوا قميص البزة العسكرية التي كنت أرتديها ووضعوا دائرة حول قلبي وقالوا لي: اعترف أو نعدمك الآن".
ويتابع: "سألوني أين طارق؟ فقلت مش عارف، فهددوني بالقتل وأطلقوا رصاصة من فوق رأسي بهدف إخافتي لأعترف".

ويكمل: "كانوا (أي الحوثيين) يستخدمون الصعق الكهربائي أثناء التحقيق معنا، وكانوا يقطعون الأكل ويسدون مجاري الحمامات ويغلقون محابس الماء".

ويضيف الضابط: "وجهوا لي تهماً ملفقة، وهددوني بإصدار حكم إعدام بحقي إذا لم أعترف بها".

ولا يفوت الضابط الإشارة الى أسئلة غريبة كان الحوثيون يوجهونها إليه أثناء التحقيق منها: كم مع عفاش بيوت ومخازن سلاح مخفية؟ كم مع طارق سيارات وأطقم؟ أين يحطوا الزلط (المال)؟ وأين السيارات؟ لافتاً إلى أن الحوثيين أحضروا خطيب جامع الصالح المنشق (المطري) ليحرضهم ضد صالح.