عذابات اليمن الأسمر خارج حسابات "شرعية" الجبليين... هنا تهامة

السياسية - Tuesday 04 December 2018 الساعة 10:16 pm
المخا، نيوزيمن، أمين الوائلي:

بينما تعلن مصادر حكومية عن توقيع اتفاق وصف بـ"الشامل" مع الحوثيين، برعاية أممية، لتبادل الأسرى والمختطفين، يوم الاثنين، كان العشرات من المدنيين، في منطقة واحدة ومن قبيلة واحدة بالزيدية في تهامة، تحت الخطف بالقوة يساقون إلى سجون ومعتقلات أُفرِغت للتوّ من عشرات آخرين نقلتهم المليشيا إلى (زنازن الإمامة) في حجة.

واقعة لا تغير في لا واقعية ما يحدث تباعاً، ومفارقة لن يلتفت إليها أحد في سياق عام من التجاهل العام لتهامة اليمن أو اليمن التهامي، سلماً أو حرباً.

تدور حروب وصراعات حول رصيف ومرسى بمساحة صغيرة من ساحل، هو ميناء الحديدة، والميناء والحديدة جزء صغير من تهامة الكبيرة، ولا يذكرونها وأهلها وبلادها المترامية ومعاناة مترامية متراكمة، وكل العالم يساق بالنفاق إلى بؤرة رصيف ومِنزال حاويات بضائع.

لا توجد اليوم، بكل المقاييس، جبهة وجهة مستبَاحة ومتروكة للحوثيين وكائنات التوحش الجبلية الغازية الباغية كما هي تهامة أو أكثر من تهامة.

قلة من المليشيا تعيث فساداً وبغياً وتسلطاً وانتهاكات يومية مؤلمة في طول وعرض ما تحت يدها من الإقليم التهامي. في حين تزاول الشرعية أولويات محكومة بأمزجة جبلية تعادي البحر وتخسر امتحان الساحل والسهل التهامي وراثة.

هذه الحرب، في 90 بالمائة منها، محكومة بحيثيات ومسببات تنتمي إلى المياه والبحر والموانئ. تهامة الساحلية البحرية مركز الصراع ومدار الاستقطابات الناشبة. لكنها ليست كذلك في وعي وممارسة سلطات الشرعية، التي استنزفت مقدرات المعركة منذ أربعة أعوام في معارك جبلية بائسة واستنزافية، وكأنهم يتقاتلون على مجرد أراض جرداء لا زرع فيها ولا ماء.

زيارة المبعوث الأممي أخذت منه جزءاً من ساعة رفقة مدججين حوثيين، إلى رصيف الميناء وعاد إلى صنعاء. وهذه في أجندة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي هي الحديدة.

فشلت الشرعية وسلطاتها في إقناع غريفيث بالذهاب إلى حيس والتحيتا وبيت الفقيه والخوخة والجراحي. حيث يتوحش الحوثيون ويسومون ناس اليمن الأسمر تنكيلاً وبطشاً، بينما يستطيع الانقلابيون إقناع ممثل المجتمع الدولي بتنفيذ كافة اشتراطاتهم ومطالبهم واحدة تلو الأخرى، حد العودة إلى صنعاء لاصطحاب وفدهم، كما لو عاد غريفيث مجرد مرافق في خدمة انقلابيين.

إنما، وأيضاً، ليس فقط غريفيث من لم يزُر تهامة واليمن البحري، حيث أقدم موانئ العالم وأعرقها وممرات ومحطات التجارة بين شرق العالم وغربه بدأت من هنا. الشرعية نفسها لم تزر تهامة، ولا مرة فكرت هذه السلطة أن تنتمي إلى عرق وضمير ووجع التهاميين.

وإلى اليوم يطوف الإماراتيون وحدهم قرى ومديريات الساحل والسهل التهامي ببرنامج أولويات ملحة للناس هنا، آبار ومضخات وشبكات مياه للشرب، وأرصفة صيد، وأفران خبز للنازحين، ومراكز تطبيب محلية... وغيرها. في حين يزاول شرعيون متنطعون من أماكن بعيدة جداً التنظير الفارغ وشحذ الاحتقانات بمزاعم وأكاذيب تبعث على الرثاء، بينما يتمتعون ومأرب بحماية باتريوت إماراتي من القصف الصاروخي الحوثي.

حملات تجنيد قسري، واقتحامات يومية، ودهم منازل، واستباحة قرى، واعتقالات واختطافات، وقصف يومي على السكان والمساكن، ومحاصرة مديريات، وقطع طرق رئيسة حولت رحلة المواطنين إلى سوق قريب من مسافة نصف ساعة إلى سفر نصف يوم ومعاناة كلفة ومشاق هكذا عذاب. ولا أحد سيذكر حرب الحوثيين على تهامة رغم كل شيء.

مؤخراً تتكشف وقائع نهب وسطو منظم ينشط في معاقل ومراكز أثرية وتاريخية. حفريات وأنفاق تتوصل إلى مكنوزات أثرية قيّمة وقديمة. تستباح تهامة بتاريخها وتراثها وماضيها وحاضرها. تزرع مزارعها بالألغام والمتفجرات بكميات مهولة لا مثيل لها في أي مكان آخر.

ثم لا يجد مركز صحي وحيد (ميداني) في حيس أدوية للمصابين والبسطاء المتعبين، كما نقل نيوزيمن في وقت سابق. ويطالب مدير المستشفى الميداني باعتماد أي ميزانية تشغيلية لمستشفى ميداني يخدم مدينة مثل حيس (..).

اليمن الأسمر ينزف بصمت ولا يكف عن الطيبة وانتظار ما لا يأتي. ميراث طويل من التعايش مع الظلم والتهميش والتجاهل والاستنزاف وانتهازية الجبليين الجلفين. ورغم كل شيء يفرد ذراعيه ويفتح قلبه لليمن الباحث عن يمنه..
... هنا تهامة.