إب.. اعتقال قيادات الأحزاب، تعطيل الصحف، وإعادة اليمنيين إلى حكم "العكفي"
السياسية - Friday 29 March 2019 الساعة 08:57 pm
"هناك خطوات جيدة بدأت في مؤسسات الدولة حتى تحسين الأداء والرؤية الوطنية ستبنى على أساس هوية شعبنا الإيمانية"، هكذا قال زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، أما ترجمة "الهوية الإيمانية" فتتناثر من عمق مبدأ الولاية القائم على مقولة الاصطفاء الإلهي، وهو مبدأ عنصري سلالي.
يحدد حسين الحوثي مؤسس الجماعة الحوثية في ملازمه، المرجعية الرئيسية لأيديولوجية الجماعة، بقوله في تناولة ركيكة موضوعياً، ولغوياً لسورة المائدة، الدرس الثاني "وأنت تتولى الأعلام الذين الله سبحانه وتعالى هو الذي اختارهم وعينهم وحددهم.... فالتولي صحيح حيث تكون الولاية للأعلام الذين رسمهم الله للأمة ونصبهم للأمة".
في القرن الواحد والعشرين يسوقون نظرية ثيوقراطية عفى عليها الزمن، حتى في الفاتيكان، وتتعارض مع مبدأ الشورى الإسلامي بتجلياته الحديثة في الديمقراطية ومؤسساتها.
خطورة النكوص الحوثي في محاولة تعميم معتقد طائفي على اليمنيين بمن فيهم ثلثا عددهم ممن لا يؤمنون مذهبياً بمبدأ الولاية، إضافة إلى بقيتهم الداعين لضرورة التعاطي الإيجابي مع الفكرة الديمقراطية وفقاً لفتوى وقعها عدد من علماء الزيدية في سنوات بروز الظاهرة الحوثية في النصف الأول من العقد المنصرف.
ويسعى الحوثيون لتجذير فكرة الاصطفاء الإلهي، الوجه الآخر المكمل لـ"الولاية" عبر سلوكيات قمعية، ومضادة للمؤسسات والتقاليد الجمهورية التي أخرجت اليمنيين من ضيق الإمامة وعنصريتها. وهي فكرية انفصالية تتجاوز فصل "دولة الولاية" عن اليمن واليمنيين إلى تجذير استحالة التعايش بينها وبين المجتمع إلا بالعنف والإكراه.
إب.. الولاية عدواً للجمهورية
بعد مئات السنين من الصراع الاجتماعي والفكري والديني ضد الإمامة ومخلفاتها، استطاع اليمنيون إنجاز تحولهم الشعبي الأعظم وإعلان انتقال حكمهم من الثيوقراطية المذهبية الطائفية إلى مبادئ الجمهورية.
لم تكن الجمهورية مجرد لافتة سياسية، بل تحول ديني واجتماعي وطني أنقذ اليمن من متلازمة الصراع الذي تفرضه الإمامة، وكانت محافظة إب إحدى المناطق الرائدة في تأصيل ذلك وعياً وثقافة عن طريق العمل المدني منذ ثلاثينيات القرن الماضي مع "هيئة النضال" بقيادة من وصفه المؤرخ الشماحي بأبي الثورة أحمد المطاع في أول ظهور للمعارضة اليمنية لحكم الأئمة خارج النطاق القبلي، وبأساليب عمل التنظيمات المدنية الحديثة.
وتواصل تعاطي الإبّيين المدني مع كل أشكال التحديث الجمهوري ابتداءً من التعاونيات وحتى تأسيس الجبهات اليسارية واليمينية وانتهاءً بالتجربة الحزبية بعد إعلان قيام الوحدة اليمنية في 1990م.
وكسائر اليمنيين، تعانى إب اليوم من انقلاب الجماعة الحوثية، ليس بالاستيلاء على السلطة فحسب، بل وفي سعيها الحثيث للارتداد عن الوعي الجمهوري، وتعطيل المسار السياسي الديمقراطي برمته وتوظيفه الكامل في خدمة أجندتهم.
على المستوى الحزبي، أدت سياسة الإقصاء والتسلط الحوثي إلى نزوح قيادات محلية، في المحافظة والمديريات، إلى خارج البلاد وبعضها إلى مناطق غير خاضعة للسيطرة الانقلابية، ومن بين النازحين السياسيين ما يقارب نصف عدد أعضاء مجلس النواب الممثلين للمحافظة. وكان لهذا أثره في جمود شبه تام للنشاط الحزبي المحلي، ليس على الصعيدين السياسي والجماهيري فقط، كما يتكشف في طبيعة المشاركة الحزبية في إجراءات العملية الانتخابية الحوثية بأربع دوائر نيابية، وإنما تجاوزه إلى الفعاليات التنظيمية الداخلية.
يقول أحد القيادات الحزبية في المحافظة، إن حزبه قرر استئناف اجتماعاته التنظيمية المحلية عقب استيلاء الحوثيين على السلطة، ويضيف "أثناء توافد الكادر القيادي للحزب في المحافظة إلى المقر، نفاجأ بدخول ممثلين للولاية القادمة من صعدة إلى غرفة المقيل المخصصة للاجتماع، وألقيا التحية، وأخذا مكانهما بين الحضور، رحبنا بهما وسألناهما عن سبب تشريفهما، فأفادا بأنهما من المجاهدين، وتواجدا للمشاركة في الاجتماع، ما اضطرنا إلى إلغاء الاجتماع وإخبارهما أن اللقاء هو لمقيل اعتيادي، فرد أحدهما: "ولو".
ويواصل القيادي الحزبي بأن أحد الشابين شرع في إلقاء محاضرة عن الوطنية وضرورة ربطها "بقيادة ربانية اصطفاها الله من فوق سابع سماء لا خيار للبشر فيها"، ويختم بعد تأكيده تجميد أنشطة حزبه "أمضى بعضنا عقوداً في العمل السياسي الوطني لنصل اليوم إلى تلقي دروس الوطنية والسياسة من دُمى أطفال الكهوف".
ويذكر ذلك بسياسة "العسكري العكفي" الذي ساد في عهد الإمامة.
لم يتوقف العبث بالعملية السياسية عند إخلاء الساحة من الأحزاب لصالح الخطاب الإقصائي الطائفي، والعمل على إحلال النزعة القبلية التقليدية الفجة محلها. فقد عزز الحوثيون أساليب الضغط متعددة الأشكال بممارسات قمعية أوضحها اعتقال أمين الرجوي المسؤول التنفيذي الأول للإصلاح في محافظة إب، ورميه مع مدنيين آخرين في موقع عسكري بذمار تعرض لغارة جوية من التحالف أسفرت عن مقتل الرجوي وعدد من المعتقلين.
وآخر سبتمبر الفائت اعتقل الحوثيون المسؤولين، رقم واحد، في حزبيهما بالمحافظة، خالد هاشم أمين سر الوحدوي الناصري، وعبدالعزيز الوحش سكرتير منظمة الحزب الاشتراكي، على خلفية بيان مشترك بمناسبة ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962 الجمهورية، حمل مطالب تخص محافظة إب.
قنوات مسدودة
وليست منظمات المجتمع المدني أفضل حالاً من الأحزاب، إذ تفيد (أ. ص) رئيسة منظمة في إب، أن من بين مئات المنظمات المسجلة رسمياً ينشط ما لا يتجاوز عدد أصابع الإنسان، معظمها خارجية تعمل في المجال الإغاثي، والمحلية منها تشتغل كوكلاء مساعدين للأولى.
ويؤكد نشطاء أن المنظمات العاملة في المجالات الحقوقية والديمقراطية اختفت تماماً.
الإعلام هو الآخر نال نصيبه من الردة الحوثية، فمن السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام الرسمي وتوظيفها لخدمة الجماعة إلى خنق الأصوات المخالفة، وإن كان نقدها مخففاً لبعض الممارسات. وما حدث للإعلام في مناطق السيطرة الحوثية حصل في إب التي نزح منها كثير من الإعلاميين، وتوقفت صحف محلية عن الصدور كاللواء الأخضر، إب، النبأ، ومجلة الثجة. غير قمع الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبمحاولات سلمية للتعبير، خرج في أكتوبر طلاب جامعيون تحت يافطة "أنا جائع" يحملون لافتات ورقية مهترئة مكتوباً عليها بخطوط غير احترافية، مطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية، قابلتها السلطات الحوثية بالقمع واعتقال العشرات بتهمة تلقي أموال طائلة من التحالف لزعزعة الاستقرار.
"هناك خطوات جيدة بدأت في مؤسسات الدولة حتى تحسين الأداء والرؤية الوطنية ستبنى على أساس هوية شعبنا الإيمانية"، هكذا قال زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، أما ترجمة "الهوية الإيمانية" فتتناثر من عمق مبدأ الولاية القائم على مقولة الاصطفاء الإلهي، وهو مبدأ عنصري سلالي.
يحدد حسين الحوثي مؤسس الجماعة الحوثية في ملازمه، المرجعية الرئيسية لأيديولوجية الجماعة، بقوله في تناولة ركيكة موضوعياً، ولغوياً لسورة المائدة، الدرس الثاني "وأنت تتولى الأعلام الذين الله سبحانه وتعالى هو الذي اختارهم وعينهم وحددهم.... فالتولي صحيح حيث تكون الولاية للأعلام الذين رسمهم الله للأمة ونصبهم للأمة".
في القرن الواحد والعشرين يسوقون نظرية ثيوقراطية عفى عليها الزمن، حتى في الفاتيكان، وتتعارض مع مبدأ الشورى الإسلامي بتجلياته الحديثة في الديمقراطية ومؤسساتها.
خطورة النكوص الحوثي في محاولة تعميم معتقد طائفي على اليمنيين بمن فيهم ثلثا عددهم ممن لا يؤمنون مذهبياً بمبدأ الولاية، إضافة إلى بقيتهم الداعين لضرورة التعاطي الإيجابي مع الفكرة الديمقراطية وفقاً لفتوى وقعها عدد من علماء الزيدية في سنوات بروز الظاهرة الحوثية في النصف الأول من العقد المنصرف.
ويسعى الحوثيون لتجذير فكرة الاصطفاء الإلهي، الوجه الآخر المكمل لـ"الولاية" عبر سلوكيات قمعية، ومضادة للمؤسسات والتقاليد الجمهورية التي أخرجت اليمنيين من ضيق الإمامة وعنصريتها. وهي فكرية انفصالية تتجاوز فصل "دولة الولاية" عن اليمن واليمنيين إلى تجذير استحالة التعايش بينها وبين المجتمع إلا بالعنف والإكراه.
إب.. الولاية عدواً للجمهورية
بعد مئات السنين من الصراع الاجتماعي والفكري والديني ضد الإمامة ومخلفاتها، استطاع اليمنيون إنجاز تحولهم الشعبي الأعظم وإعلان انتقال حكمهم من الثيوقراطية المذهبية الطائفية إلى مبادئ الجمهورية.
لم تكن الجمهورية مجرد لافتة سياسية، بل تحول ديني واجتماعي وطني أنقذ اليمن من متلازمة الصراع الذي تفرضه الإمامة، وكانت محافظة إب إحدى المناطق الرائدة في تأصيل ذلك وعياً وثقافة عن طريق العمل المدني منذ ثلاثينيات القرن الماضي مع "هيئة النضال" بقيادة من وصفه المؤرخ الشماحي بأبي الثورة أحمد المطاع في أول ظهور للمعارضة اليمنية لحكم الأئمة خارج النطاق القبلي، وبأساليب عمل التنظيمات المدنية الحديثة.
وتواصل تعاطي الإبّيين المدني مع كل أشكال التحديث الجمهوري ابتداءً من التعاونيات وحتى تأسيس الجبهات اليسارية واليمينية وانتهاءً بالتجربة الحزبية بعد إعلان قيام الوحدة اليمنية في 1990م.
وكسائر اليمنيين، تعانى إب اليوم من انقلاب الجماعة الحوثية، ليس بالاستيلاء على السلطة فحسب، بل وفي سعيها الحثيث للارتداد عن الوعي الجمهوري، وتعطيل المسار السياسي الديمقراطي برمته وتوظيفه الكامل في خدمة أجندتهم.
على المستوى الحزبي، أدت سياسة الإقصاء والتسلط الحوثي إلى نزوح قيادات محلية، في المحافظة والمديريات، إلى خارج البلاد وبعضها إلى مناطق غير خاضعة للسيطرة الانقلابية، ومن بين النازحين السياسيين ما يقارب نصف عدد أعضاء مجلس النواب الممثلين للمحافظة. وكان لهذا أثره في جمود شبه تام للنشاط الحزبي المحلي، ليس على الصعيدين السياسي والجماهيري فقط، كما يتكشف في طبيعة المشاركة الحزبية في إجراءات العملية الانتخابية الحوثية بأربع دوائر نيابية، وإنما تجاوزه إلى الفعاليات التنظيمية الداخلية.
يقول أحد القيادات الحزبية في المحافظة، إن حزبه قرر استئناف اجتماعاته التنظيمية المحلية عقب استيلاء الحوثيين على السلطة، ويضيف "أثناء توافد الكادر القيادي للحزب في المحافظة إلى المقر، نفاجأ بدخول ممثلين للولاية القادمة من صعدة إلى غرفة المقيل المخصصة للاجتماع، وألقيا التحية، وأخذا مكانهما بين الحضور، رحبنا بهما وسألناهما عن سبب تشريفهما، فأفادا بأنهما من المجاهدين، وتواجدا للمشاركة في الاجتماع، ما اضطرنا إلى إلغاء الاجتماع وإخبارهما أن اللقاء هو لمقيل اعتيادي، فرد أحدهما: "ولو".
ويواصل القيادي الحزبي بأن أحد الشابين شرع في إلقاء محاضرة عن الوطنية وضرورة ربطها "بقيادة ربانية اصطفاها الله من فوق سابع سماء لا خيار للبشر فيها"، ويختم بعد تأكيده تجميد أنشطة حزبه "أمضى بعضنا عقوداً في العمل السياسي الوطني لنصل اليوم إلى تلقي دروس الوطنية والسياسة من دُمى أطفال الكهوف".
ويذكر ذلك بسياسة "العسكري العكفي" الذي ساد في عهد الإمامة.
لم يتوقف العبث بالعملية السياسية عند إخلاء الساحة من الأحزاب لصالح الخطاب الإقصائي الطائفي، والعمل على إحلال النزعة القبلية التقليدية الفجة محلها. فقد عزز الحوثيون أساليب الضغط متعددة الأشكال بممارسات قمعية أوضحها اعتقال أمين الرجوي المسؤول التنفيذي الأول للإصلاح في محافظة إب، ورميه مع مدنيين آخرين في موقع عسكري بذمار تعرض لغارة جوية من التحالف أسفرت عن مقتل الرجوي وعدد من المعتقلين.
وآخر سبتمبر الفائت اعتقل الحوثيون المسؤولين، رقم واحد، في حزبيهما بالمحافظة، خالد هاشم أمين سر الوحدوي الناصري، وعبدالعزيز الوحش سكرتير منظمة الحزب الاشتراكي، على خلفية بيان مشترك بمناسبة ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962 الجمهورية، حمل مطالب تخص محافظة إب.
قنوات مسدودة
وليست منظمات المجتمع المدني أفضل حالاً من الأحزاب، إذ تفيد (أ. ص) رئيسة منظمة في إب، أن من بين مئات المنظمات المسجلة رسمياً ينشط ما لا يتجاوز عدد أصابع الإنسان، معظمها خارجية تعمل في المجال الإغاثي، والمحلية منها تشتغل كوكلاء مساعدين للأولى.
ويؤكد نشطاء أن المنظمات العاملة في المجالات الحقوقية والديمقراطية اختفت تماماً.
الإعلام هو الآخر نال نصيبه من الردة الحوثية، فمن السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام الرسمي وتوظيفها لخدمة الجماعة إلى خنق الأصوات المخالفة، وإن كان نقدها مخففاً لبعض الممارسات. وما حدث للإعلام في مناطق السيطرة الحوثية حصل في إب التي نزح منها كثير من الإعلاميين، وتوقفت صحف محلية عن الصدور كاللواء الأخضر، إب، النبأ، ومجلة الثجة. غير قمع الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبمحاولات سلمية للتعبير، خرج في أكتوبر طلاب جامعيون تحت يافطة "أنا جائع" يحملون لافتات ورقية مهترئة مكتوباً عليها بخطوط غير احترافية، مطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية، قابلتها السلطات الحوثية بالقمع واعتقال العشرات بتهمة تلقي أموال طائلة من التحالف لزعزعة الاستقرار.