محاولة تغيير ديموغرافيا المدينة بقوة السلاح وأدوات الدولة
السياسية - Sunday 31 March 2019 الساعة 11:56 pm
عرض قائد كتائب أبي العباس على الشرعية، العام الماضي، أن يغادر أتباعه، من السلفيين ومقاتلي الكتائب مع أسرهم، إلى خارج تعز؛ لتجنيبهم الاستهداف الذي بدأ -حينها- تحت شعار ملاحقة القاعدة وداعش، وكان المقصود فيه السلفيين في تعز.
لا يقبل الإصلاح بوجود كتلة سلفية إلى جوار نفوذه في تعز، وخصوصاً إذا كانت هذه الكتلة السلفية تملك سلاحاً تقاتل به الحوثيين وتذود به عن نفسها، وكذلك وجود هذه الكتلة في جنوب مدينة تعز يشكّل للإخوان همَّاً مضاعفاً.
لم يتمكن الإصلاح، منذ بداية نشاطهم العلني في التسعينات، من الحصول على قاعدة جماهيرية فى مناطق المدينة القديمة والأحياء العتيقة في تعز، وكان وجوده يتركز في مناطق الشمال، الأحياء التي احتضنت القادمين من الريف طلاباً، استقطبهم الإصلاح، وموظفين وسكاناً لاحقين في هذه الأحياء.
وتأتي محاولة الإصلاح الجديدة لإحداث تغيير ديموغرافي في تعز بقوة السلاح وسلطة الأمر الواقع، على غرار السلوك الحوثي في أمانة العاصمة، وخطوات تسكين القادمين من صعدة وحجة في أحياء صنعاء وحزاماً عليها.
لن يهتم الإصلاح بانتقادات تهجيره لآلاف الأسر وإخراجها من المدينة القديمة، وحتى الحديث عن إخراج المسلحين من أبناء هذه الأسر إلى الكدحة أو غيرها، هو تهجير قسري؛ لأن الإجراءات الأمنية التي سيتم ترتيبها في المدينة بإشراف الإصلاح، ستحول كل من يعود إلى منزل أسرته زائراً لأهله مطلوباً أو إرهابياً، وفي الحالتين يعد إخراج عناصر أبي العباس من مدينتهم -سواءً مع أسرهم أو بدون- تهجيراً قسرياً.
تتموضع الأحياء العتيقة في تعز على أقدام جبل صبر من صينة حتى صالة، وتضم كثافة سكانية معتبرة وإرثاً مدنياً عريقاً يتعثر به الإصلاح في كل انتخابات منذ المجالس البلدية في السبعينات، وتتوزع الكتلة التعزية الحديثة والمختلطة الساكنة في تعز على مساحات واسعة شمالاً وجنوباً.
يتواجد أبناء جبل حبشي، بكثافة، في بيرباشا ومناطق الثلاثين والمطار القديم، كون هذه المناطق محاذية لمديريتهم، ويتكدس أبناء شرعب في عصيفرة والأربعين، ويتسابقون على عقارات الجهة الشمالية حتى الستين، ويتواجد أبناء صبر أسفل الجبل، ويتقاسم الجميع بقية المدينة، مصالحَ وسكناً وعملاً وتواجداً.
وما يسعى إليه الإصلاح، حالياً، هو إخضاع جنوب المدينة لسلطته، وضمان نفوذه عليها كما ضمن النفوذ على الشمال مستغلاً وجود قيادات حزبية وعسكرية داخل الحزب تنتمي للجانب الشمالي.
يتحرك الإصلاح بعقلية زعماء المافيا الباحثين عن التوسع لمصالحهم في الجغرافيا من خلال قوتهم وإضعاف خصومهم في حال رفضوا الانصياع لهم، وينسى إخوان تعز أن هذه المدينة أعيت العثمانيين والأئمة والحوثيين، وصدّرت للمنطقة أنموذج دولة بني الرسول التي أخضعت حتى صعدة لحكمها.
جرب الإصلاح القمع والسجون وإلقاء تُهم الحوثنة على أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام منذ بداية الحرب، رغم موقف هذه القاعدة الجماهيرية في تعز ضد الحوثيين وانفلاتها عن تحالفات قيادتها في صنعاء، وذلك من أجل إبعاد أنصار المؤتمر عن التأطير في الجيش باستثناء القليل.
كما اعتمد الإصلاح، أيضاً، على السلاح لإسكات السلفيين، ووجد نفسه، العام الماضي، في أول حملة على المدينة القديمة، محاطاً بسياج واسع من التساولات عن جدوى احتلال الجحملية من قوات أبي العباس التي حررتها من الحوثيين، وكذلك الجمهوري وثعبات شرقاً، لأن الناس في تعز يعرفون تفاصيل معارك التحرير التي عايشوها لحظة بلحظة.
وموخراً توجه الإصلاح نحو الناصريين يهددهم بإقالة مديري المديريات ومسؤول صندوق النظافة بتعز المحسوبين عليهم، وكذلك مستشفى الثورة، لأن الناصريين -ومعهم قطاع كبير في تعز- وقفوا ضد الهجوم العسكري لإخصاع المدينة القديمة لسلطته الحزبية بأدوات واسم الدولة.
وفي حين كان لا أحد يستطيع كتابة منشور على فيس بوك ضد الإصلاح من داخل تعز، ها هي تعز اليوم تضج كلها حديثاً ونقاشاً وانتقاداً لتصرفات الإصلاح، بل وتتظاهر أيضاً، وتطالب بإقالة قيادات الحزب في الجيش والأمن.
يقف الإصلاح ضد الجميع ومع نفسه فقط، ويحتكر الوطنية وأدوات الدولة، ويريد العبث بالجغرافيا والسكان من أجل تثبيت حضوره في مجتمع عصي على الإخضاع بالقوة حتى وإن سكت حيناً من الوقت.
ولا يريد الإصلاح في تعز سلفيين سوى جماعة الحكمة التابعة لقطر، ولا يريد مؤتمريين سوى عارف جامل وعلي سرحان، ولا يريد ناصريين مطلقاً، ويتصرف مع الجميع وكأنهم دخلاء على تعز حتى وهو يهاجم المدينة القديمة التي تشكل نواة تعز المدينة.
ومع هذا كله فقد وجد إصلاح تعز نفسه معزولاً، ومن أهم مظاهر عزلته بيانه الصادر مؤخراً من تعز، والذي تحدث فيه عن حملة ممنهجة، في الوقت الذي هو من يملك إعلاماً خاصاً، ويسيطر على إعلام الدولة أيضاً، ويملك جيوشاً الكترونية... ومع هذا هُزم شر هزيمة؛ لأن لسان المذنب تتلعثم وقت الإجابة.