العرب.. ربيع الثورات يئنّ من زوابع خريف الغضب

العرب.. ربيع الثورات يئنّ من زوابع خريف الغضب

السياسية - Saturday 04 January 2014 الساعة 11:56 am

محمد الغباري بعد مرور ثلاث سنوات على انطلاق رياح التغيير عبر ما سمي ثورات الربيع العربي، لا يبدو المشهد وردياً لأنه لم يحقق شيئاً من طموحات الشعوب التي انتفضت على أنظمتها السابقة وأسقطت حكامها في أكثر من بلد عربي في المنطقة. ويقفز السؤال، لماذا تحولت ثورات الربيع إلى خريف غضب في البلاد التي انتفض شعبها من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية؟ سؤال ينقسم حوله الكثيرون، بين من يقول إن الربيع لا يزال يفرز تداعيات لم تنته، وبين قائل يرى أن خريفاً من الغضب هو ما يجري وسيستمر، إلى أن تهدأ الأمور، في وقت يسلم فيه المنتفضون أن الربيع انتهى.. فهل انتهى بالفعل؟ تلك الثورات كان يمكن لها أن تحقق شيئاً من حلم الجماهير العربية لو قادت نفسها بنفسها، وسارت في طريق واحد فقط هو طريق الحرية والعدالة والمساواة. ولكن لأنها أوطان تتمتع بمواقع وثروات فهي مهمة للغير، ولتصبح الفرصة مواتية أمام الغير للتدخل بالتحريض والتأليب لمنع تحقيق ما تريد، والوصول لغاياتها، ولأن أهداف الشعوب، كانت على النقيض من مصالح تلك الدول في الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، بدأت حالات من الإرباك والفوضى تعم المشهد العام، ليختلط الحابل بالنابل، حتى أصبحت الصورة أكثر ضبابية وسط رياح عاتية، وأيام حبلى بالأحداث لم ينجل غبارها بعد صنعاء : النظام رحل والأوضاع اليمنيـــة أكثر قتامة رغم انقضاء عامين على رحيل نظام حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلا إن حالة الغضب التي تسود الأوساط الشعبية والنخبوية على حد سواء من أداء النظام الجديد ومن استمرار الانفلات الأمني وتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد، لا تزال متواصلة. ورغم أن البلاد حتى اللحظة خارج إطار الحرب الأهلية، إلا إن ارتخاء قبضة السلطة المركزية، واتساع رقعة القتال مع تنظيم القاعدة ليشمل ثلث محافظات البلاد، واستمرار المواجهات المذهبية في محافظات الشمال بين جماعة الحوثي الشيعية والجماعات السلفية، كلها ترسم صورة قاتمة لمستقبل البلاد. استطلعت آ«البيانآ» آراء عدد من الناشطين الذين شاركوا في الثورة الشبابية التي أدت إلى إسقاط نظام الحكم في محاولة لقراءة حاضر اليمن والوجهة التي تمضي نحوها في المستقبل. تقول القيادية في الثورة الشبابية سامية الأغبري: إنه وحتى الآن لا نستطيع أن نحكم، ما إذا كانت هذه الثورات نجحت او فشلت، اذ لا يزال عمرها قصيراً، ولكن للأسف هناك حالة من الفوضى والاقتتال فرضتها جماعات في أغلبية دول الربيع العربي... حيث تسلقت الثورات بعد ان تأكدت من نجاحها لتحقق حلمها في الوصول إلى السلطة بعد إقصاء الثوار الحقيقيين. وأرى أن الخطاب المتطرف لتلك الجماعات وصل حد تخوين للثوار الفعليين، بل والسعي لتصفيتهم في بعض الدول، على اعتبار أنهم علمانيون وكفار، وبرزت نغمة تقسيم أفراد المجتمع إلى مسلم وكافر ... كما حدث في مصر وفي تونس ويحدث في اليمن. وتناست تلك الجماعات أن أولئك الذين كفروهم كانوا شرارة الثورة، في وقت كانت أحوال الكهول متذبذبة في مواقفها من الثورات في بعض الدول، بل وصفت الربيع العربي في بدايته بالفوضى كما في اليمن، واليوم سوريا. آ وعملت الجماعات المتطرفة على الإساءة للربيع العربي، خاصة في سوريا بتصدرها واجهة الثورة، وجندت المتطرفين من كل البقاع ودفعت البلاد نحو اقتتال على أساس طائفي، ما شكّل طعنة في خاصرة الربيع العربي، وأجهض حلم قيام الدولة المدنية العصرية. والجماعات الإسلامية تتحمل مسؤولية إقصاء الآخرين.. وما يحدث في اليمن ومصر وتونس يؤكد ذلك، وهو وراء انتكاسة الثورة، وقالت إن المؤشرات تقول إن النظام وخصوصاً تحالف الإخوان المسلمين في اليمن ومن ثار الشعب ضدهم يعودون من جديد ما يعني أن النظام يعيد إنتاج نفسه. آ الرحيل والبديل ويرى الناشط الشبابي عبد الله بن عامر أن الربيع العربي نجح في إسقاط الأنظمة لكنه لم ينجح في بناء أو إحلال أنظمة بديلة وفي حل المشاكل والقضايا التي كانت من أهم أسباب اندلاع الثورات، وعلى العكس من ذلك تماماً فإن الكثير من المؤشرات تؤكد تفاقم الأزمات الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية والانفلات الأمني. والتفجيرات والاغتيالات وتنامي دور الجماعات الأصولية المسلحة تؤكد أن الربيع أخفق إخفاقاً كبيراً في تحقيق تطلعات الشعوب، بل فشل حتى في استعادة الاستقرار الأمني والاقتصادي، وصياغة مشروع توافقي جامع يضمن الانتقال الآمن الى مرحلة جديدة. والبلاد تحتاج إلى سنوات لاستعادة الأمن والاستقرار، لكن بحذر فمؤشرات الغضب الشعبي باتت السمة الغالبة في اليمن وهي في ازدياد. والحذر واجب من استمرار حالة الفوضى التي أفرزها عدم حسم المعركة بين القوى المتصارعة، وغياب الرؤية الواقعية للخروج من حالة الأزمة، ولافتقار إستراتيجية واضحة لتحقيق التغيير، ناهيك عن العوامل الخارجية، وتأجيل وترحيل كافة القضايا المتعلقة بالحركة الاحتجاجية الحقوقية ومؤكد أن استمرار الفوضى سيؤدي إلى إسقاط الحكومة الحالية. ويُظهر الناشط محمد المقبلي نظرة أقل تشاؤمية تجاه الأوضاع المحلية، ويقول إن الثورة العربية السلمية التي بدأت عام 2011 هي موجات مثل فصول السنة تماماً يمر بها الربيع والخريف والشتاء والصيف، والثورات موجات مستمرة حتى تصل لمرحلة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.aأحلام التونسيين في مهب الريح ويد الأحزاب الرجعية تستعد تونس لإحياء الذكرى الثالثة للإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، في ظل ظهور حالة من التشكيك العام بطبيعة الأحداث التي عرفتها البلاد أواخر ظ¢ظ ظ،ظ  وأوائل ظ¢ظ ظ،ظ،، فشريحة مهمة لم تعد تعترف بوجود ثورة، لغياب الفلسفة والقيادة والثوا، وظهور مجموعة هيمنت على السلطتين الحاكمة والمضادة، دون أن يكون لها أي دور في قيادة الاحتجاجات التي أطاحت بالنظام السابق. آ وفي الذكرى الثالثة لبداية الانتفاضة الشعبية في ظ،ظ§ ديسمبرظ¢ظ ظ،ظ ، تخلّف رؤساء الدولة والحكومة والمجلس الوطني التأسيسي عن إحياء المناسبة بمدينة سيدي بوزيد، وقد عرضت في ديسمبر الماضي بعض الصور تظهر حالة الإهمال التي بات عليها قبر محمد البوعزيزي، الشاب الذي سبق وأن سمّي بأيقونة الثورة بعد أن كان قد أضرم النار في جسده، لتنطلق منه شرارة الاحتجاجات. آ ولا تزال المناطق الداخلية التي شهدت بداية الانتفاضة ضد نظام بن علي دون تنمية، وباتت في وضعية أسوأ مما كانت عليه سابقاً، ويشكو العاطلون عن العمل من أصحاب الشهادات العليا من بقائهم على وضعهم، في حين تقوم الحكومة بتوفير مواطن الشغل للمتمتعين بالعفو العام ممن ينتمون الى التيارات الإسلامية وخاصة الى حركة النهضة. ويرى المحلل السياسي منذر ثابت أن ما حدث لم يكن ثورة بالمعنى الحقيقي، هي احتجاجات شعبية تم تجييرها خارجياً لتنفيذ مشروع دولي كان مطروحاً منذ سنوات لتغيير وجه المنطقة العربية. وقال استمعت منذ عام 2008 الى إشارات واضحة بقرب حصول تحولات في المنطقة، وقد أبلغت ذلك للرئيس المخلوع. نعم النظام السابق ارتكب أخطاء منهجية في التعامل مع طبيعة المرحلة الا أن ما حدث لم يكن ثورة... وإنما بداية المران لمشروع يستهدف دولاً وأنظمة أخرى. ويشير المحلل والناشط السياسي خليفة الطرابلسي الى أنه من العسير الحديث عن ثورة لم يكن لها فكر ولا قيادات ولا مشروع سياسي ولا ثقافة ثورية، فورثتها جماعات دينية، جعلت منها مطية للحكم دون أن تكون فاعلة فيها. وكيف لنا أن نتحدث عن ثورة، ونحن نراها خاضعة لأحزاب رجعية ترفع شعارات العودة للوراء؟ ويهيمن على مسارها عجائز السياسة... وتسير على ذات الاتجاه السابق من الفساد والصراع على السلطة، في حين يقع تغييب الأغلبية الساحقة من الشعب وهي الأغلبية الصامتة التي تراقب الوضع دون أن يكون لها دور في إدارته، ولا أمل في تغييره الا بما قد يحدث من حراك اجتماعي ناتج عن اليأس، قد يعيد تشكيل الوضع عاصفاً بكل ما نراه اليوم من قيادات وشعارات وتحالفات وحسابات سياسية ضيقة. آ مرحلة صعبة ويعتقد القيادي في الحزب الاشتراكي المعارض نوفل الزيادي أن البلاد تمر اليوم بمرحلة صعبة من تاريخها، فلا هي حققت أهداف ثورتها، ولا تجاوزت مرحلة الخوف مما آلت اليه الأوضاع وخاصة خلال العامين الماضيين. وتعيش أيضاً حالة من القلق بسبب الاغتيالات السياسية والتهديدات اليومية بالتصفية الجسدية لرموز السياسة والإعلام والثقافة... وانتشار السلاح، وظهور الإرهاب كخطر حقيقي وليس افتراضياً، وانتشار الخطاب الديني المتشدد، واتساع دائرة التكفير والتخوين، الى جانب الفقر والبطالة والتضخم وغلاء الأسعار والفساد المالي والإداري وتحولها لمصدر رئيس للإرهاب في المنطقة، والتدخل الخارجي. آ ولا يخفي النائب بالمجلس الوطني التأسيسي والقيادي بالتيار الشعبي القومي الناصري مراد العمدوني أن هناك أطرافاً وضعت يدها على ثورة الشعب، وحوّلتها الى غنيمة شخصية وحزبية عبر تحالفات داخلية وخارجية مشبوهة. آ ومن نكد الدنيا علينا أن نرى بعض من صنعوا الثورة في السجون أو في القبور أو قيد التهميش والتجاهل، في حين تؤول ثمار ها الى من لم يكن لهم أي دور في الإطاحة بالديكتاتورية ونظام الاستبداد. ونرى أيضاً من لا يؤمنون بالديمقراطية، باتوا أوصياء على المشروع الديمقراطي، وعجائز السياسة باتوا هم المؤتمنون على ثورة الشباب، وكل ذلك ينذر بحالة من الغضب العارم الذي قد يجتاح البلاد لإعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي. تناقضات وفي ظل الأوضاع المتردية، عاد رموز النظام السابق بقوة الى الساحة السياسية، وتشكلت أحزاب جديدة من رحم حزب التجمع الدستوري الديمقراطي السابق، من بينها حزب الحركة الدستورية بزعامة حامد القروي الذي شغل منصب الوزير الأول لمدة عشرة أعوام في عهد بن علي ومنصب نائب رئيس حزب التجمع الى غاية سقوط النظام... آ وانبرت أصوات تدافع عن النظام السابق، وتراه وطنياً وفّر الأمن والاستقرار والتنمية للبلاد. وبات جزء من المواطنين يتحصنون بفكر الزعيم الحبيب بورقيبة، وبرزت أحزاب وتيارات وجمعيات ترى أن الثورة لن تتحقق إلا بإعلان الخلافة وتطبيق الشريعة وإعادة المرأة الى البيت وإباحة تعدد الزوجات.