من هو رئيس العصابة الذي تبنى الحوثي قصف أرامكو بدلاً عنه؟

السياسية - Tuesday 17 September 2019 الساعة 07:19 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

مصلحة أمريكا من قصف أرامكو

(1)

مشهد من فيلم قديم، بدا فيه رئيس العصابة يقنع أحد أفراده بالاعتراف بجريمة قتل بدلاً عنه، وعده أن يتحمل كافة نفقات أسرته ومصاريفه في السجن، وأن يعمل على تهريبه لاحقاً، مهما كان الحكم الصادر ضده.

قَبِل القاتل المزعوم تمثيل الدور بفخر، فقد كان القتيل خصماً له وطالما أشبعه ضرباً وإهانة، وأراد أن يبدو أمام أصدقائه قادراً على الانتقام من خصمه، لكنهم لم يستطيعوا تصديق روايته بأنه القاتل، حيث إنّ طريقة القتل كانت أكبر من قدرته.

بعد جلسات المحاكمة صدر الحكم بإعدامه، وظل بانتظار وعد رئيس العصابة بتهريبه من السجن قبل تنفيذ الحكم، لكن رئيس العصابة كان قد نساه في زحمة جرائمه الأخرى، وعند اقتياده إلى ساحة الإعدام أنكر التهمة واعترف بالحقيقة، لكن الحُكم نُفذ وتم شنق الرجل الذي تفاخر بجريمة لم يرتكبها، وظل القاتل على قيد الحياة.

تذكرت هذه المشاهد، وأنا أتابع تداعيات قصف أرامكو السعودية قبل أيام، وإعلان الحوثيين تبني العملية، بينما تحقيقات التحالف كشفت أن القصف جاء من الشمال الشرقي للسعودية وليس من اليمن، واستُخدمت فيه أسلحة إيرانية الصنع، وصور الأقمار الصناعية الأمريكية قالت إن القصف تم بصواريخ كروز، وأن إيران هي من خطط له.

بعد أسابيع من إعلان الحوثيين قصف أنابيب النفط السعودي في رمضان الماضي، كشفت أمريكا بناءً على صور أقمارها الصناعية أن القصف تم يومها من أراض بجنوب العراق عبر طائرات مسيرة، ولكن بعد أن استخدم الحوثيون تلك الحادثة ضمن آلتهم الدعائية التي تنسب للجماعة أفعالاً أكبر من قدراتها بكثير، يوظف الحوثيون أية حادثة تظهرهم أقوياء أمام أتباعهم، وفي نفس الوقت ينفذون تعليمات رئيس العصابة في طهران، كعضو العصابة الذي اعترف بالقتل في الفيلم، لكن الفيلم الذي يجري هنا أعقد سيناريو، وأحداثه تجري على الأرض.

مرات كثيرة تبنى الحوثيون تنفيذ عمليات لم يقوموا بها ولا يستطيعون القيام بها، وأكثر من مرة أيضاً اتهموا التحالف بعمليات قصف لأهداف مدنية بينما لم يقم بها التحالف بل نفذها الحوثيون، كحادثة سعوان التي قتلت تلاميذ مدرسة الراعي وعدداً من المواطنين لانفجار مخازن وقود ومواد متفجرة تابعة للحوثيين، لدرجة تورطت قناة العربية نفسها بتبني قصف منطقة سعوان، لكن منظمة العفو الدولية كشفت الحقيقة لاحقاً.

هذه هي المرة الثالثة التي أعلن الحوثيون فيها تبني عملية قصف، ولم يقر الطرف المستهدف بذلك، بل شكك بالرواية الحوثية، وفي المرة الأولى كشفتها الأقمار الصناعية وتم تحديد الفاعل في جنوب العراق، وفي المرة الثانية تم اتهام طرف مختلف في حادثة قتل القيادي أبواليمامة بعدن، وهذه المرة تم التشكيك منطقياً في أن الحوثيين هم الفاعل وقت تنفيذها، ثم كشفت التحقيقات بشكل عملي أن لا علاقة لهم بالقصف، وأنه رئيس العصابة شخصياً قد قام به أو كَلَّفَ به عضواً آخر في عصابته المنتشرة في المنطقة.

(2)

تزامن قصف أنابيب النفط السعودي قبل أشهر مع تصاعد الأزمة بين الغرب وإيران، وتزامن هذه المرة قصف أرامكو مع محاولات إيرانية للتصعيد في مضيق هرمز بعد خطفها أكثر من سفينة من الخليج العربي، بعد عجزها عن التمرد على العقوبات الأمريكية التي منعت طهران بيع نفطها الذي يتم تصديره عبر مضيق هرمز، وبعثت إيران رسائل واضحة عبر أذرعها في المنطقة سواءً في اليمن أو في العراق، أن منعها من تصدير النفط يعني تهديد الملاحة وعمليات تصدير النفط من الدول الأخرى وأولها السعودية، وهذا يعني ببساطة أن أي استهداف لمنشآت النفط السعودي يأتي خدمة لطهران بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة، مهما كانت الجهة المنفذة.

في كل الأحوال هناك سؤال مهم تضعه معطيات الحادثة الأخيرة، وصمت واشنطن على عمليات الاستفزاز الإيرانية في المياه الدولية للخليج منذ أشهر:

هل من مصلحة واشنطن تهديد منشآت النفط السعودي، أم أن الاقتصاد الأمريكي سيتضرر نتيجة ذلك كما قال ترامب مؤخراً؟

قال ترامب، في تغريدة على تويتر، إن أمريكا حالياً هي المصدر الأول للطاقة في العالم، ولم تعد بحاجة إلى غاز ونفط الشرق الأوسط، لكنها ستحمي حلفاءها رغم ذلك، فقد أصبحت واشنطن دولة تملك فائضاً كبيراً من النفط، بعد أن كانت مستوردة له لعقود، ومنحت الرياض حمايتها الكاملة نتيجة لحاجتها لثرواتها النفطية، فهل لا تزال واشنطن حريصة على حماية الرياض حالياً؟

إن ترامب التاجر أعلى صوتاً وأكثر وضوحاً من ترامب السياسي، كما يبدو في تصرفاته وخطاباته، وطالما استثمرت واشنطن كل نقاط ضعف الرياض وابتزتها مبالغ مالية هائلة، ومن يتابع توظيف المؤسسات الأمريكية لحادثة مقتل جمال خاشقجي يدرك ذلك جيداً، وكان يمكن لواشنطن إعلان موقف حاد وقوي ضد الحوثيين، أو على الأقل رفع مستوى التعاون مع التحالف معلوماتياً لتسجيل ضربة موجعة للجماعة كرد على تطاولها الكبير على الرياض، أو على الأقل ترفع خطوطها الحمراء المفروضة على القوات المناهضة للحوثيين وتحديداً في الساحل الغربي، لكنها لم تفعل حتى الآن.

أعلن الأمريكيون عن حوار مع جماعة الحوثيين المسلحة في مسقط، ولم تكن هناك أي توضيحات حول القضايا التي سيتحاور الطرفان بشأنها، وهل تخص واشنطن ومصالحها، أم تتضمن قضايا خاصة بالسعودية، التي قالت واشنطن إنها تنسق معها في هذا الملف.

إن أقل تداعيات القصف الذي تعرضت له منشآت شركة أرامكو هي ارتفاع أسعار النفط الذي حدث بنسبة تتراوح بين 15 و18%، وإذا كانت أمريكا هي المصدر الأول للطاقة حسب ترامب، فهذا يعني أنها ستجني مليارات الدولارات من هذا الارتفاع، بحكم تراجع الصادرات السعودية، وإذا تأخرت عودة أرامكو للتصدير بطاقتها المعتادة، قد تسرق واشنطن الأسواق التقليدية للرياض في سوق النفط العالمي، وبالتالي فإن مصلحة واشنطن كبيرة للغاية من قصف أرامكو وقد تكون المستفيد الوحيد بعد طهران التي تكفيها النكاية بالسعودية والانتصار المعنوي والإعلامي.

في سياق مرتبط، هل من مصلحة شركات السلاح الأمريكية تحقيق انتصار سعودي على الحوثيين، أم إضعاف الرياض ودعم الجماعة ضدها، لتستمر بشراء الأسلحة منها؟

لماذا لا تدين واشنطن عمليات الحوثيين الإرهابية ضد اليمنيين، بينما أشعلت العالم منظماتها ووسائل إعلامها عند مقتل خاشقجي؟

إن الأذرع الغريبة التي نمت قوتها بشكل مريب في المنطقة تعمل لخدمة واشنطن وغيرها مهما كان خطابها يقول العكس، ويلعن أمريكا وإسرائيل كل حين، وتلتقي هنا مصالح واشنطن مع مصالح طهران حتى لو اختلفوا في ملفات أخرى، وإلا لماذا سلمت واشنطن دولة كالعراق لطهران، وما الثمن الذي دفعته طهران مقابل ذلك؟

أليس خطاب عبدالملك الحوثي وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبوبكر البغدادي هو ذات الخطاب تجاه أمريكا؟

أليست هذه الأدوات والجماعات المتدثرة بالإسلام هي نفسها مصدر اضطراب وتدمير المنطقة، وذريعة واشنطن في الهيمنة المطلقة عليها؟

الألغاز التي تعم المنطقة ستنكشف، بل إن جزءاً كبيراً منها أصبح مكشوفاً لمن أراد القراءة الفاحصة لتحولات المشهد في بلدان الصراع وبلدان الثروة في الوطن العربي، والجماعات دون الوطنية هي الأدوات المثالية لاستمرار الاضطرابات سنوات قادمة.

وفي الأخير، لا يمكن إغفال الأخطاء التي ارتكبتها السعودية كقائد للتحالف في اليمن التي جعلتها عرضة للقصف المستمر لأنها لم تحسم أمرها على الأرض، ألا تبدو ممارساتها في اليمن ضد مصالحها بشكل سافر وغريب أيضاً؟!