حمود العودي يناقش علاقة يمن الشعب حاضراً بيمن التاريخ

السياسية - Thursday 19 September 2019 الساعة 10:05 pm
نيوزيمن، كتب/ د.حمود العودي

نحن في اليمن -كجزء لا يتجزأ من محيطنا العربي والإسلامي والعالمي- نؤمن -ويجب أن يؤمن من لم يؤمن بعد منا أو من غيرنا- أن خيرنا جميعاً هو في خير بعضنا لبعض أولاً، وأن خير محيطنا العربي القريب والبعيد هو في خيرنا أيضاً وليس العكس أبداً، أو أن العكس هو الصحيح على الأصح، وأن هذه الحقيقة ليست مجرد خيار سياسي يمكن الأخذ به أو تركه، بقدر ما هي ضرورة سياسية واجتماعية واقتصادية استراتيجية، استناداً إلى كل أواصر قربى الدم والدين والجغرافيا والهوية ومقتضيات العصر ومتغيراته الاقتصادية والعلمية الهائلة والمشتركة بالضرورة، وكذلك هو الأمر فيما يتعلق بالمحيط الإسلامي والفضاءين، العالمي والإنساني، بصفة عامة، للأسباب الآتية:

اليمن بالنسبة لمحيطها العربي هو نحن ونحن هو أصلاً

إذ لا يوجد من يستطيع أن ينكر، أو يتنكر، لحقيقة أن مكان وإنسان هذا الموقع الجغرافي على الأرض، قد شكّل واحدة من أبرز وأهم حضارات التاريخ البشري الأقدم والقديم، والذي يخص العرب كل العرب داخل الجزيرة وخارجها منذ فجر التاريخ، وبالتالي فإن الحديث عن اليمن اليوم، وفي كل يوم ماضٍ أو آتٍ، ليس حديثاً عن مجرد 30 مليون إنسان محصورين في زاوية ضيقة من جنوب غرب جزيرة العرب، بقدر ما هو حديث عن أصل وهوية العرب كل العرب، في كل جزيرتهم وكل الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، فنحن هُم، وهمْ نحن، ونحن معاً هوية وتاريخ عروبة وحضارة الماضي البعيد والقريب، ورسالته السماوية إلى الإنسانية، ومن قال بغير هذا فقد أنكر حقيقة نفسه وتنكّر أو تنازل عن أشرف ما يمكنه الاعتزاز به من هوية العروبة ورسالة الإسلام.

خير اليمن هو خير ضمان لهوية وخير من حوله حاضراً ومستقبلاً

وإذا كانت حقيقة الماضي والحاضر تؤكد أن محيطنا العربي القريب هو نحن ونحن هو، فمن باب أولى أن نؤكد الوجه الآخر للحقيقة القائلة عن حق بأن خير اليمن هو خير ضمان لخير من حوله حاضراً أو مستقبلاً، لا لمجرد أن اليمنيين هم الضامن الوحيد لحماية الهوية العربية والقومية المهددة في مجتمعات دول الجوار وفي غفلة منها فحسب، بل ولأنهم أصلاً بناة ازدهارها الاقتصادي والاجتماعي حاضراً ومستقبلاً، رغم التجاهل المقصود أو غير المقصود لهذه الحقيقة التاريخية والاجتماعية، وما يلقاه اليمنيون الجدد من أهلهم القدامى في المكان والزمان من عناء ومشقه التهميش والتمييز الذي قد يتجاوز ما يلقاه غيرهم من غير ذوي القربى، بل والمهددين عن يقين للهوية العربية في المنطقة قرب الوقت أم بعد، ما لم نتنبه جميعاً لمثل هكذا خطر، وحتى لا نندم جميعاً حينما لا ينفع الندم، والتذكر بأن الأقربين أولى بالمعروف بدلاً من ظلمهم وتهميشهم وممارسة التمييز ضدهم، بدءاً بعبودية "الكفيل" وانتهاءً بهوية "البدون".

يخطئ كثيرا من يظن أو يتوهم خطأً بأن اليمن وأهله مجرد كف استجداء ممتدة لحسنات الغير من الجوار القريب أو البعيد، بقدر ما ينبغي أن يتذكر الشقيق والصديق بأن اليمن عبر كل ماضيه وحاضره وحتى مستقبله قد كان وما يزال وسيظل مصدر عطاء إنساني واجتماعي واقتصادي لا ينضب، وأنه يعطي أكثر مما يأخذ، بدءاً بعطاء الماضي البعيد كمكان اختصه الله موطناً للإنسان الأول ومهبطاً للرسالات والنبوءات السماوية الأقدم ومنطلق الإبداعات والتطورات الحضارية الأولى، ومنه انساحت وتحدرت إلى مختلف بقاع العالم طبقاً لآخر مستجدات المعرفة الجينية والعلمية الحاسمة لفك شفرة الشريط الجيني "D.N.A"، مروراً بالماضي غير البعيد الذي حمل فيه اليمنيون رسالة الإسلام وخاتمة الأديان إلى العالم في أعماق قلوبهم إيماناً ومحبة وحضارة ومدنية وعلى أسنة رماحهم دفاعاً وكرامة أكثر من غيرهم بلا منازع، وانتهاءً برسالة الحاضر في عمران الأرض وصناعة الحياة والتطور الاقتصادي والاجتماعي بدءاً بما قد أنجزوه وينجزونه خارج موطنهم العربي أكثر من داخله وبصبر وجلد واستقامة وأمانة لا يجاريهم فيها آخر، ومن قد يساوره الشك بذلك جهلاً أو تجاهلاً فليعد النظر بحق إلى ما خلفه من الماضي وكل ما حوله في الحاضر من أشقاء الجوار وأصدقاء ما وراء البحار، وسيجد عن يقين أن ما أعطاه أهل اليمن في الماضي وما يعطونه في الحاضر هو أكثر بكثير مما يظن أنهم يأخذونه، وحسبنا في كل ذلك قوله تعإلى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام "الإيمان يمان والحكمة يمانية، والفقه يمان"، صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم.

اليمن والجوار بين خير المشترك الاقتصادي وشر المعترك السياسي

إذا ما تجاوزنا الحديث عن ثوابت القربى وتبادل العطاء الإنساني والاجتماعي ماضياً وحاضراً بين اليمن وجواره القريب والبعيد فيما سبق إلى لغة الحاضر والمستقبل فيما يتعلق بتبادل المصالح الاقتصادية والتنموية المشتركة لخير اليمن وأهله القدماء في الجوار العربي ودول مجلس التعاون الخليجي تحديداً، فإننا لا نأتي بجديد يذكر حينما نشير إلى من يملك النفط والنقد الكثير مقابل من يملك الأرض وملايين البشر الأكثر والأقدر على صنع التقدم والتنمية، وأن تكامل هذا مع ذاك بمعزل عن معترك السياسة والسلطة "القذر"، فإن الحصيلة هي ليست مجرد حقيقة بروز مركز قوة اقتصادية وتنموية عظماء في المنطقة وفي مدى لن يتجاوز عقداً من الزمن بدون مبالغة فحسب، بل وتشكيل صمام أمن وأمان وطني وقومي ضد كل المخاطر والمطامع المحدقة بالجزيرة والخليج، بدءاً بالخطر الصهيوني وانتهاءً بمخطط المزيد من تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ للأرض العربية والإنسان العربي وتجريده من هويته، وصولاً إلى ما هو الأهم من وحدة الأمة كلها استناداً إلى وحدة المصالح الاقتصادية المشتركة والمنافع الاجتماعية والإنسانية المتبادلة التي توحد اليوم بين أشد الأمم والشعوب تمايزاً أو تناقضاً ثقافياً وحضارياً كالولايات المتحدة الأمريكية قديماً وأوروبا الجديدة حديثاً، وبمعزل عن معترك السياسة والسلطة الذي يجب أن يترك لكل قطر عربي وأهله، عملاً بالحكمة القائلة "لكل شيخ طريقة ولكل إمام مذهب" و"أهل مكة أدرى بشعابها" ولنعمل بما هو متفق عليه من المنفعة والخير المشترك ونعذر بعضنا فيما لم يتفق عليه بعد من السياسة.

وإذا كان مثل هذا هو مجرد تكرار وتذكير لما قد كثر وتعالى الصراخ به دونما أذن صاغية حتى الآن، فإن ما نود إضافته ولو مجرد إضافة إلى عالم "الصم والبكم" بالنسبة لليمن وما حوله على الأقل هو أن مباشرة العمل الجاد في خير المشترك الاقتصادي والتنموي الذي لا خلاف فيه لا يشكل المنطلق لتحقيق واحد من أقوى مراكز القوة الاقتصادية العالمية فقط، بل والخيار الذي لا خيار معه، لا من أجل تحقيق المنشود، بل والدفاع عن الموجود نفسه، من أرض وهوية الإنسان وخيره العربي المهددة بكل تأكيد، ومن لم يصدق من أخوة الجوار فلينظر حوله بإمعان!!! يجد واقعاً اجتماعياً بوجه غير وجهه، ولغة وديناً غير لغته ودينه، وهوية غير هويته، ومن لا يحسن حماية نفسه واختيار دوره وخيره مع غيره من أهله في عالم اليوم فما من خيار له إلا أن يقف حيث يقرر الآخرون مكان وقوفه أو أن يتعفن في مكانه، والمرء حيث يضع نفسه، وما أكثر العبر وما أقل الاعتبار، بدءاً من أندلس المجد ومحاكم التفتيش، مروراً بفلسطين القبلة والاغتصاب وحتى جنوب السودان الخير والضياع، ومن أنذر فقد أعذر، واللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد.