من مدينة العبيد إلى مدينة الشرق.. لماذا منع الحوثي إيقاد شعلة 26 سبتمبر في ذمار؟

السياسية - Friday 27 September 2019 الساعة 11:50 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

منع الحوثيون إقامة فعالية لإيقاد الشعلة بمناسبة الذكرى الـ57 لثورة 26 سبتمبر 1962، وعند محاولة مجموعة من شباب مدينة ذمار القيام بذلك في الملعب الأحمر، كما جرت العادة منذ سنوات، أبلغهم الحوثيون بأنهم ممنوعون من الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، حسب توجيهات عليا صدرت بذلك.

من صاحب التوجيهات العليا في هذه الحالة؟

لا أحد يمكنه تحديدها، لكنها تعبر عن توجهات الجماعة ضد ثورة سبتمبر، ليس من اليوم وإنما منذ انطلاقتها قبل ستة عقود، بغض النظر عن صاحبها.

بالمقابل تقوم الجماعة منذ أسابيع بإنشاء ما يسمونها "المدرسة الشرعية" بمدينة ذمار، في نفس مكان المدرسة الشمسية التي كانت مركزاً للتعليم الديني المذهبي في عهد الأئمة.

ذمار محافظة تمد الحوثيين بالمقاتلين والشعراء، قتل المئات من أبنائها منذ بدء الصراع في سبيل تحقيق أهداف جماعة عبدالملك الحوثي، وخاصة من أبناء مديريات آنس، ولهذا قام الحوثيون بتعيين أحد المشرفين من المديرية بمنصب غير معلن (وكيل محافظة لشؤون الحشد والتعبئة)، وكانت الخلافات بينه وبين محمد حسين المقدشي من أسباب تقديم الأخير استقالته من منصبه كمحافظ للمحافظة، وما زالت ذمار بدون محافظ حتى اللحظة.

سميت ذمار بكرسي الزيدية تاريخياً، فهي أحد أهم المراكز الجغرافية التي تعد معقلاً للفكر الإمامي منافساً لصعدة، وتم توطين مجموعة من الأسر الهاشمية فيها منذ عهد الأئمة، لترسيخ معتقدات سلالية في المحافظة، ويجري اليوم إعادة ضبط المحافظة على الوضع السابق، بتصعيد المتعصبين من أتباع الحوثي، وتمكينهم من مفاصل المحافظة، مكافأة للعدد الكبير من الشباب الذين حشدوهم للقتال في صف الجماعة، والزج بهم إلى المقابر.

الخطير فيما يجري أيضاً محاولة شق صف قبائل المحافظة، بترفيع زعامات قبلية جديدة موالية للجماعة على حساب القيادات التقليدية، ولأن آنس قدمت مقاتلين بأعداد تفوق ما قدمته عنس، فقد تم الضغط على المحافظ المقدشي المنتمي لعنس، وتعيين شخصيات من آنس تنازعه صلاحياته كمحافظ.

كما يجري توسيع دائرة التشيع في المحافظة لتشمل المديريات الشافعية، كوصابين وعتمة، حيث تم إحياء مناسبة (عاشوراء) التي يقيمها الحوثيون بشكل إجباري في مدارس المديريتين لأول مرة في التاريخ، وتم إجبار المعلمين على رفع شعار الجماعة بالموت لأمريكا الداعم الوفي لعبدالملك الحوثي في الواقع.

أخرج الحوثيون سلفيي دماج لتصفية صعدة من أية قوة فكرية يمكن أن تشكل تنوعاً في المحافظة، وتقدم شيئاً مختلفاً عن خطاب الولاية العقيدة الأساسية الأهم بالنسبة للجماعة قبل أركان الإسلام، كما وضعها الخميني، وهم اليوم يفرضون أفكارهم وعقيدتهم على اليمنيين بالإكراه وبشكل منظم.

من يمكنه تسجيل مقطع فيديو من دقيقة واحدة لطلاب مدرسة يؤدون السلام الجمهوري، أو يحيون العلم اليمني؟

هناك عشرات التسجيلات لتلاميذ وأطفال صعدة يؤدون قسم الولاء لعبدالملك، ويرفعون الصرخة وشعار الموت، لكن لا جمهورية هناك، ولا يجمهرون.

نفس السيناريو يجري تنفيذه في ذمار، وفي حجة وعمران أكثر من باقي المحافظات الأخرى، لأن الجماعة ترى فيها كتلتها المذهبية، وخزانها من المقاتلين، لا أكثر، وتريد تعميق هذا الأمر بشكل لا يمكن مواجهته.

ذمار التي قادت النعمان إلى الإمام عندما قبل سبتمبر 1962، هي ذمار التي اعتقلت الشهيد إبراهيم الحمدي فجر سبتمبر 1962، لأن والده كان قاضيا للإمام في المدينة وإبراهيم مارس مهام والده في غيابه، وهذا التطور الكبير الذي حدث خلال عقدين، لن يسمح للحوثيين بجر المحافظة مرة أخرى إلى حظيرة أتباعه، فقد قدمت ذمار للجمهورية أعلاماً لا يمكن أن تنكس في الفكر والثقافة المناهضة للملكية والإمامية وكل ما يتعارض مع الثورة والجمهورية، وعبدالله البردوني وعلي الآنسي والخادم غالب الوجيه أدلة على ذلك.

لن يعود إمام المواهب إلى ذمار، ولن يسمح أبناء ذمار بسيطرة الجماعة على عقول أبنائهم كما سيطرت على إرادتهم بالقوة، والمصالح التي حصل عليها شيوخ القبائل هناك مقابل أرواح آلاف الشباب من المحافظة، لن تدوم.

لماذا فتح الحوثيون مدرسة للمتفوقين باسم صالح الصماد في محافظة إب، بينما قدموا لذمار مدرسة شرعية، تعيد للأذهان تسمية مدارس الأئمة، وقاموا بسلب مدرسة عبدالناصر للمتفوقين بصنعاء كل الامتيازات التي تجعلها مدرسة للمتفوقين؟

الفنان علي بن علي الآنسي ابن آنس التي يموت المئات من شبابها وأطفالها اليوم في سبيل الجماعة، هو من رفع النشيد الوطني للجمهورية العربية اليمنية "في ظل راية ثورتي، أعلنت جمهوريتي" وظل يتردد في أرجاء شمال اليمن حتى استبداله بنشيد دولة الوحدة.

البردوني هو من وضع كلمات النشيد الخالد "اليوم يا تاريخ قف، أشر من الياء بالالف" ولحنه وأداه علي الآنسي.

علي أحمد الخضر ابن عنس التي قدمت بدورها مئات القتلى مع الجماعة، ولكن بدرجة أقل من آنس، وبشكل لم ترض عنه الجماعة مقارنة بحجم الكتلة السكانية لآنس، هو من كتب كلمات وصاغ ألحان النشيد الخالد "يا بن السعيدة لا تقل فات القطار، نحن القطار بلا محطات انتظار"، الشهير بـ"نحن الشباب" الذي عرفته اليمن لعقود بصوت علي الآنسي أيضاً.

ذمار أنجبت القاضي الأكوع مؤرخ اليمن الكبير، وأمة العليم السوسوة بنت ذمار كانت في طليعة نساء اليمن اللواتي كسرن قيود الإمامة وشاركن بنشاط في الحياة العامة، وعبدالوهاب الوريث الذي اتهم بتحريف القرآن عندما اقترح منهجا مدرسيا حديثا لنجل الإمام ووزير معارفه يومها هو أيضا من أبناء ذمار.

محمد إسماعيل الحجي العلم البارز في قضاء اليمن الجمهوري هو من أبناء ذمار أيضا.

محمد الخادم الوجيه ووالده شهيد ثورة 1948، وقاسم المصباحي والحطامي والجند والكبودي والسدعي والغابري هم من أبناء ذمار أيضا.

هذه هي ذمار التي لا تعجب عبدالملك وجماعته، ويريدون إعادتها إلى بيت الطاعة الإمامي المقيت، ولن تعود.

ذمار التي لفظت مشرف الجماعة عبدالمحسن الطاووس خارجها بكل سلطته وقربه من عبدالملك، ستفعل ذلك مع سواه، ومن الجميل أن تخلصتم من المحافظ المقدشي الذي كان له احترام في أوساط المحافظة، فهذا خير دليل على عدم قبولكم بأي قدر من النظافة في الشخصيات التي تعمل معكم.

سترتفع راية الجمهورية في جبل المنار بآنس، وفي قلعة بني أسد بعتمة، وفي قلعة الدن بوصاب.

ستخضر حقول جهران في وجه قحطكم، وسيجرفكم وادي رماع، وسيعود قصر بينون وحضارته في وجه تاريخكم المزيف.

يكفي أن شباب ذمار خرجوا احتفاءً بذكرى ثورتهم، بينما شباب صعدة خرجوا في نفس اليوم 25 سبتمبر 2019، لإحياء ذكرى مقتل الإمام زيد، ولم تعد ثورة سبتمبر من اهتماماتهم، ولكنها ستكون كذلك مستقبلاً.

إن مدينة العبيد التي تركها الإمام سوقاً لبيع وشراء اليمنيين كرقيق في آنس، قد أصبحت مدينة الشرق، ونفضت غبار الذل، وكسرت قيود العبودية يوم أشرقت عليها شمس الجمهورية، وحظر دستورها الرق والعبودية إلى الأبد.