يتاجرون بميلاد الرسول ويتذكرون نجاح مؤامرتهم لقتل صالح.. عقل الحوثي

السياسية - Monday 04 November 2019 الساعة 10:40 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

من أوليات فن الدعاية أن تجعل شعارك الخاص بارزاً في كل مكان، ولأن جماعة الحوثيين قائمة على الدعاية بشكل أساسي، فهذه القاعدة ماثلة في سلوكها منذ أول يوم رفعت فيه شعار الموت وحتى اللحظة، ولكن بعد سيطرة الجماعة على شمال اليمن بشكل حصري تقريباً، فقد تحولت المناسبات الدينية والشعارات الخاصة بالجماعة من رمز لتأكيد الانتشار إلى تأكيد وتعزيز للسيطرة، ولهذا نشر الحوثيون شعاراتهم في ذكرى المولد النبوي هذا العام بشكل استباقي واستعراضي غير مسبوق.

هذا العام يبدو مختلفاً في احتفاء الجماعة بذكرى المولد النبوي، فهي ذكرى إزاحة الحليف/الخصم المتمثل في حزب المؤتمر الشعبي العام من المشهد السياسي في خريطة سيطرة الجماعة، وهذا ما تحرص الجماعة على إبرازه بشكل ضمني، كون الاشتباكات التي انتهت بقتل الحوثي لحليفه السياسي المؤقت وخصمه التقليدي الدائم منذ ظهور الجماعة، علي عبدالله صالح، قد تزامنت مع ذكرى المولد قبل عامين، وكانت الذكرى ذريعة لتمادي الجماعة وإشعال فتيل القتال مع صالح وحزبه يومها.

كانت رمزية تلبيس صوامع /مآذن جامع الصالح بصنعاء باللون الأخضر كأول خطوة لتدشين الاحتفاء السياسي بذكرى المولد النبوي هذا العام هي الرسالة الأولى، بأن الجماعة تسيطر على كل مجالات الحياة في العاصمة دون منازع، وقد اشترطت على قيادة حزب المؤتمر بصنعاء في أغسطس الماضي وضع إكليل من الورود على ضريح صالح الصماد لتسليمها قناة اليمن اليوم الواقعة تحت قبضة الجماعة منذ ديسمبر 2017.

قبل أكثر من أسبوع على تاريخ ذكرى المولد النبوي بدأت الجماعة فعالياتها في جامعة صنعاء، لتطوف كل الكليات بالتوالي، وتختلق فعاليات تكريم مختلفة لحشد الطلاب في تلك الفعاليات كتكريم أوائل الأقسام في كل كلية، ومع تدشين تلك الفعاليات بالسلام الوطني، فقد كان شعار الموت (الصرخة) رديفاً للسلام الجمهوري، رغم تناقضه المطلق معه، وقامت جماعات طلابية تابعة للجماعة بترديد شعار الموت إياه في مسيرة راجلة تطوف الجامعة وتردد الشعار بشكل استعراضي مستفز.

قامت المكاتب التنفيذية بالتعميم على كل الجهات التابعة لها برفع لوحات خضراء بعبارات تمجد المولد النبوي وتمتد بالضرورة إلى (آله) وهي بيت القصيد ومنتهى الهدف، حيث أن النبي والاحتفاء به مجرد مدخل للتذكير بالولاية والترويج لها ولأحقية سلالة معينة بالحكم دون سواها، وكأن المساواة والحرية والعدالة لم تمثل ركائز دعوة النبي محمد، بل توريث السلطة، وبدورها قامت هذه الجهات برفع اللوحات المطلوبة رغم أنها لا تستلم موازنة تشغيلية من سلطات الحوثيين، وإنما تمارس نهب وابتزاز الناس تحت مظلتها.

الأخطر من ذلك إصدار تعميم من مكتب تربية الأمانة بتمديد طابور الصباح في المدارس لمدة عشر دقائق، يتم فيها بعد أداء النشيد الوطني ترديد أدعية وتسابيح شبيهة بتلك التي يرددها الشيعة في إيران والعراق ولبنان بالصلاة على النبي وآله، واستبعاد صحابته من تلك الصلوات، في خطوة سبقتها خطوات كثيرة لنشر أفكار الجماعة وغرسها في عقول الأطفال، وستليها خطوات بالتأكيد.

أرغمت الجماعة أيضاً سائقي حافلات النقل العام على لصق شعارات المولد التي وزعتها، وعلى رفع أصوات المسجلات بالزوامل التي تمجد الجماعة وزعيمها، وتكيل الاتهامات والشتائم لمن لا يقف معهم.

إن هذه الإجراءات ليست مجرد إكراه على فعل دون قناعة، بل هي في الوقت ذاته اختبار لتصفية الخصوم المحتملين من بين من تبقى من موظفي ومسؤولي الجهات الحكومية غير منصاع كلياً للجماعة، أو غير مؤمن بمعتقداتها الطائفية، وهذه السلسلة المتوالية من الاختبارات مستمرة منذ إقصاء المؤتمر عملياً من الشراكة الوهمية مع الجماعة في السلطة بصنعاء.

هناك قرابة عشرة مولدات كهربائية هوائية لرش الرنج الأخضر بشكل مجاني على سيارات المواطنين في جولة سد كمران المؤدية إلى ميدان السبعين، الذي بدوره يحتضن مولدات أخرى لنفس الغاية، ومع هذا فإن عدد السيارات التي قبلت الطلاء الأخضر قليلة للغاية.

عملية التطبيع للثقافة والإشاعة للألوان التي تمثل شعار الجماعة هي عملية تأميم لمواقف وآراء ومبادئ الناس، لكنها تظل عملية تزييف ضد فاعلها أكثر مما هي تزييف لوعي المستجيب لها، ففي الثاني من ديسمبر 2017 سارعت السيارات الملونة بالأخضر يومها إلى محلات غسيل السيارات (السرويس) لإزالة اللون الأخضر منها خوفاً من ردود فعل المواطنين تجاه أنصار الجماعة بعد دعوة صالح للانتفاضة ضدها، وإذا تم رشها مجاناً باللون الأخضر فقد دفعت المال مقابل إزالته عنها.

في كل جولة وتقاطع يقوم الباعة المتجولون باستثمار حماقات الحوثي جيداً، فهم يبيعون شعاراته التي طبعها هوامير تجاره للآخرين وهم سعداء بالحصول على الأرباح التي تدرها، ضحك أحدهم وهو يبرر قيامه ببيع صور حسين الحوثي قائلاً: "باعوا بلدنا، واحنا نبيعهم كأي سلعة، هذه فائدتهم الوحيدة لنا".

في كل الأحوال فإن كل هذه المساعي الحوثية على خطورتها في تكوين الذاكرة المجتمعية خاصة لفئة الأطفال، قد أدت إلى ردود فعل مضادة لمقاصدها، وأبدى المواطنون تذمرهم الواضح والعلني من المبالغة في الاستعراض بمناسبة المولد، ودائماً ما تتضمن تعليقاتهم أن دفع مرتبات الموظفين والتوقف عن ابتزاز التجار هو التكريم الحقيقي للنبي في ذكرى مولده، وأن هذه الإجراءات الحوثية تشويه لرسالة محمد.

"قد احنا داريين أنهم قتلوا الزعيم قبل سنتين بعد احتفالهم بالمولد، وأن هذا الاستعراض هو تعبير عن فرحهم بقتله، مش حباً للنبي" قال كهل صنعاني وهو يرتشف الشاي في مقهى بحي الجامعة، مستدركاً: "المشكلة في اللي قبلوا القطرنة، ما هم قد الحجار والشجر يعرفين فسادهم عادك البني آدمين".

رد صديقه في المقهى على تعليقه: "قالت العرب إن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها، وهؤلاء يأكلوا من التجارة بالرسول، عاد اللي قصدهن المثل أشرف منهم، اسكت وهجعنا لا يقع لنا مولد ثاني من كلابهم هههههه".

رد صديقه بعناد: "والله أن ترامب هو النبي حقهم، ولولا دعمه هو والبريطاني النذل أنهم في الكهف لليوم، يجوا يحشوها يا ذاك"..