عصام السفياني يكتب: يافع.. حب الوطن يبدأ من "الجنوب"

السياسية - Friday 08 November 2019 الساعة 07:30 pm
نيوزيمن، كتب/ عصام السفياني:

قبل 7 سنوات كنت في ساحة الحراك الجنوبي بالمنصورة أجهز مادة صحفية، والتقيت عادل الحالمي، القيادي في المقاومة الجنوبية لاحقاً، وكان الشخص الآخر أحد شباب يافع الناشطين في الحراك، وهو طالب طب أسنان، لا أتذكر اسمه، لكنه كان نشيطاً بشكل لافت في تبني القضية الجنوبية.

قبل أن أسأله بادرني بسؤال غريب ذاك الشاب اليافعي. قال لي: هل أصولك حميرية.. من أين أنت من تعز..؟ ذكرت له بلادي. وسألني ماذا أعرف عن تاريخ المعافر.. لم أكن أعرف الكثير حينها، لكنه كان يعرف، لأنه يبحث عن بقاع سادها ملوك حمير وخرج منها الأقيال. وأدركت، حينها، لماذا توغل الهضبة في حربها ضد الحجرية.

هذا الشاب اليافعي تذكرته مؤخراً وأنا أشاهد عودة إلى التمسك بالجذور في مواجهة الفارسية وسلالية الحوثي التي توظفها طهران لخدمة قوميتها القارسية، وكذلك هو مشروعها يلتحف الدين رداءً والمذهب أيضا للتغول في بلاد العرب والمسلمين.

"يافع" كتاب السيطرة على اليمن من البحر الأحمر إلى بحر العرب

حين نتابع ونشاهد هذا الزخم اليافعي الكبير في الجنوب، وكيف استطاعت يافع أن تمنح دفعة قوية للحراك الجنوبي سابقاً والمجلس الانتقالي حالياً.. ندرك أن هذا المكون الاجتماعي المتكئ على إرث حضاري حميري عريق هو آخر معاقل القوة التي صمدت في الجنوب خلال أكثر من نصف قرن.

على أبناء الجنوب أن يقدروا كثيراً ما قدمته يافع لقضيتهم خصوصاُ وقد أنجزوا مشواراً مهماً بتوقيع اتفاق الرياض، وهذا التقدير ليس عنصرية أو استعلاءً يافعياً، بل جهد كبير مثّل الذراع القوية التي واجه بها الجنوب الحوثي ومحاولات ابتلاع الشرعية للانتقالي عسكرياً.

فى جبال الضالع والساحل والبيضاء وفي شبوة، وحتى من هم في صف الشرعية بمأرب والحدود وميدي... يحضر رجال يافع، وحتى في تعز وبين جيشها يتواجد أبناء يافع، وهم رغم كثرة حضورهم، إلا أن بريق ملوك حمير وصلابة جبال يافع الشامخة لا يفارقهم.. يعتزون بأصلهم مهما كانت الحملات ضدهم.

يتطرف منهم من المتواجدين في الغربة، ويدخلون في خلافات مع أبناء الشمال، بسبب فلسفة الوحدة أو الموت التي تربينا عليها نحن أبناء الشمال.. نتطرف نحن ونعلن أننا مستعدون للحرب والموت دفاعاً عن الوحدة، لكن نرفض أن يتمسك اليافعي بحبه أيضاً للجنوب وبلاده، ورغبته في استعادة دولته.

كتلة من الثراء الثقافي والتماسك الاجتماعي والقوة العسكرية تشكل يافع، وليس بعيداً مشهد الشيخ عبد الرب اليافعي، رغم كبر سنه، إلا أنه لبس سلاحه وتقدم الشباب إلى القتال دفاعاً عن قضيتهم مهما كان موقفنا نحن أبناء الشمال من رؤيتهم.. حين يتحرك كبيرهم إلى المعركة ماذا عساكم تنتظرون من الشباب؟!

يافع، التي نأخذ عليها نحن في الشمال تطرفها للجنوب، قدمت الكثير من الرجال شهداء في الساحل الغربي دفاعاً عن الشمال، لكن نحن بعين عوراء ننظر لمن يقاتل مع عيدروس وننسى من يحارب مع أبو زرعة المحرمي في جغرافيا الشمال غرباً في تهامة أو في البيضاء على حدود يافع أو في إب على حدود الضالع.

يقاتل اليافعي، الحوثي كمشروع يستهدف الجميع.. ويواجه في الميدان باعتباره سليل ملوك حمير يدافع عن مجد أجداده أمام غزوات الفرس والعثمانية الجديدة. وحتى حين يرفع اليافعي شعار مواجهة الرافضة فهو ليس شعاراً طائفياً، بل تأكيد على الحق في مقارعة هذا الزحف الذي يستهدف هوية وأصالة الحميري والسبئي.

هل تتذكرون مطارح ملوك سبأ في مأرب وكيف احتشد أبناء مأرب لمواجهة الزحف الحوثي قبل أن يصل التحالف والجيش والمقاومة المسيّسة.. الفرق أن مأرب وأحفاد سبأ تعرضوا لأبشع هجمة من قبائل السياسة والجشع الحزبي وبخدعة تشكيل الجيش تمت إزاحة ملوك سبأ واستخدام بلادهم منطلقاً لمعارك هامشية كانت إحداها ضد أحفاد حمير.

يافع أفادت الجنوب وقضيته والشمال في مواجهة الحوثي وإن وشيطنتها ظلماً وتجاوزاً لمنطق الصراع.. بدون الجنوب لن تستطيع يافع أن تسجل حضوراً، وحين يحضر الجنوب لن يخسر الشمال، لأن الصراع والحرب هي أعمق من مخاوف على وحدة جنوباً وشمالاً.

انظروا ليافع بعيداً عن خلفيات المناكفات السياسية... ومثلما تعتبرون يافع انفصالية، لديكم الكثير من أبناء يافع لهم بصمة في مكونات تعتبر الوحدة خياراً يمكن إصلاحه بأقاليم مثلاً.

يسكن اليافعي في بيت معالمه رُسمت قبل قرون سحيقة ويحتفظ بطراز معماري فريد، وتتنفس الجدران صلابة الجبال التي أتت منها، ويذهب اليافعي إلى آخر الدنيا ويعود يبني في قريته بيتاً على طراز بيت جده وجواره.. ارتباط بالمكان، وتناسل لا ينسى الجينات الحميرية... إنها يافع يا سادة.