ما سر استماتة الذراع الإيرانية للسيطرة عليها؟! السفر إلى الصلو

السياسية - Wednesday 13 November 2019 الساعة 10:37 am
تعز، نيوزيمن، فاروق ثابت:

ساعة تقريباً ستقطعها بالسيارة من مدينة الدمنة -جنوب شرق مدينة تعز- حتى تصل وجهتك في إحدى قرى الصلو الواقعة على جبل الصلو الشاهق.

سنوات قليلة إلى الوراء عندما زرت المنطقة لغرض خاص وكانت الزيارة بمفردي وتمنيت لو كنت زرتها مراراً.

من مدينة (الدمنة) ستأخذ هداياك المفضلة للأصدقاء والأهل في قرى الصلو المعلقة بجانب السحاب.

الحلوى التعزية والقات وبعض من المعلبات أو المواد الغذائية وجعالة الأطفال ستكون الهدايا المفضلة التي ستصطحبها معك إلى تلك المنطقة الخيالية جمالاً ورونقاً.. فارتفاعها ووعورة التضاريس فيها يجعل المنطقة أكثر حرماناً من الخدمات وبالتالي لا تصل إليها المواد إلا بشق الأنفس وإن وصلت لدى البعض فتباع بأسعار باهظة، ومعظم أبناء المنطقة فلاحون وبسطاء وظروفهم المادية ليست كما ينبغي.

> اقرأ.. على صلة: أسطورة "الوعد بوطن قومي للإخوان" في تعز!!

تؤم مدينة الدمنة الكثير من أبناء المديريات والمناطق المجاورة كالصلو للعمل والتسويق الزراعي والتسوق واقتناء حاجياتهم المعيشية فضلاً عن أن المدينة تعد محطة ترانزيت للعابرين من تعز باتجاه عدن يتم فيها التزود بالغذاء والوقود.

في الدمنة ستقلك سيارة ما راكباً فيها بمبلغٍ زهيد إلى الصلو.. في منتصف الطريق تقريباً سترى سائلة (موقعة) بمائها الغزير المتدفق العذب يقطع الطريق إلى الصلو ويجب على السيارة أن تجتازه وسيكون الاجتياز صعباً وقد يستحيل في حال ارتفاع منسوب المياه الذي يمر إلى وادي (ورزان).

بعد اجتياز السائلة بقليل ستبدأ صعود نقيل الصلو الشاهق، ومن هنا تبدأ المغامرة، فالمكان مرتفع بقوة، والطريق مرعب، والانعطافات كثيرة فأي غلطة لسائق السيارة ستكون حياته وحياتك وكل الركاب هي الثمن دون شك.

بعد الوصول يتبادل الركاب تهاني السلامة، ثم تبدأ مغامرة أخرى، ولكن هذه المرة ستمشي راجلاً بمفردك والغريب أنك تريد الوصول إلى منزل ما وجهتك ولكنك لا تعرف الطريق إلى تلك القرية التي تريد الوصول إليها أو المنزل الذي ستتوجه إليه في الوقت الذي بإمكانك أن ترى القرية المراد الوصول إليها على واجهة الجبل، ولكن مجرد رؤيتها لا تفي بالغرض، فالوصول إليها يتطلب من يَخْبُر الطريق وهذا الأمر لا يعرفه إلا أبناء المنطقة خاصة وأن لها طريقا واحدة إن سلكت مكانا آخر ستدفع حياتك الثمن لا محالة لأنك قد تتزحلق وتقع إلى الهاوية في أية لحضة..

وفجأة يتطوع لك أحدهم أن يكون دليلك في الطريق وقد يسألك أي من المارة وأنت محتار:

(أنت مش من اونا، ولاين اشتسير؟!).. عندها تبدأ مغامرة جديدة..

سيسير الدليل أمامك في الطريق الوحيد المعروف والمشهور إلى قرية (الاقيوس) الواقعة هناك في أعلى الجبل والمرعب أنه لا طريق إلا لموضع القدم سيقول لك الدليل أن تدوس حيثما يدوس هو بالضبط، ثم تسير خلفه فاعلاً ذلك ولكن ثمة صعود ونزول وتسلق للصخور واستناد على الأشجار سيكون أكثر صعوبة وأنت تحمل أشياء بيديك، فيما يكاد الدليل بختفي عن ناظرك وهو يسير أمامك برشاقة مذهلة مثل ظبي بري، واخيراً تصل وجهتك بالكاد..

أثناء المسير سترى الغيول والمياه المتدفقة ستشم النسيم العليل، الجو بارد والخضرة تملأ الجبل بمشهدٍ خلاب..

في اليوم التالي تصحو على صباح غيمٍ صلوي مذهل..

تصافحك الغيم الباردة صباحاً شيئاً فشئياً حتى يداهمك الشروق فترى من خلاله أشجار الجبل تلمع وهي تعكس أشعة الشمس من قطرات الندى المستيقظ على صفحاتها في صباح الصلو الباكر..

شيئاً فشيئا حتى ترى أقيال اليمن الرعاة من أبناء الصلو يخرجون بأغنامهم والفلاحين والفلاحات يخرجون إلى حقولهم وهي مدرجات صغيرة متناثرة على طول الجبل الشاهق الكبير وعرضه تؤكد براعة الإنسان اليمني في الهندسة والبناء والزراعة منذ بزوغ التاريخ..

ستدهشك روائح الكاذي، وعبق الفل الصلوي المتفتح منذ الصباح الباكر على أنغام الملالاة التعزية الآسرة للقلوب والعقول معاً يردد الجبل صداها في حضرة اغاريد الطيور الشجية.. ستشاهد الإنسان اليمني في أزمنة التاريخ يعاصر الحاضر، يكافح، ويناضل، يزرع، ويبني، يتعلم، ويصنع سروره بيده..

من جبل الصلو سترى وادي خدير، وقلعة الدملؤه التي يرى منها الواقف حتى مناطق في الجنوب وقيل لي إن البعض بإمكانه أن يرى منها أضواء عدن ليلاً..

سترى الصعيد المطاول التاريخ، ستشاهد مزارع اللوز والفرسك.. سترى ( الشُقُر) بكل أشكاله وأنواعه الزاهية..

سترى منطقة أسطورية جغرافيا واستراتيجية وجمالا وتطل على كل ما هو أمامها وخلفها من مناطق بما في ذلك الدمنة وطريق عدن تعز، ومن هنا يتضح سر استماتة المليشيا الحوثية -الذراع الإيرانية في اليمن- للسيطرة عليها، وقد طردت منها مراراً وكسرت عشرات الزحوف لأفرادها إن لم يكن المئات منذ أن بدات الحرب الحوثية.

إن الحديث عن رحلة قصيرة إلى جبل الصلو لا يكفيه سرد مقال واحد مهما كبر لشدة جمال اللحظة ورونقها وعبقها وندرتها ومغامرتها ودهشتها..

إنها الياذة روحية..
وهي معراج الأفئدة إلى سماء الدهشة.