أداة إيران الأرخص في المنطقة.. هدايا عبده الحوثي لخامنئي

تقارير - Monday 25 November 2019 الساعة 12:59 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

منذ أربعين عاماً وطهران تهدد تل أبيب بالقصف، وتتوعدها بالموت، لكنها في الواقع أشعلت الحروب الطائفية القذرة في أنحاء العالم العربي، ولم تضع شوكة واحدة في طريق إسرائيل حتى اليوم، وما زالت الشركات الإسرائيلية تعمل بكل أريحية في إيران، وتتنافس منتجات إيران الزراعية كاللوز والفستق مع المنتجات الأمريكية منها في الأسواق الإسرائيلية، بينما تردد طهران وأبواقها المحليون في العالم العربي كجماعة الحوثيين الطائفية المسلحة في اليمن شعار مقاطعة المنتجات الإسرائيلية التي لا يعرف عنها المستهلك اليمني شيئاً ويصارع لشراء رغيف الخبز، بينما قادة الجماعة يستقلون سيارات الهمر الأمريكية.

ومنذ قيام ما عرف بـ(الثورة الإسلامية في إيران) عام 1979 أيضا، تتعامل إيران مع إسرائيل بدهاء وتضليل غير مسبوقين، فقد أغلقت سفارة تل أبيب في طهران، وسلمت مبانيها لمنظمة التحرير الفلسطينية واستقبلت قياداتها على أراضيها بترويج إعلامي واسع النطاق، وفي نفس الوقت اشترت السلاح لإسرائيل لتقوم بغزو لبنان وتضرب المقاومة الفلسطينية فيها وتدمر المخيمات كما حدث في صبرا وشاتيلا، بالتعاون مع ميليشيات حركة أمل وميليشيات لبنانية أخرى، والجيش السوري الموالي لطهران، والذي رغم خطابه القومي اشترك معها في حربها على العراق.

ما زالت فضيحة إيران غيت التي استخدمت فيها أمريكا أموالاً إيرانية لشراء أسلحة لإسرائيل في غزو الأخيرة للبنان، خلال عهد الخميني وبداية حربه مع العراق، ورفعها شعار العداء لإسرائيل، كما أن احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في سفارة واشنطن بطهران عند انقلاب الخميني على الشاه، كان يخدم بدقة أهداف الحزب الجمهوري الأمريكي الداعم لإسرائيل بقوة، فقد أسقطت تلك العملية الرئيس جيمي كارتر لفشله في إنقاذ الرهائن، وصعدت الجمهوري رونالد ريغان، وقام الخميني في أول يوم لفترة ريغان الرئاسية بالإفراج عن الرهائن الأمريكيين لتسجل العملية كإنجاز لريغان وفشل لكارتر، وريغان هو الذي عقد معها صفقة الأسلحة الشهيرة بإيران غيت، ودعم تل أبيب عند غزوها لبنان وتنكيلها بالفلسطينيين هناك.

ما هو دليل العداء بين طهران وتل أبيب، وقد قامت إيران بالاشتراك في إسقاط نظام صدام حسين الذي قصف إسرائيل بصواريخه مطلع التسعينات، بينما قامت طهران في الوقت نفسه بمنع طائرات العراق التي هربها صدام إليها لحمايتها من القصف الأمريكي لبلده في تلك الفترة من الحركة، وعملت على تصدير الميليشيات الموالية لها لإسقاط نظامه وإغراق العراق في حرب طائفية قذرة مستمرة حتى اليوم؟

ولماذا قال رئيس الحكومة الإسرائيلية مطلع الثمانينات إن إيران تقدم لبلاده أغلى الهدايا بحربها ضد العراق؟

قبل أيام قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف مواقع عسكرية إيرانية في سوريا، لكن إيران لم ترد حتى بإرسال ذبابة للانتقام لكرامتها من القصف لإسرائيلي لقواتها، بينما عبده الحوثي في خطابه بالمولد النبوي، قام بتهديد إسرائيل، وقال إن بإمكان جماعته قصفها، وبعدها بأيام أيضا قال الناطق العسكري للحوثي يحيى سريع، إن لدى الجماعة من الإمكانيات ما يمنحها القدرة على ضرب عمق إسرائيل، فلماذا أطلق عبده الحوثي وناطقه هذه التهديدات في هذا التوقيت تحديداً؟

بالمقابل، لماذا قام الرئيس الإيراني في هذا الوقت تحديداً، باستقبال سفير الحوثي لدى طهران كاعتراف بالجماعة كدولة؟

قام الحوثي بتوقيف ناقلة نفط كورية جنوبية، وادعى أنها سعودية، وأنها دخلت المياه الإقليمية لليمن، وحشر مفردة (السيادة) في السياق، ورغم أنه أفرج عنها اليوم التالي بعد قدوم مدمرة حربية كورية إلى المياه الدولية المحاذية للحديدة في البحر الأحمر، فقد قال محمد البخيتي للإعلام، أن الإفراج عنها تم لأن جماعته اكتشفت أن دخولها مياه اليمن كان غير مقصود، وهذا البخيتي هو نائب رئيس مجلس الشورى المُعين من الحوثي بالمناسبة.

خطف ناقلة النفط الكورية، مثل تشويهاً شديداً لليمن وسمعتها، لكنه خدم مولاه في طهران الذي يهدد الملاحة الدولية في البحر الأحمر باستخدام أداته الحوثية الرخيصة، كما أن تهديده بقصف إسرائيل يرسم الابتسامة على وجه خامنئي، فحتى لو قصفها عبده الحوثي فسيتم ذلك بصواريخ إيرانية، وسيجلب لليمن الأعداء من أوسع الأبواب، لكن مولاه لم يستخدم صواريخه تلك لقصف تل أبيب التي يتبادل معها استغفال واستغلال العرب بدهاء وخبث.

سبق لعبده الحوثي تبني ضرب شركة أرامكو السعودية رغم تكذيب العالم لذلك، وتأكيدهم أن القصف جاء من اتجاه إيران والعراق.

يخدم الحوثي إيران بأرخص ثمن، ويدخل اليمن في أسوأ الأزمات والحروب نتيجة لذلك، لأن اليمن تحولت إلى أداة لخامنئي، قدمها له الحوثي على طبق من العار.

قال أسامة ساري، الذي أصبح في عهد الحوثي في قيادة أهم صحيفة حكومية يمنية لعقود، إن إسرائيل قصفت قطاع غزة كرد على (تهديدات السيد)، لأنه أرعبها وأحرجها أمام العالم، وهكذا يضللون الشعب المسكين بغباء غير مسبوق، فلماذا لم يكن قصفها لمعسكرات طهران في سوريا هو الرد إن كانت إسرائيل قد تعاملت مع خطابات عبده الحوثي بجدية، ووجهت رسالة ردها مباشرة لولي أمره في طهران؟!

في نفس الوقت قال ساري، إن ما أثير عن فساد جماعته غير المسبوق مجرد "ضرطة قزقوز"، حسب وصفه، لما كشفه الوزير المستقيل من حكومة عبده الحوثي من فساد لقيادات الجماعة، والحقيقة أن استخدام خطابات من قبيل تهديد إسرائيل مجرد تغطية على الضجة الإعلامية التي أحدثتها فضائح الفساد الحوثي.

خلال هذه الإثارات الإعلامية الحوثية، قام الحوثيون بقتل المعتقل خالد الحيث في سجون الجماعة، وهي فضيحة وجريمة تستدعي من الحوثي مجرد تغطيتها، لأنه سبق له ممارسة هكذا جرائم بعدد لا يحصى ضد اليمنيين العزل المقموعين تحت سلطته.

في صنعاء كانت طريقة الحوثي في التغطية على جرائمه وفضائح فساده مبتكرة جداً، فرغم عدم وجود طائرات للتحالف في أجواء صنعاء خلال الفترة الأخيرة، يقوم الحوثيون بإطلاق النار من المضادات الجوية، لإشعار السكان أن لديهم قوة جديدة، أو أنهم لا يجرون محادثات سرية مع السعودية كما يبدو.

أخذ الحوثي من طهران حديث الولاية، وخطاب العداء لإسرائيل كتكتيك للتضليل وافتعال المعارك الوهمية ضد طواحين المياه، وأخذ من السعودية تجربة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة عملية، دون الإعلان عن ذلك بالطبع.

بالمقابل أخذ أرواح ومصالح اليمنيين وأمنهم ودولتهم إلى الجحيم، بدم بارد.

مؤخراً، أصبح الحوثي مرجعاً لطهران في استخدام وسائل القمع والتضييق على الحريات العامة والاتصال بالعالم الخارجي، فكما قطعت خدمة الانترنت عن الحديدة لشهور، قامت طهران بقطع الانترنت عن شعبها الذي خرج ضد خامنئي ونظامه، وربط إعادتها بانتهاء المظاهرات ضدها.

ماذا قدمت طهران لعبده الحوثي مقابل هذه الخدمات الثمينة؟

استقبل روحاني أوراق اعتماد الديلمي كسفير للجماعة لدى طهران، والديلم بالمناسبة هو إقليم جغرافي في إيران، التي قدم منها يحيى بن الحسين الرسي مرفقاً بحراسة من الديلم وطبرستان في إيران أواخر القرن الثالث الهجري، واستقر بصعدة التي أعلن منها أول دولة طائفية مذهبية في اليمن، هي دولة الأئمة الزيديين الذين قامت ضدهم ثورة 26 سبتمبر 1962 الخالدة، ويحاول الحوثي اليوم استعادة خطابها ونظامها ضد اليمن واليمنيين.