انكسارات شرق صنعاء.. أداء رخو للإصلاح يخلخل الجبهة المواجهة للحوثي

تقارير - Saturday 01 February 2020 الساعة 10:25 am
صنعاء، نيوزيمن، سهيل القادري:

أقل من عشرة أيام كانت المدة التي استطاعت مليشيا الحوثي خلالها تحقيق تقدم مهم شرق صنعاء باتجاه محافظة مأرب، ملحقة خسائر كبيرة في صفوف وعتاد معسكرات تعمل تحت غطاء الشرعية لكنها في واقع الحال محسوبة على حزب الإصلاح، فرع الإخوان المسلمين في اليمن، إذ كدّس الحزب في هذه المحافظة عشرات الآلاف من أنصاره وجعلها مركز تجنيد خاص، ومصدر دخل مالي مستقل، من عائدات النفط والغاز المتوافر في المحافظة.

عجز الإصلاح عن حماية أهم معقل استوعب مناصريه، مواصلاً بذلك أداءه الرخو، بل والمتعمد، كما يرى بعض المهتمين، في حسم مواقفه حيال القضايا الوطنية المفصلية، نتيجة حسابات عادة ما تخلط بين الأولويات دون تفريق بين ما هو استراتيجي ووطني وبين ما هو تكتيكي سياسي.

معركة نهم

بيان احتفالي، الأربعاء، للمليشيا الحوثية تحدث عن السيطرة على كافة مناطق مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، وعدة مديريات بمحافظتي مأرب والجوب، شرقاً.

وقال البيان، إن المليشيا احتلت مساحة تزيد على 2500 كيلو متر مربع، ما يعادل ثلاثة أمثال مساحة دولة البحرين، وخلال العمليات العسكرية هناك أشار الحوثيون إلى إزاحة "17 لواءً عسكرياً وعشرين كتيبة واغتنام عتادها بالكامل" تتمركز في نهم، إضافة إلى التغلب على مواقع لواءين عسكريين في صرواح بمأرب، وثلاثة ألوية في الجوف، حسب البيان الحوثي.

مبالغات حوثية وفقاً لمراقبين عسكريين، لكن في واقع الحال، حصلت انكسارات تؤكدها معلومات محايدة، لقوات وعتاد كان بمقدورها الإسهام المهم في تحرير العاصمة صنعاء من قبضة المليشيا الحوثية، فيما استطاعت مقاومة شعبية بأسلحة متواضعة في العام 2015 مشكلة من مجاميع قبلية دحر المليشيا من معظم مأرب والجوف، وأعادت اليوم دورها في تدارك الموقف العسكري هناك.

عززت الاشتباكات الأخيرة، شرق صنعاء، إخفاق حزب الإصلاح في إدارة المعركة الوطنية الراهنة، سياسياً بتوجهه نحو إضعاف الجبهة المناهضة للحوثيين، وعسكرياً بفشل المواجهة، أو التواطؤ العسكري لأغراض سياسية، كما يرى البعض.

مسيرة إخوانية

منذ الصراع الجمهوري الملكي في ستينيات القرن الماضي، أثرت وضعية عداء المركز الإخواني لعبد الناصر، وسنوات الوئام مع السلطة السعودية في دفع الإخوان المسلمين، شمال اليمن، عبر نفوذهم القبلي إلى تسوية القضية اليمنية بتفريغها من محتواها الاجتماعي التقدمي، بداية في محاولة تمرير صيغة "الدولة الإسلامية" كبديل للجمهورية والملكية أواسط الستينيات، ثم في المصالحة بين الطرفين الأخيرين في مارس من العام 1970 التي منحت الملكيين مساحة مشاركة سياسية أكبر بكثير من قوتهم العسكرية على الأرض.

وتعاطى الإصلاح مع تمردات الحوثيين، 2004- 2010، في ما عرف بحروب صعدة الست بنظرة تكتيكية تستهدف إنهاك سلطة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، رغم تنبيهات قيادات وطنية على رأسها الدكتور عبدالكريم الإرياني بأن الخطر الحوثي ينال من النسيج اليمني وإنجازات اليمنيين على مختلف المستويات، وبعد أزمة 2011 واصل الإصلاح رؤيته القاصرة للحوثيين ودفع الحكومة للاعتذار عن حروب صعدة، والتهاون في استحواذ المليشيا على سلاح أغلب الألوية العسكرية في المنطقة الشمالية الغربية الواقعة تحت قيادة علي محسن الأحمر، الحليف الاستراتيجي لإخوان اليمن وذراعهم العسكري داخل السلطة.

استمر الإصلاح في سياساته، بإجهاضه معركة تحرير الحديدة من خلال اندفاعه نحو إنجاز اتفاق ستوكهولم، وافتعال المشكلات مع القوات المشتركة في الساحل الغربي اليمني، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وقبلهما مع قوات أبي العباس في مدينة تعز.

ارتباطات خارجية كابحة

الامتداد الخارجي للإصلاح باعتباره فرعاً من فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أدخل معطيات غير يمنية حكمت سياسات الحزب إلى حد كبير في ملفات يمنية وإقليمية.

ارتبطت هذه السياسات الرخوة للإصلاح داخلياً بتاريخ حركة الإخوان في اليمن، وعدم رؤيتها العملية للمليشيا الحوثية كعدو استراتيجي، على الأقل، في المستوى ذاته الموجه صوب القوات المشتركة، وبالأخص المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح نجل شقيق الرئيس الراحل، وقوات المجلس الانتقالي.

تداخلت السلوكيات الإصلاحية مع ارتباطات خارجية، إقليمية بدرجة أساسية، تتعلق بقيادة التحالف العربي في اليمن من قبل السعودية والإمارات اللتين ما زالتا تدرجان إخوان اليمن في قائمتي الإرهاب لكل منهما، من ناحية، ومن ناحية ثانية الخلافات الإقليمية بينهما مع قطر وتركيا المرتبطتين مع الإصلاح بعلاقات مالية واستثمارية وتقاربات إيديولوجية وسياسية، وبنفس الوقت المتمتعتين بصلات جيدة مع إيران، الممول الإيديولوجي والمالي والسياسي والعسكري للحوثيين.

ارتباطات الإصلاح بحركة حماس الفلسطينية كفرعين لتنظيم واحد وعلاقات الأخيرة بالوكيل الإيراني الأول في المنطقة العربية، حزب الله اللبناني، بجانب علاقاتها المباشرة مع إيران منذ الانشقاق الفلسطيني- الفلسطيني، تكبح، هي الأخرى، وضع الإصلاح للمليشيا الحوثية في خانة الخطر الاستراتيجي على الحزب والبلد.

يؤكد ما سبق تسريبات لقاء قيادات إخوانية في التنظيم الدولي مع قيادات في الحرس الثوري الإيراني برعاية تركية كانت أهم موضوعات الاتفاق خلالها، الوقوف ضد السعودية في الحرب الدائرة باليمن، وفي الداخل، تصريحات القيادي الحوثي محمد البخيتي عن وجود هدنة غير معلنة مع الجبهات الموالية للإصلاح، كذبها الأخير غير أن الوقائع أيدتها.

انكسارات نهم ومأرب والجوف، والتهدئة الطويلة في تعز بمقابل الهجمات السياسية والإعلامية على المشتركة والمجلس الانتقالي، تمثل نتيجة طبيعية ومنسجمة مع سياسات وصلات حركة الإخوان في اليمن، وفي الحين نفسه، تطرح سؤالاً كبيراً أمام التحالف العربي بقيادة السعودية عن إمكانية انضمام الإصلاح فعلياً للجبهة المواجهة للمشروع الحوثي الإيراني.