وجدي الأهدل.. في الأدب الخيال يبتلع الواقع وانهيار سد مأرب حول اليمن إلى جغرافية طاردة
متفرقات - Thursday 09 July 2020 الساعة 09:40 am
محسوب على جيل التسعينيات، قطع شوطًا كبيرًا في مشواره الأدبي، جلدَ السياسي المتطفل، والأديب الانتهازي، والمتدين المزيف، والثوري الفاشل، طرق أبواب الخرافة، وعالم الجن، وانتهى به المطاف عند أسوار الديكتاتوريات.
وجدي الأهدل حالة أدبية استثنائية، تجاوزت ثوابت المكان والزمان، وكشفت عن خزان هائل من الإبداع، تفجرت منه عناوين شغلت الساحة والمشهد الأدبي، وحفزت القارئ والهمت الشباب.
اليمن همه ككيان موجوع، والإنسان هدفه كقيمة تعاني الإهمال، تهامة رئته التي يتنفس من خلالها، وصنعاء مسرح أوجاعه ونوافذ إبداعه، و"دمشق" منفاه الذي توفيت فيه زوجته.
قوارب جبلية
في الحوار الأخير الذي أجراه معه الكاتب عمران الحمادي لمجلة "الجديد وصحيفة العرب"، يفتح وجدي الأهدل الحديث عن إشكاليات عديدة، ومسائل متضاربة، بدأها حول روايته الشهيرة "قوارب جبلية"، وتحديدًا على ماذا استند حين ربطها بالأكل والجنس.
يقول حرفيًا: "استندت على مؤلفات العالم الجليل؛ خيال الدين بن وهم الفانتازي قدس الله سره".
وهو هنا بدأ بالتأكيد مسألة "الخيال" كأداة رئيسية في خلق العمل الأدبي، وحول ما إذا كانت القوارب قد وضعته ضمن أهم الكتاب؟ ذكر أن الكتابة والخطر توأم لا يفترق، ومن يخشى الخطر عليه أن يبحث عن مهنة أخرى كالحلاقة مثلًا.
الأهدل ونادي القصة
حول وضع النادي في زمن الحرب، يمتدح الأهدل دور الأعضاء وهم يصرون على الاستمرار رغم انقطاع الموارد المالية، معتبرًا أن هذا انتصار بحد ذاته، للإبقاء على جذوة الثقافة حية؛ في مدينة منكوبة بالحرب والمجاعة والأوبئة القاتلة كالكوليرا.
وحول احتضانه للعديد من الأصوات والتجارب، أوضح أن هناك أقلاما ابداعية قادرة على صناعة المجد الأدبي للأمة اليمنية؛ في حال قاومت ظروف جفاف البيئة الثقافية.
مجلة متوقفة وبلاد بلا سماء.
تجربة لم يكتب لها النجاح والاستمرار أو بلا فائدة، هكذا أجاب حول عمله في هيئة تحرير مجلة الثقافة التابعة لوزارة الثقافة، لم أستفد شيئًا من عملي في المجلة، أصدرنا بالكاد عددًا واحدًا ثم اندلعت الحرب.
ينتقل المحاور إلى رواية "بلاد بلا سماء"، والتي ترجمت للعديد من اللغات ومثلت على خشبة المسرح في بريطانيا.
هنا تأتي الإجابة صادمة جدًا حيث يؤكد؛ لسوء الحظ لم أتلق قرشًا واحدًا عن هذه العمل، متهمًا روايته هذه بأنها "عاقة" له.
يضيف، لقد ذهبت شرقًا وغربًا وتنكرت لي تمامًا، ولا أدري متى سيؤنبها ضميرها فتتذكر وتهبني دفعة أسدد بها ما تراكم عليّ من ديون.
شارع المطاعم بين الخيال والواقع
عن مجموعة "ناس شارع المطاعم" هل الاسقاطات شوهت شارع المطاعم؟ كل قصص ناس شارع المطاعم كتبت عن شخصيات حقيقية.
يضيف، في الأدب يجب أن يختفي الحقيقي لصالح الخيالي، الخيال يبتلع الواقع، وختم أنه يفكر "بجزء ثان" لكن حاليا تشغله أعمال أخرى.
وفيما يخص الرهان على النجاح، وارباك السلطة، والخوض من عدمه في الدين والجنس والسياسة، وصف بأن من المفروض أن العمل الأدبي يُلمّ بكافة جوانب الحياة، وبالأخص الروائي.
متسائلا: كيف يمكن أن أبتكر شخصيات ليس لها موقف سياسي ولا وضع ديني ولا تمارس الجنس؛ هكذا شخصيات مسطحة تليق بإعلان عن مواد التنظيف.
الكتابة عن التاريخ
لا يمكن لأديب إغفال تاريخ بلده، فماذا كتب وجدي عن هذا الصراع الذي لم ينته. أول رواية جاءت عن حضارة سبأ، وتحديدًا حادثة انهيار "سد مأرب".
يضيف بأنها الحادثة التي أدت إلى إضعاف الدولة اليمنية، ونزوح السكان إلى المناطق وفيرة المياه مثل العراق والشام.
العمل لم ينشر لقلة المراجع، كما أن حادثة انهيار السد كانت مركزية؛ فقد حولت اليمن إلى أرض طاردة للسكان.
عن الحرب اليوم
يقول وجدي كتبتُ فصولا من رواية عنونتها ب"كل الطرق تؤدي إلى الموت" وما زلت أعمل عليها.
عن القاعدة الجماهيرية، يقول إنها تعمل كمحفز؛ مقابل التشويه والتكفير، والكاتب يحتاج إلى الدعم المعنوي.
أرض المؤامرات السعيدة
هذه الرواية افتتحها الكاتب بلوحة واقعية ملهمة لفتاة من "جزيرة سقطرة"، أدرجت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد فرع الآداب، والدراسات النقدية تسلط الضوء وتكشف مزايا العمل.
الجوائز لا تقدم ولا تؤخر طالما أن العمل أنجز ويحتفظ بقيمته الفنية، أما تحويله إلى مادة تلفزيونية فهو بلا شك يُسهم في توسيع دائرة القراء.
التعبئة 14 ديكتاتورا
هذه المجموعة تناول فيها أشهر الديكتاتوريات، على أن جميع القصص روافد تذم وتفضح العلل النفسية وهي أمور يدركها القارئ.
بالنسبة للخوف من رفع دعوى يقول: هذا أمر وارد لأن عدد المعجبين بالطغاة أكثر من عدد المعجبين بالحكام المسالمين.
وجدي كاتب جريء، هكذا يصنفه المتلقي، ماذا استفاد من هذه الصفة؟ لم تقدم ولم تأخذ شيئًا، وعلى الكاتب أن يتخلص من الرقيب الذي قد يصنعه بنفسه؛ حتى لا تصبح أعماله ضعيفة.
عن دور الإعلام المحلي يجزم الأهدل أنه غير معني بالثقافة، إعلام أعمى يبحث عن هوية الإنسان اليمني في "الحدث السياسي" وينسى الحدث الثقافي.
هناك أصوات شابة بحاجة للعديد من الأنشطة المتنوعة لكي تتمرّس أكثر في مهنة الكتابة، ومن يفترض أن الكتابة مجرد هواية فلا حاجة لبذل مزيد من الجهد معه.
اتحاد الأدباء والهجرة
يصنف الاتحاد بأنه كيان مهمته الدفاع عن حرية الرأي، والمسألة ليست في بقائه موحّدًا أو مفككا إلى عدة كيانات، وإنما قدرته في الاستماتة والدفاع عن أعضائه وحقهم في النشر دون محاكمات.
في نقطة أخيرة ومهمة، تطرق لها عمران الحمادي متسائلا في حواره الشيق، حول هجرة الأدباء؟ أكد الأهدل أن الكاتب يستمد أصالته من بيئته المحلية، وأن اعتقاد الكاتب أن الهجرة ستساعده في الإبداع أمر مشكوك فيه، وربما يحرم نفسه من مصادر هامة لتغذية موهبته الإبداعية.