الدكتور قاسم المحبشي: آمنة النصيري أهم فنانة تشكيلية اجتماعية في الجزيرة العربية

متفرقات - Wednesday 15 July 2020 الساعة 08:00 am
متابعات، نيوزيمن:

آمنة النصيري بين الرسم والحرف والمعنى، تحت هذا العنوان قدم الدكتور قاسم المحبشي قراءة حول مجمل أعمال الفنانة ومسيرتها الفنية والأكاديمية، وهو أديب وناقد وأستاذ الفلسفة في جامعة عدن.

يقول في قراءته "ثمة فرق بين أن تُرسم الحياة بريشة امرأة أو بريشة رجل"، مؤكدًا على أن الأنثى سيدة الألوان وروحها وألقاها المتوهجة، فمن خلال أعمالها استطاعت إعادة تشكيل الظل والضوء.

يضيف، آمنة النصيري هي أنثى الألوان التي فتحت كوة في جدار النفق، ليتسرب منه خيوط الحلم والأمل والبهجة.

تصور مخيف

يتذكر الكاتب أيضًا ما قالته الفنانة وأستاذ علم الجمال في كلية الآداب جامعة صنعاء وهي تصف معرضها الفني الذي نظمته في خريف صنعاء عام 2010 في المركز الثقافي اليمني الفرنسي.. حيث كتبتْ "العالم يتداعى حين يحاصره الخوف، الكائن يموت حين يختبئ في داخله، ثمة مأساة تغلف كينونة الفرد القابع في حضور عالم متبدل بسخاء، محفوف بشروط السوق، وآليات القوة، ووسائل بارعة في التدمير.

ثمة إنسان يحاصره عنف الخارج، وفكر العنف، وثبات النظريات والآلات الكابوسية المنذرة بحدوث الكارثة الكونية، ثمة إنسان يحيا في زمن مربك يتسم باللاعقلانية، تتشظى فيه الروح وتتلاشى فيه القدرة، يستبدل الحقائق بالأوهام، والإرادة بالعجز.

ثمة إنسان يائس، يغترف من مخزون الذاكرة الموجوعة، يعيش في سجن الأفكار، ينكفئ في ذات الحيز، ويكف عن الدهشة، يخنق خطواته، ويصادر حريته، ويبرع في تدمير الذات.

ثمة إنسان يتناسل معنى الفزع من قاموسه، الخوف من التحليق العالي، ومن الحركة ومن أعماق الماء، ومن الفراغ الضيق، ومن الأمكنة الموصدة الأبواب، والخوف من المبهم، ومن الغامض، ومن المظلم، ومن الأشباح، والخوف من النأي الفقد، ومن الموت الدال على الزمن البشري المحدود، والخوف ممن لا نحب وعلى من أحببنا، ومن الآخر، ومن المجهول".

تلك كانت مقتطفات من حديث للفنانة على هامش أحد المعارض أوردها الدكتور المحبشي في دراسته هذه.

خريف العنف المفزع

يستند الكاتب إلى أن الفنانة آمنة أظهرت توجسًا سبق ولادة "الربيع" الذي لم يزهر بعد، بل تحول إلى سيل منهمر من العنف والحرب والخراب.

يواصل، حلمت صنعاء بربيع تتفتح فيه كل الألوان؛ فإذا بالأحمر يتلطخ في كل الجدران، فيا للخيبة والحسرة، وحينما نطل من الشرفة العاشرة لميلاد حصارات آمنة، ندرك معنى ذلك القلق الذي كان يسكن قلب الفيلسوفة.

يستدرك قائلًا، حقًا ما قاله نيتشه: "الموهبة تصيب الهدف الذي لا يستطيع أحد إصابته، بينما تصيب العبقرية الهدف الذي لا يستطيع أحد رؤيته".

يمضي الكاتب ليدون تصوراته عن الفنانة والفيلسوفة (آمنة النصيري) فيقول: هي التجلي الأبرز للموهبة الذكية والتجربة الإبداعية المثيرة للدهشة والإعجاب؟ فمن أي الأسوار يمكننا الإطلال على "كون" آمنة والتجول في رحابه؟

أهمية آمنة النصيري

ينتقل المحبشي للحديث عن مادة "فلسفة الجمال" وتأثيرها النفسي عليه وما تركته من أثر في داخله جعلته يحب تلك المادة. يقول بعد أن تصفح كتلوجا مليئا بلوحات الفنانة، استنتج كيف يمكن تطبيق فلسفة الفن والجمال في الحياة الواقعية، معترفًا أن الفضل يعود لآمنة؛ في تحفيز رغبته الثاوية لقراءة اللوحات التشكيلية، وفهم دلالاتها الجمالية والاجتماعية.

إلى جانب ذلك فقد عرف تاريخ فلسفة الجمال ومدارسها من أفلاطون حتى كروتشة، مرورًا بكانط، يقول وذلك ما شجعني للكتابة عن الفنانة آمنة، أهم فنانة تشكيلة في الجزيرة العربية من النوع الاجتماعي.

في ذات السياق يواصل كتابته حيث يؤكد على أن أهمية النصيري تنبع من كونها جاءت من بيئية تقليدية ذكورية، تهيمن فيها الثقافة الشفاهية السمعية، ثقافة الصوت لا ثقافة البصر. ثقافة لا تعرف الفن التشكيلي ولا فلسفة الجمال، بيد أن آمنة التي أعادت رسم الحياة في اليمن بموهبتها المرهفة الحس، وبما تمتلكه من ذكاء عاطفي مثقف، في كنف عائلة تحب الفن والرسم والشعر والأدب.

يضيف، بعد دعم أمها لها فقد وجدت في صنعاء كتلميذة موهوبة، من يأخذ بيدها من الفنانين التشكيليين، وأولهم الفنان الكبير (هشام علي) و(عبدالجبار نعمان) و(فؤاد الفتيح) وآخرون.

تطويع البيئة القاسية

يجزم الكاتب أن النصيري استطاعت من خلال تجربتها تطويع البيئة القاسية بلوحات باذخة السحر والجمال، إذ مزجت في تشكيل لوحاتها بين البصر والبصيرة، بين الواقع والتجريد، بين التعبير والرمز، بين الموضوعية الواقعية، والذاتية الإبداعية الرمزية.

ذلك كان إبداعها في التشكيل صاحبه سنوات من الدراسة الأكاديمية حيث حصلت على الماجستير في النقد الفني ونظريات الفن، من أكاديمية الدولة للفنون (سوريكوف) موسكـو 1994م، وعلى الدكتورة من جامعة الصداقة بين الشعوب في فلسفة الجمال موسكــو 2001م، وهي بذلك جمعت بين الموهبة الإبداعية، والتأهيل الأكاديمي العالي في مجال فلسفة الفن والجمال.

وهذا هو ما يميز تجربتها الإبداعية عن غيرها من التشكيليين العرب، وحينما تتزاوج الموهبة مع المعرفة يكون الإبداع على أصوله.

يعتقد الكاتب أن دور الفلسفة كان له أهمية في تفتح الرؤية التشكيلية إلى ما هو أبعد من الحالة الباروكية والتعبيرية والانطباعية والتأثيرية، التي هيمنت على أعمال معظم التشكيليين العرب.

وهنا يوضح أن الفنانة آمنة نظرت إلى عالمها بعيون الفنان الفيلسوف الذي يرى ما هو أبعد مما يعيشه ويراه يوميًا، وتلك هي حالة الاغتراب عن السائد والمألوف والمشاع والمبتذل، ففي مجموعتها الفنية يمكن رؤية الحياة بكل زخمها الظاهر والباطن، رسمت أوجه حياة الإنسان اليمني بمختلف أوجهها.

التحليق في سماء الروح

استند الكاتب في طرحه حول سيرة آمنة النصيري الفنانة والأكاديمية إلى تدريسها لمادة علم الجمال وبعض أعمالها كمجموعة "التحليق في سماء الروح"، ومجموعة "الرؤية من الداخل"؛ التي تضمن لوحات النساء اليمنيات المخفيات بالأغطية الصنعانية، أو الأغطية البيضاء التي تشبه الكفن.

إضافة إلى ذلك مجموعة "حصارات"، التي تضم مجموعة من الصور الفوتوغراف مع المجسمات بمثابة وضع النقاط على الحروف، إذ كانت صادمة وغير مألوفة للمتلقي اليمني بما تحتويه من رسائل ظاهرة وخفية.

كذلك مجموعة "كائنات" التي تضم لوحات الكائنات الأسطورية، حاولت الفنانة أن توصل الرسالة بمضمون صوفي.

يقول، حاولت الفيلسوفة التعبير بالنور والظل، والفراغ والألوان عما تعانيه المرأة اليمنية من تمييز وتهميش واستبعاد وقمع اجتماعي وثقافي.

يختم الناقد المحبشي ورقته الموسعة بتأكيده على أن تجربة آمنة النصيري تعد بكل المقاييس من التجارب الإبداعية العربية، التي ما زلنا نجهل عوالمها وتحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة والتقييم الذي يليق بالتجربة وصاحبتها.