عودة الرسم العثماني من بوابة قطر.. استعمار مدفوع الأجر واستدعاء له دلالاته (5)
السياسية - Thursday 23 July 2020 الساعة 10:55 am
الجميع اليوم، أمام مشهد متعدد الأوجه، تنقصه فتاوى يوسف القرضاوي وليس طائرات "حلف الناتو".
من مميزات حركة الإخوان المسلمين والمسميات السياسية التي تفرعت منها، أن أنصارها على "قلب رجل واحد"؛ في الحق وفي الباطل، وهذه ليست حالة صحية بكل تأكيد، لأنها تقوم على مصادرة عقل الفرد لصالح الفكرة التي اتخذتها الجماعة.
الأمر لا يحتاج لشواهد بالنسبة لمن هم خارج الحركة، أما الذين هم في الأساس على ارتباط وثيق بها، سواء قيادات أو قواعد، فإنهم بحاجة لرؤية منهجية من خارج تكوين هذه الجماعة؛ كي يستطيعوا تقييم ما هي عليه.
على سبيل المثال، ظهر في العقدين الأخيرين الكاتب والمحامي المصري ثروت الخرباوي، أحد أهم القيادات داخل الجماعة لأكثر من 40 عامًا، هذا الرجل استطاع من خلال كتابه "سر المعبد" تحديدًا، تشريح وذكر كثير من تفاصيل دقيقة حول الجماعة، نشأتها، تطورها، وتاريخها، والأهم من ذلك الأساليب التي اتبعتها في مسيرتها طوال عقود طويلة.
نصر أوردغان الزائف
يدرك الأتراك أنهم ليسوا اللاعب الوحيد في ليبيا البلد المفتوح على أوروبا بحدود بحرية هي الأطول بين دول المتوسط، لكن ذلك الإدراك يغيب تمامًا عندما يريد أوردغان تجميل شعبيته المتراجعة، ويغيب أيضًا لدى الأنصار الذين يستسيغون تمثيل دور الببغاء أو عاملة الكوافير.
احتفلوا بنصر مشكوك فيه، تناسوا مساحة ليبيا الجغرافية، اندفع أوردغان بنفس العقلية التي يفكر فيها الإسلاميون، وبدأ بنصب "قواعد صاروخية" ومنظومة مراقبة الكترونية؛ تم ضربها تلقائيا قبل أن تكتمل، وقتل مجموعة من الخبراء والضباط بالتأكيد.
لم تجرؤ تركيا على تسمية الفاعل، أو بالأصح تصورت أن ما حدث كابوس نوم لا أكثر، هل هم الفرنسيون، أم المصريون، أم الطليان، أم الجيش الليبي الذي تقف وراءه وتدعمه حكومات عدة.
الأهم أن القاعدة ضربت عن بكرة أبيها، تصاعد الدخان وتبخر الحلم الذي لم يبدأ بعد.
هذا يقودنا إلى أن تركيا تحاول إيهام نفسها أولًا، أنها قادرة على فرض أمر واقع في ليبيا، وهذا مستحيل؛ لأنها أمام مليشيا (ملثمة) لم تجرؤ بعد على الظهور أمام الكاميرا بوجهها الحقيقي.
النقطة الثانية، يريد أتراك أوردغان إيصال رسالة، أنهم قادرون على استعادة مجد الإخوان المسلمين المتهالك طبعًا منذ أن بدأ؛ من بوابة زعزعة الأمن والاستقرار في مصر، ومن ثم الوصول إلى قصر الاتحادية، لإقامة مأدبة جديدة من الكنافة ولحم البط والكباب، وبدء الاتصالات بحماس والظواهري.
الخلاصة هنا عدم الحديث من قبل أي سياسي إسلامي، حتى من باب التلميح، عن القاعدة التي ضربها الطيران الفرنسي أو غيره، اليوم ذهب أوردغان لتغيير معلم "صوفيا" وتحويله إلى مسجد، كل ذلك من أجل التغطية على الانتكاسات التي مني بها، مع أن أمر النصر والهزيمة وارد في أي معارك، وكذلك تمهيدًا لعودة الخلافة الإسلامية.
هيكل والإخوان
بالعودة إلى الراحل محمد حسنين هيكل وقناة الجزيرة والإخوان المسلمين، فقط أذكر أن الأمر لم ينته هناك حيث قال هيكل شهادته، أو بالأصح قراءته السياسية والاجتماعية عن "الربيع العربي" وطبيعة المجتمعات العربية وتنوعها، وهو ما دفع بالثوار (الإخوان) إلى كراهيته، ومهاجمته في منابر الساحات والجوامع، بل وشتمه واتهامه بأنه ماسح أحذية الحكام، وأنه عجوز مخرف.
لقد تجاوز الأمر، تقييم الرجل لهذه الحركة التي ربطت اليوم كل خطوطها بتركيا وكأنها تستغيثها، بأن فرق بين إخوان مصر واليمن من جهة وإخوان تونس من جهة أخرى، مبينا الفارق بين التربية الصوفية ومرحلة اللجوء في أوروبا والتي عملت على تهذيب القيادات، وبين العنف الذي يحمله الجزء الآخر من الحركة.
كان هيكل محقًا في قراءاته قبل أن يضطر إخوان تونس إلى خوض غمار الاغتيالات بصورة غير واضحة، والظهور بنفس شاكلة الجماعة؛ من تطرف وتزييف للواقع، والاستماتة من أجل الوصول إلى السلطة.
بالإضافة إلى ظهور هذا البلد كمُصدر للجماعات الجهادية التكفيرية، على سبيل المثال الأعداد الكبيرة التي تواجدت في سوريا تحت دعاوى الجهاد، وجهاد المناكحة.
الأهم من كل ذلك أن هيكل غادر المشهد برمته، يرحمه الله، بعد أن أوجع حركة الإخوان، من خلال تحذير أصحاب القرار باتخاذ تدابير وإجراءات صارمة لإنقاذ مصر، وهو الأمر الذي استدعى إزاحة هذه الجماعة تماما من المشهد السياسي وإلى أجل غير مسمى.
تركيا تفوز بالفوضى
تمسك الأتراك بحكومة السراج وتم دعمه منذ البداية على أنه الجهة الوطنية التي ستعمل على تحرير ليبيا وإعادة أمجاد هذا البلد.
الغريب في الأمر أن أي قيادة تخوض مثل هذه المعارك والتوجهات والارتباطات لا يمكن أن تكون وليدة اللحظة، ولا بد أنها رضعت حليب الأيديولوجيا، بمعنى أنه من المستحيل أن تجد شخصية علمانية أو ليست مؤدلجة تعمل فجأة في هذه الخطوط، سواء في تونس أو اليمن أو مصر.
في اليمن أبسط مثال على ذلك الشيخ حمود سعيد المخلافي، ضابط ارتباط وثيق بالفرقة الأولى مدرع، التي كانت تحت قيادة اللواء علي محسن الأحمر، منذ ما قبل دراسته للشريعة والقانون في جامعة صنعاء.
قاد حراكًا ضد جماعة الحوثي الموالية لإيران، استلم الدعم المادي والسلاح من التحالف العربي على أنه ثوري، لكنه في نهاية المطاف ترك كل البطولات واتجه صوب إسطنبول.
الشاهد هنا في كل مرة، أن هذه الجماعات لا تراجع نفسها، ولا تقيم أداءها؛ بما يجعلها مقبولة في المشهد العام، كأي تيار يبحث عن مسار في إطار دولة قوية.
أمريكا.. كيف تلعب في ليبيا
بالنسبة للدور الأمريكي داخل ليبيا لا يقل شأناً عن الآخرين، لكن يبدو أنهم يقفون وراء الأتراك ويدعمونهم بصورة غير معلنة، لأن هناك اللاعب الروسي والأوروبي، وأي دور معلن سيقود إلى صراع مكشوف.
إذاً نحن اليوم أمام مشهد متعدد الأوجه تنقصه فتاوى يوسف القرضاوي وليس طائرات "حلف الناتو".