هادي الرئيس المعلق في شوارع يقتلها الفساد و3 ملايين مواطن هربوا من جحيم الحوثي.. مأرب وتمثيلية الدولة

تقارير - Wednesday 07 October 2020 الساعة 07:03 pm
عدن، نيوزيمن، أسكندر غالب:

يتوافد الوزراء من الرياض إلى مأرب، دفعات بعدها دفعات، يضعون أحجارًا فوق بعضها ويتجولون خارج المدينة المزينة بصور هادي وأعلام الثورة، يتجولون في الطرقات المسفلتة والمضاءة ويتجنبون بقية الشوارع الرئيسية، يفتتحون المشاريع الوهمية ويتفقدون شوارع التنظيم المتلبس بالدولة ويتركون شوارع المدينة، بعدها يغادرون وقد ملئت حقائبهم بحصتهم من النفط وما جاءوا لأجله، في المساء سيتحدثون في الأخبار عن مشاريع التنمية العظيمة، عن الدولة الآمنة والشوارع المرصفة والإنارات الشاسعة..! لا أحد في الحقيقة يجرؤ على الحديث عن مائدة مأرب المتروكة للعابثين، لكنها ذروة السياسة وثقة المغادرة الأخيرة بأكثر الأرباح، ربما يبدو الأمر على هذا الشكل في مأرب..

الوضع الراهن هنا وتناقضاته يصيبك بالجنون، حالة من النفاق والتمثيل تسود المدينة، تمثيل دور الدولة وسلطتها، لم يعد هناك أي أمل يمكن البناء عليه، ولا سبيل آخر للتفاؤل سوى نموذج آخر من الاحتكار والانتهازية والفساد..

خلال الأيام الفائتة قطعوا الطرق ومنعوا العبور وأوقفوا الحياة، كانت المدينة تبدو مشلولة تمامًا، أعاقوا الحياة ونشروا النقاط الأمنية، أغلقوا المدينة وطرقاتها، كانت السلطة تمثل دورها كأنها دولة بالفعل، كانت تحتفل بسبتمبر وترفع الأعلام وتتباهى بالشعلة، كانوا يحتفلون بسلطتهم ودولتهم، وبقية الناس يتزاحمون في الطرقات، يلعن بعضهم الآخر لأجل مساحة ضيقة يريد العبور منها، لقد منعوا الشعب من وطنه وشوارعه لكي يمثلوا على أنفسهم بطولة الدولة، إجراءاتهم غير المنطقية قمعت الشعب وأتعبت المواطنين، أما العدو فأرسل إليهم صاروخًا من فوقهم، جاءهم دون مقاومة أو تفتيش، لم تغن عنهم مائة نقطة مسلحة بالمدرعات أي شيء سوى معاناة الناس في التنقلات..

في ذات اليوم من طقوس الدولة واحتفالاتها، لم يكن بالإمكان أن تجد صرافًا واحدًا، والحوالات المالية لن تصل إليك ما دمت تعيش هنا، ممنوع الصرف وممنوع التحويل وممنوع التنفس والحديث، شكل الحياة يبدو مشلولًا عن بكرة أبيه، بينما السلطة تمثل دورها بشعلة، في أسواق القات لا يمكنك الدخول بأقل من عشرة آلاف ريال، هكذا أسعارهم هنا، الفنادق تشبه سويسرا في أسعارها، وحين تتجول في الشوارع ستجد صور هادي في كل مكان، صورًا كثيرة وكبيرة لسيادة الرئيس، مرحبًا سيادة الرئيس مرحبًا، في كل اتجاه يوجد الرئيس، وفي الأعلى ستجد الرئيس يشير إلينا.. ما أجمل هذا الرئيس المعلق فقط بلا مهام..! يمثلون دور الدولة بكل التوقعات، يمثلون على أنفسهم فقط هكذا يقول الناس بعد ان تجاوزوا حد اليأس من كل شيء يصير في مدينتهم..

في نقطة أمنية كان أحد صبيان الأمن المركزي يرفع صوته وقوته ويهين مجموعة من القبائل المراديين، كان يقول لهم اجلسوا هناك حتى آذن لكم، اجلسوا واصمتوا، وإن سمعت منكم صوتًا ساريكم كيف أصنع بكم..!

في ذات الليلة ستجد شاشاتهم الفضائية تتغنى ببطولات المراديين، هكذا حينما تغيب الدولة، يريد الممثلون التضحية بغيرهم، خصوصًا حين يدركون أن الدولة لم تكن سوى تمثيلية هزلية لكنهم أداروها بجدارة، كل فصيل يضحي بغيره، ليبقى وحده في الأعلى.. لأنهم بلا دولة، من جهة أخرى ستجدهم قد صنعوا بنية تحتية كبيرة وإضاءة صفراء متراصة وعددا كبيرا من الأشجار التي جلبوها من سيئون، وأماكن مغرية للتصوير التلفزيون والتمثيل الجيد للدولة، لكنها خارج المدينة، لكنها في الصحراء، أما قلب المدينة فقاحلة كوجوههم الكاذبة، شارع صنعاء والشارع العام وشارع بن عبود أهم شوارع المدينة ما زالت بطناجا ومجاري وترابا وازدحاما شديدا وحالة متكدسة من الحياة اللعينة على الناس، يكفي انهم أقاموا أماكن جيدة لتصوير التنمية المزيفة والتطور الحضاري والدولة البعيدة كليًا عن الحقيقة.

الوضع في مأرب يبعث على الجنون والصدمة.. لكنه واقع يعيشه ثلاثة ملايين إنسان يمني.

صاحب المطعم في مأرب يطلب أسعارًا مضاعفة، صاحب البقالة، تاجر المواد الغذائية، سائق النقل، بائع البطاط، صاحب الشبكة، صالون الحلاقة، محلات الملابس والأحذية والكماليات والمفروشات والأثاث والمكتبات والفنادق والاستراحات والإيجارات وكل شيء، المقاوتة الأوغاد أيضًا، الجميع يطلبون أسعارًا مضاعفة، مضاعفة بكثير، كأنهم ينهبون الناس بشكل صامت، لا أحد يدري أو يتحدث عنهم، يحددون مقدار أرباحهم ومكاسبهم وفقًا لأهوائهم ومزاجهم في اللحظة الآنية.

هذا ما يحدث فعلًا عندما يكون الجانب التجاري والاستهلاكي بلا دولة، سترتفع الأسعار ويزداد الجشع ويكثر التذمر في ذات الجغرافيا المتروكة بلا حملات تفتيش للأسعار والدولة.

التغيرات أحيانا تأتي على شكل جشع التجار والابتزاز المضاعف، العملة تنهار بفعل استهلاك دور الدولة، بفعل تجاهل السلطة لما يجب أن يكون، هذه جبهة أكثر من الحرب في أهميتها وفداحتها، لكنهم يتركون الجشع يستحوذ على السوق، والتجار السفلة يبتزون المستهلك المسكين، هذا الجشع المتراكم مع الوقت هو في المحصلة نتيجة لعدم وجود دولة حقيقية.

مآذن المدينة ومساجدها تدعو ضد العدو الحوثي، منابر لتخويف الناس وتحشيد الخائفين، لم يعد للناس أي جدوى في مساجدهم المنشغلة بالدعاء والبكاء والتضرع ولا شيء آخر.

هذه الدولة وتنظيمها وسلطتها مجرد كيان يشك بكل شيء، ولا يثق بشيء، في الشوارع يرفعون لافتات للبحث عن المندسين وخلايا العدو، حالة من انعدام الثقة بالدولة وسلطاتها، ولأجل هذا يزجون يوميًا بمئات المواطنين في السجون، أصحاب الباصات الصغيرة، سائقي المترات، مالكي البسطات، وغيرهم الكثير ممن يعيشون هنا بينما هم مجرد مشكوكين في أمرهم، ما أسوأ الوطن الذي يشك بخيانتك كل يوم..!

هذه مأرب

المدينة المحكوم عليها بالسجن والخيانة، المدينة التي يتوافد عليها الوزراء والشركاء في المسرحية ليأخذوا نصيبهم من النفط والغاز والمستحقات ثم يغادرون بطائراتهم بعد زيارة قصيرة لغرفة الرواتب والتوقيعات والبدلات النفطية من مأرب.

ما زال للحديث بقية..