صنمات تعز.. طريق معبد بالوعود الكاذبة منذ قيام الجمهورية وحتى النهاية

السياسية - Monday 26 October 2020 الساعة 03:49 pm
نيوزيمن، كتب/ عبدالحليم صبر:

لأسباب وعوامل اجتماعية، سياسية، تاريخية، جغرافية، تأخر شق طريق لعدد من القرى في عزلة صنمات والمتفرعة من طريق عزلة حصبان وربطها بقرى (الدير، والهياج، والعقور) وعدد من المناطق المجاورة، ثم تأخرنا في تقدير فهمنا لما تتطلبه المصلحة العامة حتى أصبح الأجداد يتعاملون مع واقع (الوعود) كما لو أنه قدر محكوم من السماء، ثم تخلفت السلطات أيضاً عن وعودها الزائفة في إصلاح الطريق الرئيسي للمديرية طريق (حِيره) وأيضاً شق الطريق الفرعي للقرى المذكورة آنفاً، رغم المتابعات المُكثفة طِيلة مرحلة الحكم السابق من قبل مشايخ ووجاهات وموظفين.. لكن، للأسف، كلها باءت بالفشل.

تعاقبت الأنظمة والسلطات والمسؤولون والمشايخ ورجال الخير، وثم مات أغلبهم ولم تصلح الطريق.

سقطت الوجوه في وحل الانتظار، وصعد المرشحون للانتخابات في الأولى والثانية والعاشرة، فيما الطريق ما تزال قيد معاناة أبنائها.

قامت الثورة وسقطت معها بذور الدولة أو بالأصح (المؤسسات) وتحولت المعارضة إلى سلطة عصابات، ثم جاء الانقلاب الذي لم يستطع السيطرة على كل اليمن أمام شرعية التحالفات التي وصلت إلى سدة القوة، وبدلاً من الذهب لتحرير البلاد من محنته، تحولت إلى لصوص وانتهازيين وقتلة وتُجار حروب، وبرغم هذا المزيج الفوضوي اللعين لم يطل ذِراع أيّ منهم مسؤولية ما هو مطروح على طاولة الوعود.

سنين من التناقضات شتت سواعد الأجيال وهمم الرجال على مدى عقود طويلة حتى حولت القرى والأرياف إلى دور للعجزة ومبتوري العقول والأطراف، ولم تكتف حتى بعثرت ومزقت وأزهقت وأرهقت أحلام ملايين الأطفال لتصبح اليمن اليوم أمام جيل محكوم ببندقية مجنونة وسيد طائش ومريض نفسياً.

مُنذ طفولتي وأنا أسمع ما بين حين وآخر أنه سيتم إصلاح الطريق خصوصاً موسم الأمطار، وهو أمر لم يكلفني كثيراً في التفكير أمام أفق الحياة المنتظرة، حتى مر العمر على الجميع دون تغيرات ملموسة فيما يخص حياة الناس، سِوى توسع للمقابر والكثير من الجثامين لأناس سكنوا أرواحنا حتى صاروا في صلواتنا آية وفي أيامنا صلاة.

كان لأولئك الراحلين أمل الحصول على حياة ميسورة تخفف عليهم عبئاً أثقل أعمارهم وجعاً وقهراً، لكن للأسف لم ينالوا حقهم في الحياة كما باقي المجتمعات.

اليوم يعاود المجتمع بجرأة وشجاعة في مواجهة الظروف العسيرة وبمبادرة جديدة يرأسها الأعزاء أحمد محمد نعمان وسعيد عبدالرحمن وعبدالوكيل عبدالجليل، قرروا فيها كسر جبال التخوفات، وأزاحوا مخاوف الزمن ليجاوبوا عن تساؤلات الأجداد، ليصبح مارس الماضي أولى خطوات مشروع شق الطريق الذي بدأ بسواعد سمراء عتيدة وبرصيد معنوي كبير وهمة عالية عند الأهالي، شقوا فيه ما يقارب 1000 متر، وبعرض متفاوت بين المترين إلى ثلاثة أمتار، بوسائل تقليدية وبدائية (الكمبريشن اليدوي)، رغم صعوبة وصلابة الأرض.

اتخذ القائمون على المبادرة سياسة الاشتراكات الشهرية والتبرعات لتمويل المشروع من قبل المستفيدين والمغتربين من الأهلي الذين يستقطعون من قوت أطفالهم ويقدمونها في سبيل إنجاح المشروع، لكن اليوم بعد ما يُقارب السنة من العمل والجهد بات من الضرورة تقديم الدعم لهذا المشروع، مع العلم أن أعضاء المبادرة طرقوا كل الجهات والمنظمات إلا أن الخذلان رافق كل تحركاتهم، بما في ذلك الجهات الرسمية التي أصبح لا يعول عليها في إدارة المحافظة.

ثلاثة كيلومترات طول الطريق المراد شقها في المرحلة الأولى والتي ستخدم 2200 نسمة بتكلفة تقدر 33 مليونا، على أساس تنفيذ المشروع بالايدي العاملة المحلية للمبادرة، أما في حالة المقاولات كمناقصة ودخول معدات خاصة بالشق مثل البلدوزر والجرافات والبكلينات فإن المبلغ يصل إلى ثلاثة أضعاف هذا المبلغ، حسب تقديرات تقرير اللجنة الهندسية الفنية (م. نبيل الصبري وم. جبل الصهيبي وم. السنحاني) الذين بادروا طوعا في النزول للمنطقة.

برغم التكلفة البسيطة مقابل الحفر في الصخور، وبرغم هروب السلطة المحلية من المسؤولية التي تقع على عاتقها، وبرغم حقيقة أن هذه البلدة الصغير لم تلد قائدا عسكريا ولا مسؤولاً متمردا ولا زعيم سياسياً ولا تُجار حاويات، إلا أنه مجتمع بسيط اكتفى بتعليق صور الرجل الصاعد قائد مشروع تعز وصاحب القضية الدكتور أمين أحمد محمود على جدار ذاكرة الأجيال، وهو ما يعتبره الناس اليوم مكسباً وطنياً وسنداً لهم، وليس بجديد على هذه الأسرة العريقة فقد سبقه الحكيم والاب الدكتور عبدالوهاب محمود (حفظه الله ورعاه).

ثم إن هذه البلاد لم تكن مؤخراً "عزلة صنمات" إلا فرعا من فروع الأحزاب السياسية، لا سيما المؤتمر الشعبي العام الذي شق عُباب السماء نحو الحضور ولم تكن مهمته الحضور الجماهيري لفترة محددة فحسب، بل أيضاً التمسك بمبادئه خلال فترة الحرب التي طحنت الكثير وغيرت وبدلت في نفوس الضعفاء.. أليست هذه السمات التي تميز بها أهل هذه المناطق كافية لأن تحصل على لفتة كريمة من الشيخ سلطان البركان رئيس مجلس النواب اليمني والقيادي البارز في المؤتمر الشعبي العام ودعم هذه المبادرة الإنسانية في سياق إعادة الاعتبار للمبادئ الثابتة والقيم الحزبية الراسخة عند أعضاء الحزب.. أليست صور علي عبدالله صالح التي ما زالت معلقة في منازل وبيوت محبيه بتلك المناطق أليست كافية لتشفع لتلك الوجوه الشاخصة التي تحترق من الشمس والقهر ومساعدتهم في استكمال شق الطريق ولو من باب الإيفاء بالوعود والتوقيعات والتوجيهات التي طرحها مراراً الرئيس السابق علي عبدالله صالح خلال فترة حكمه لإصلاح وشق الطريق.

في عزلة صنمات والمناطق المجاورة التي يقطنها ما يفوق 9000 نسمة، تغطي الجبال 98% وكبيرة منحدرة وتكتسي مدرجاتها بزراعة القات وتعتبر من المناطق السياحية الهامة، لكن ذلك كله لا قيمة له مع انعدام وصعوبة المواصلات، ولهذا فإن الناس في هذه البلدة ظلوا زمناً طويلاً يعيشون تحت وطأة ومرارات وقساوة الحياة.