جو بايدن.. العلاج الديمقراطي لـ"تهريج" دونالد ترامب

العالم - Monday 02 November 2020 الساعة 09:30 am
نيوزيمن، فرانس 24 :

يقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن نفسه للناخبين كمرشح رئاسي معتدل يملك الخبرة وروح التعاطف اللازمتين لمحو آثار ما خلفه دونالد ترامب المشاغب.

فمن حياته المأساوية، يرغب جو بايدن في استمداد القوة لتضميد جراح الولايات المتحدة التي مزقتها الأزمة الاقتصادية والصحية، واللامساواة العرقية.

هل يكون جو بايدن الحل الأمثل لطي صفحة دونالد ترامب عقب أربعة أعوام من التهريج في البيت الأبيض؟

السيناتور السابق لولاية ديلاوير مؤمن بذلك.

فهو يلقي بثقل خبرته في واشنطن لمحاولة استعادة كرامة السلطة التنفيذية التي انتزعها نجم تلفزيون الواقع سابقا والذي يُعرّف عن نفسه كملياردير.

وإن كان هناك عدد من القواسم المشتركة بين للمرشحين، إذ إن كلا مهما يجسد الرجل الأبيض الذي تجاوز السبعين من عمره، إلا أن جو بايدن يفضل أن يرى نفسه "مضادا" لترامب: سياسي متمرس، قادر على الانفتاح على الخصم، والتعاطف، وقبل كل شيء الاعتراف بأخطائه.

بايدن ابن الطبقة الكادحة

إذا كان ترامب متحدرا من النخبة الاقتصادية النيويوركية، فإن المرشح الديمقراطي آتٍ من بيئة متواضعة يفتخر بها.

هو جوزيف روبينيت بايدن، ولد وسط أسرة كاثوليكية من أصول إيرلندية في 20 نوفمبر عام 1942، بمدينة سكرانتون العمالية الواقعة بشمال شرق بنسلفانيا.

ويرجع المرشح الديمقراطي الفضل دائما في طيبته ومثابرته وتعاطفه مع الآخر إلى أصوله، فهو لا يكل عن ذكر أبيه، الرجل الذي عرف الثروة والفقر والذي عمل جاهدا طوال حياته، تارة في تنظيف الأفران وأخرى في بيع السيارات المستعملة، حتى لا ينقص أبناءه شيء أبدا.

ويحب بايدن دائما التأكيد على المقولات الأبوية خلال تجمعاته، منها "يا بني، لا يصنف الرجل بعدد مرات فشله وسقوطه أرضا بل بسرعة نهوضه"، وهي نصيحة كان على جو بايدن الابن تبنيها سريعا.

فقبل عقود من وصف دونالد ترامب له بـ"جو النائم"، كان بايدن دائما محلا للسخرية في مدرسته بسبب التلعثم الذي يعاني منه، والذي تغلب عليه بقراءته للشعر بصوت عال أمام مرآته.

في الثالثة عشرة من عمره، انتقلت أسرته للعيش في ولاية ديلاوير.

وفي عام 1968، حصل بايدن على شهادة في المحاماة ليصبح بسرعة محاميا أمام المحاكم في وقت شهدت فيه الولاية سلسلة من أعمال الشغب والاعتقالات على خلفية مقتل مارتن لوثر كينغ.

وعندما كان في الـ29، قرر أن يتخذ من السياسة دربا له واستطاع، بشكل مفاجئ، التغلب على السيناتور الجمهوري المنتهية ولايته آنذاك عام 1972 ليصبح بايدن خامس أصغر سيناتور أمريكي في التاريخ.

ولكن فرحته بهذا الفوز لم تدم طويلا، فبعد مرور بضعة أسابيع، وبالتحديد قبل أيام من حلول عيد الميلاد، توفيت زوجته نايليا وابنته ناعومي في حادث سيارة، كما أصيب ابناه صغيرا السن بو وهانتر بجروح.

وبعد هذا الحادث المأساوي كاد بايدن يتخلى عن مقعده للعناية بابنيه المصابين، لكن زملاءه أقنعوه بإكمال عهدته. .وبالفعل أدى بايدن القسم بجوار سرير ابنيه في المستشفى.

وبسبب الحادث، اضطر بايدن أن يعود يوميا بالقطار إلى منزله في مدينة ويلمنغتون بولاية ديلاوير بعد إنهاء دوامه في واشنطن.

وحافظ بايدن على هذه العادة طوال مسيرته المهنية في مجلس الشيوخ، مما أكسبه لقبا آخر وهو "أمتراك جو" (نسبة لشركة الخطوط الحديدية الأمريكية). وبالرغم من قسوة الفاجعة، إلا أنها لم تكن المأساة الأخيرة في حياة بايدن فخلال ولايته الثانية كنائب للرئيس توفي ابنه بو الذي كان مدعيا عاما في ديلاوير، عام 2015 عن عمر 46 عاما بعد صراع مع سرطان الدماغ.

وقال بايدن إن ابنه بو كان يشجعه وهو على فراش الموت، على خوض سباق جديد إلى البيت الأبيض.

كما كان لزوجة بايدن الثانية جيل، دور فعال في تشجيعه إذ إنها خاضت جميع حملاته الانتخابية بجانبه منذ 40 عاما.

مرشح قادر على خلق صداقات والوصول لحلول وسط بين الحزبين

طوال عهداته الست كسيناتور، كان بايدن شخصية محترمة في الكابيتول.

فعلى رأس اللجنة القضائية، صنع لنفسه اسما في عام 1987 حين قاد التصويت بالرفض على روبرت بورك، المحافظ المتشدد ومرشح الرئيس رونالد ريغان للمحكمة العليا آنذاك.

وأصبحت قدرته على التوصل لاتفاقات مع الجمهوريين المعتدلين سمته المميزة، لكن أصبح يثير في الوقت نفسه حذر الجناح اليساري للحزب الديمقراطي.

خلال التسعينيات، استفاد بايدن من حنكته للتوصل إلى اتفاقات بين الحزبين حول مشاريع بيل كلينتون الأساسية، لا سيما حظر الأسلحة الهجومية واعتماد قانونخاص بالعنف ضد المرأة عام 1994.

وفي عهد باراك أوباما، حاول جو بايدن استخدام مهاراته في التفاوض لكن مهمته باتت شاقة أمام التعنت المتزايد للمعسكر الجمهوري، إذ أبقى زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أتباعه تحت المراقبة مؤكدا أن المهمة "الكبرى" للحزب الجمهوري هي ألا تتجاوز ولاية أوباما عهدة رئاسية واحدة.

وبالرغم من هذه الضغوط، لعب جو بايدن دورا حاسما في معظم اتفاقات اللحظة الأخيرة الخاصة بالموازنة لتجنب أو إنهاء حالات "الإغلاق" الحكومي.

أما فيما يخص السياسة الخارجية، كان جو بايدن بنفس ثقله في السلطة التنفيذية على الرغم من أنه افتقد الحكم الجيد بشكل متكرر، مثلما حدث حين طلب تأجيل الهجوم على بن لادن بسبب عدم كفاية المعلومات المتوفرة.

ووعد بايدن خلال حملته الانتخابية بعكس مبادرات ترامب في هذا المجال، وعلى رأسها انسحابه من اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني.

كما يأمل الديمقراطي في إعادة نسج العلاقات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، التي خلخلتها أربع سنوات "ترامبية".

مرشح تحت نيران النقاد المتواصلة

ولم ينتظر الرئيس الأمريكي الحالي تسمية بايدن مرشحا رسميا لحزبه كي يبدأ الهجوم عليه.

إذ وصل الأمر بترامب للطلب من نظيره الأوكراني التحقيق في قضايا هانتر بايدن في أوكرانيا، الأمر الذي انقلب على ترامب عندما وجه مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون منذ 2018، اتهامات إلى الرئيس الأمريكي قبل أن يقوم مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون بتبرئته.

وتركت سنوات عمله الطويلة في مجلس الشيوخ بايدن عرضة لهجمات منافسيه. فخلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، تعرض لانتقادات لاذعة بسبب أدائه حيال اتهامات التحرش الجنسي التي وجهتها أنيتا هيل ضد المرشح إلى المحكمة العليا كلارنس توماس في عام 1991.

ففي الوقت الذي كان فيه جو بايدن رئيسا للجنة القضائية في مجلس الشيوخ، شكك الجمهوريون في مصداقية أنيتا هيل، التي اتهمت فيما بعد المرشح الديمقراطي بأنه لم يكن قادرا على السيطرة على زملائه خلال جلسة الاستماع.

وهو ما دفع بجو بايدن إلى الاعتذار من أنيتا هيل في عام 2019، لكنها لم تقبل هذا الاعتذار قائلة: "سأرضى حين أعلم أن هناك تغييرا حقيقيا وأن هناك محاسبة حقيقية".

منذ ذلك الحين أعلنت هيل أنها ستصوت لصالح المرشح الديمقراطي على أي حال وأنها مستعدة للعمل معه على القضايا الجندرية.

وانتقدت بدورها منافسة جو بايدن السابقة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، حصيلته السياسية، خاصة مواقفه السابقة من سياسة الاندماج، والتي استفادت منها هي شخصيا عندما كانت أصغر سنا في بيركلي.

واستشهدت هاريس بخدمة "باصينغ" وهي حافلة مدرسية تهدف إلى تعزيز الامتزاج الاجتماعي والعرقي عن طريق خلط تلاميذ من أحياء مختلفة.

لاحقا، وخلال مقابلة له على شبكة "سي إن إن"، دافع جو بايدن عن نفسه مؤكدا أنه مقتنع بأن الحافلات التي تشغلها الحكومة الفيدرالية ليست فعالة ولكنه يؤيد المبادرات المحلية لمكافحة الفصل العنصري في المدارس.

ولم يمنع هذا الجدال بايدن من اختيار كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس، مما جعلها أول امرأة من أصول أفريقية تحجز مكانها على "البطاقة الانتخابية"لحزب كبير بالولايات المتحدة.

أما بالنسبة للجناح اليساري للحزب الديمقراطي الذي يجسده بيرني ساندرز، فإنه غالبا ما يلوم على جو بايدن نقص التقدمية والراديكالية في سياساته. فيجيب أنصار نائب الرئيس السابق من خلال تسليط الضوء على العقود التي قضاها بايدن في النضال من أجل العدالة العرقية في الولايات المتحدة وخارجها :فلقد وصف الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بالـ"مثير للاشمئزاز"، ويذكرون أيضا بدعمه لتشريع زواج مثليي الجنس خلال الحملة الانتخابية عام 2012، بينما كان باراك أوباما أكثر حذرا.

تودده للآخرين وعادته السيئة بملامستهم أثناء التحاور أديا لتعرضه إلى اتهامات بسلوك غير لائق من قبل عدد من مساعديه.

وفي هذا الشأن، دافع بايدن عن عادته في معانقة الأشخاص الذين يقابلهم، قائلا إنه لطالما رأى السياسة كـ"علاقة شخصية". ولكنه في الوقت نفسه وافق على أن يحاول أن يكون "أكثر انتباها للحيز الشخصي في المستقبل".

وبالفعل فقد أجبرته جائحة كورونا على الوفاء بوعده في المحافظة على المسافة الاجتماعية.

وأصبح بايدن حريصا جدا على الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة، على عكس منافسه الجمهوري الذي يقلل من أهميتها ويواصل تنظيم لقاءات دون ارتداء كمامة على الرغم من انتشار الوباء الذي حصد أرواح أكثر من 220 ألف شخص في الولايات المتحدة.

"معركة من أجل روح الأمة"

الانتخابات الرئاسية لعام 2020 هي بالنسبة لجو بايدن "معركة من أجل روح الأمة"، عبارة كررها في عدة مناسبات. وعندما سئل على شبكة سي إن إن في سبتمبر الماضي عما إذا كان يعتبر نفسه "نقيض دونالد ترامب تماما"، لم يسعه سوى الابتسام قائلا: "آمل ذلك".

وفي حال انتخابه، سيكون بايدن أكبر رئيس يتم انتخابه على الإطلاق في تاريخ البلاد.

ويأمل المرشح الديمقراطي أن تكون هذه المحاولة الثالثة للفوز بالانتخابات الرئاسية هي المحاولة الرابحة، بعد فشل محاولتي 1988 و2008.

وفي "مثيولوجية" جو بايدن، يظل عام 1988 هو الأحلك في تاريخه، إذ كاد هذا العام ينهي مسيرته السياسية.

فمن ناحية، نالت اتهامات السرقة الفكرية وتزوير شهاداته من فرص فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي.

ومن ناحية أخرى، تم إدخاله إلى المستشفى بسبب تمزق في ورم دموي، واضطر لأخذ نقاهة مدتها سبعة أشهر للتعافي قبل العودة إلى الكونغرس.

وترشح مرة أخرى عام 2008، لكن حصوله على المركز الخامس في المؤتمر الحزبي لولاية أيوا أجبره على الانسحاب من السابق، ليجعله أوباما نائبا له في العام نفسه.

ومن هنا كانت بداية علاقة "أخوية" بين الرجلين على حد تعبيرهما.

وسمحت السنوات الثماني، التي قضاها بايدن كنائب للرئيس أوباما، له بتبني الإرث السياسي لأول رئيس من أصول أفريقية في تاريخ الولايات المتحدة،مثل نظام "أوباما كير"للرعاية الصحية والخطة الاقتصادية التي أنقذت حينها قطاع صناعة السيارات الأمريكي من الانهيار بعد الأزمة المالية لعام 2008.

ودليلا على خصوصية العلاقة بين الرجلين، أعد باراك أوباما مفاجأة لجو بايدن قبل أقل من أسبوع على مغادرتهما البيت الأبيض، إذ منحه وسام الحرية الرئاسي، وهو أعلى تكريم مدني في الولايات المتحدة.

وكان لهذا الإعجاب المتبادل بين بايدن وأوباما تأثير كبير في حشد الناخبين الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية خلال الانتخابات التمهيدية، مثلما حدث في عام 2008 حين استفاد أوباما من قاعدة بايدن الشعبية بين العمال والكادحين ما مكنه من تحقيق انتصارات حاسمة.

ومن هنا يأمل الديمقراطيون أن تظل شعبية جو بايدن بين العمال قوية بما يكفي للفوز بالولايات الحاسمة في الانتخابات، بما فيها ولاية بنسلفانيا، وهي مسقط رأس بايدن، حيث فاز دونالد ترامب قبل أربع سنوات.

وتمكن بايدن من التعافي من تهاوي شعبيته بعد البداية الضعيفة في السباق للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، حين حصل على المركز الخامس في الانتخابات التمهيدية لولاية نيو هامبشاير، الأمر الذي كان من الممكن أن يجهض فرصه في الفوز …واستطاع أن ينهض.. وصولا إلى انتصاره المدوي في "الثلاثاء الكبير" في شهر مارس، عندما استقبله أنصاره بهذه العبارة التي تعكس تاريخه: "لمن تم إهمالهم وتركهم وتهميشهم، هذه حملتكم".