القائد الحمادي ..الحدود الشطرية ومواقف إنسانية شكلت وعيه الوطني

السياسية - Monday 02 November 2020 الساعة 02:30 pm
نيوزيمن، كتب/ منصور سروري:

‏ على إثر تخرجه من الكلية الحربية برتبة ملازم ثان وجد أمام اسمه في قائمة توزيع الخريجين بوزارة الدفاع اسم اللواء ‏العسكري الذي وزع إليه، وهو اللواء الثاني مدرع مستقل.‏

ملاحظة مهمة مفردة (مستقل) ‏هي لتمييزه عن اللواء الثاني مدرع الذي كان يتبع الفرقة الأولى مدرع، ويقع ‏مقر ‏قيادتها ‏شمال ‏غرب ‏العاصمة، أما اللواء الثاني مدرع مستقل فيتبع رئاسة هيئة الأركان العامة مباشرة، ويقع ‏مقر ‏قيادته ‏في محافظة ‏إب منطقة السبرة معسكر الحمزة. ‏

وصل في شهر نوفمبر عام 1987 إلى مقر قيادة اللواء الثاني مدرع (مستقل‏) بمعسكر الحمزة مديرية السبرة محافظة ‏إب، وعُين قائداً لسرية مشاة.‏

كنت ذات ليلة سامراً معه بالصفاء، وهو مكان جوار بيته، ولا أزال أتذكر ما جاء على لسانه لا أورده هنا حرفياً وإنما كما فهمته فقال إنه:‏

‏"لفت انتباهه فور مباشرة عمله في هذا اللواء بعض الأمور المهمة منها:‏

ـــ الأمر الأول: أن هذا اللواء كما علم من ضباطه، وجنود قدامى فيه تأسس عام 1981، وأن النواة الأولى لتأسيسه هي ‏الكتيبة الثانية ‏مدرع، وهي كتيبة تأسست عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 باسم الكتيبة ‏الثانية مدرع، واستمرت ‏تعرف بهذا ‏الاسم ‏حتى ‏عام 1981، وتحولت إلى لواء، وكان يحيى الشامي هو أول قائد للواء الثاني ‏مدرع (مستقل)، ‏ولكن عندما أرسل -أي عدنان الحمادي ـ إلى اللواء كان القائد حينها محمد ‏أحمد الشيباني والذي كان قد تعين عام 1986، ومكث على قيادة ‏اللواء إلى ما ‏بعد حرب صيف 1994‏.

إن هذا الأمر كان يبعث عنده الاعتزاز، والفخر في أنه وزع على لواء معظم قادته ‏ينتمون لثاني كتيبة مدرعة تأسست عقب ثورة سبتمبر.‏

ـــ الأمر الثاني: أنه عرف من أكثر الأفراد الذين وجدهم باللواء أن تجنيدهم جاء نتيجة حوارات سياسية حدثت خلال ‏السنوات بين 1981، 1985، بين نظامي الشمال والجنوب بشأن ملف الجبهة الوطنية بالمناطق الوسطى، وتم في ‏ضوئها استيعاب كثير من أبناء مديريات المناطق الوسطى كمديريات ‏السدة ‏والنادرة، والسبرة، والقفر، والرضمة، ‏وغيرها ممن كانوا منضوين في إطار الجبهة الوطنية ضمن اللواء الثاني ‏مدرع ‏مستقل، وبعضهم لا يزال موجوداً باللواء ‏حتى اليوم، وهذه الجزئية تعد واحدة من السمات العديدة الأُخر التي ميزت هذا اللواء عن غيره من الألوية العسكرية ‏الأخرى، وهي سمة مكنته من معرفة تاريخ حروب المناطق الوسطى بأسبابها، ونتائجها، وأبعادها.‏

ـــ الأمر الثالث: أنه بعد تعرفه على المعسكرات التابعة للواء الثاني مدرع مستقل كمعسكر الصدرين مريس، ومعسكر ‏حمك، ومعسكر الزبيرية حمر مكان الفرن/ المخبز، بالإضافة إلى ‏مواقع تابعة للمعسكرات ‏مثل موقع الجميمة، وموقع ‏المكسر بقعطبة، وموقع ‏تبة خديجة بدمت، موقع ظهر الحمار، ‏موقع ‏جبل ناصة، وبعض هذه المواقع العسكرية كانت ‏آخر المواقع الحدودية مع الجنوب.‏

وقد عاش، وشهد مواقف جعلته يحس بمرارة التشطير، من تلك المواقف والمشاهد:‏

ــ مشاهد الطيور، والكلاب: كانت الطيور تطير في السماء بكل حرية، والكلاب تعيش موحدة وتتزاوج فيما بينها بينما لا ‏يستطيع أبناء الشطرين أن يكونوا مثلها حيث الكلاب من كلا الجانبين تسرح وتمرح هنا وهناك، ولا يستطيع أحد ‏أن يمنع كلاب قرية شمالية من زيارة قرية جنوبية، والعكس كذلك.‏

ــ موقف هروب ثيران العيد: ذات عيد وصلت شاحنة طويلة تحمل ثيراناً لعيد الأضحى، وقبل العيد بيوم غفل عنها ‏فخرجت قبل الفجر، وأخذت تسير حتى تجاوزت الحدود، وعندما انتبه المكلفون بها وخرجوا للبحث عنها استطاعوا ‏إرجاع التي أخذت ترعى بالقرب من المعسكر أما التي اتجهت للجنوب فلم يستطيعوا إرجاعها.‏

ــ موقف إنساني: امرأة تزوجت في الستينيات إلى قرية أخرى، وبعد الاستقلال وقيام دولة جنوب اليمن صارت تلك ‏القرية داخل حدودها، ولا تبعد عن قرية أبيها سوى مسافة قصيرة لا تزيد عن كيلو، وذات يوم، وكان الوقت بعد ‏العصر، وقبل المغرب، وهو مخزن على نهد رابية من روابي المنطقة سمع صوتا كبيرا من قرية قريبة لمكان جلوسه، ‏هي قرية مسقط المرأة تتبع دولة الشمال، وكان الصوت ينادي المرأة قائلاً "أمك مريضة إذا لك بزيارتها فلا تتأخري".‏

وصلت المرأة عند غروب شمس اليوم التالي، والسبب أنها غدت مبكرا إلى عدن لاستخراج تصريح زيارة، ورغم أنها ‏حصلت على موافقة لزيارة أمها في القرية الشمالية، ولكنها عندما وصلت كانت قد دفنت، ووريت الثرى.‏

هذا الموقف أمام حرية الطيور والكلاب خلف عندي غصةً، وحزناً غير عاديين بمرارة التشطير، وأفضل من عبر عنها ‏تلك الأغنية العاطفية الوطنية لأيوب طارش، وكلمات عثمان أبو ماهر :

يا ليت وانا طير ما يحمل مرور

شنزل عدن فجر، وشمسي في حجور

ما حد شيقول لي: علومك، والطيور

ولا يُسائل على من تزور...؟

إن الأمور والمواقف والمشاهد التي ذكرتها ساهمت كثيراً في تكوين رؤية ثقافية خاصة عند الضابط الشاب عدنان ‏الحمادي، وفي إعادة بلورة الوعي عنده على نحو وطني قوي سيكون له تأثيره الإيجابي في مختلف، وجل المواقف التي ‏سيواجهها في قادم حياته العسكرية، ومواقفه التي ستظل منحازة إلى القضايا الوطنية. ‏

يتزوج سنة 1988، وبعد انتهاء إجازة الزواج يعود إلى معسكره، واتسم نظامه في تلك الفترة بالنشاط والحيوية فحين ‏يكون في معسكره، لن تجده بأي يوم من الأيام متلاعباً بعمله أو مقصراً فيه حد قول الذين عرفوه في تلك الفترة قبل ‏الوحدة، وحين يعود إلى القرية يستغل وقته تارة بنقف الأحجار من الجبل، وتارة بنقلها إلى العرصة التي سيقيم عليها ‏بيته المستقبلي.

***

عند قيام الوحدة اليمنية 1990 حدثت طفرة إيجابية واسعة في مختلف مجالات حياة الناس، فظهرت إلى العلن كل الأحزاب ‏السياسية، وطهرت عشرات الصحف سواء تابعة للدولة أو لتلك الأحزاب أو أهلية خاصة.‏

وتدفقت إلى المكتبات، والأكشاك، والأرصفة كل الكتب والمجلات والصحف التي كانت محظورة قبل قيام دولة الوحدة.‏

واتسعت حرية التعبير عند الصغير قبل الكبير.‏

أخذ الحمادي ينهل من كل ذلك.‏

يتردد على الأكشاك والمكتبات بمدينة إب للحصول على الصحف والمجلات الثقافية، والسياسية اليمنية، والعربية، ويزور ‏معرض الكتاب الدولي السنوي بالعاصمة لاقتناء الكتب والمجلات.‏

وعندما يزور صنعاء لا يمنع نفسه من ارتياد الفعاليات الثقافية المختلفة، وزيارة بعض الأدباء خاصة زيارة أحد أبرز رواد ‏الاستنارة والتنوير في اليمن الاستاذ محمد غالب أنعم لقرابة بين أسرتيهما، وكان كثيرا ما يكرر عند المطارحات الثقافية اسم محمد غالب أنعم كرائد لقصيدة النثر في اليمن.

كان قريبا كل القرب من معظم المتغيرات التي شهدتها البلاد بعد الوحدة حتى عندما يعود إلى عمله بالمعسكر يتردد إلى ‏أقرب الأسواق لمعسكره لاقتناء أغلب الصحف خاصة صحف (الوحدة، وصوت العمال، والثوري، المستقبل، والوحدوي)، ‏وبعضها لا تزال مؤرشفة معه بالبيت، حد ما حدثني به.‏

ورغم أنه كان قد نقل من قيادة سرية المشاة إلى تعيينه ‏قائداً لسرية دبابات معسكر الحمزة الذي تجمعت داخله كل معسكرات ‏اللواء الثاني مدرع مستقل بعد الوحدة، غير أنه ‏أقدم على أخذ إجازة من المعسكر أثناء عملية الاستفتاء على دستور دولة ‏الوحدة منتصف مايو 1991، وسافر إلى قريته ببني حماد حاثاً الناس على التصويت لصالح دستور دولة الوحدة، لأنه كان ‏يعلم بالإحساس والتعايش مرارة التشطير.‏

وكرر الموقف ذاته فأخذ إجازة من معهد الشهيد الثلايا بمدينة عدن، وقصد القرية للمشاركة كمواطن في أول انتخابات ‏برلمانية ابريل 1993، وقاد حملة الدعاية الانتخابية بقريته، وعدد من القرى المجاورة لصالح مرشح الحزب الاشتراكي ‏اليمني الدكتور قائد طربوش قائلاً لي: لقد فاز في قرانا، وخسر في قريته.‏

كان حريصاً على أن يمارس حقه كمواطن في الفعاليات الوطنية المختلفة دونما يؤثر ذلك عليه كرجل عسكري، وكذلك العكس فعندما يكون في عمله كرجل عسكري فهو لا ينتمي إلا إلى مؤسسته العسكرية.‏

يعود إلى عدن لاستكمال دراسة الدورة العسكرية بمعهد الشهيد الثلايا لتأهيل القيادة – الدفعة (14) دورة قادة ‏كتائب الدروع ‏التي انعقدت (من 1 سبتمبر ‏‏1992 حتى 10 يونيو 1993) وحاز عند انتهائها على درجة ممتاز، ‏ونسبة 91 %، وترتيب ‏‏(التاسع) من مجموع 390 طالباً (‏ ‏).‏

‏***‏

‏عندما قامت حرب 1994 تعرض في مربع الضالع لإصابة نقل على إثرها لتلقى العلاج بأحد ‏مستشفيات إب، واستكمل بقية علاجه بقريته.‏

عندما وضعت الحرب أوزارها، وكان العميد ركن الشيباني لا يزال قائداً للواء تم دمج اللواء الثاني مدرع مستقل مع لواء ‏‏(شلال) الذي كان تابعاً لجمهورية اليمن ‏الديمقراطية، ‏فصار اسمه الجديد اللواء 35 مدرع، وانتقل مقر قيادته إلى ‏محافظة ‏الضالع وشمل نطاقه ‏الجيوعسكري مناطق (الحبيلين، ‏ردفان، الضالع، السبرة ‏بإب)، وبقي النقيب عدنان الحمادي قائداً ‏لسرية دبابات.‏

في نهاية سنة 1997 تعين أحمد حيدر خلفاً للشيباني.‏

في سنة 1999 أصدر العميد ركن أحمد حيدر قائد اللواء 35 مدرع قراراً (‏ ‏) بتعيين الرائد عدنان الحمادي رئيساً لعمليات ‏كتيبة ‏دبابات، واستمر فيه حتى عام 2005. ‏

‏خلال الفترة بين 1999، 2005 ‏درس دورة حتمية لنيل رتبة المقدم، وبعدها مباشرة التحق بمعهد الشهيد بعدن القلائل لدراسة دورة قيادة ألوية الدروع.

...يتبع

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك