قيود وتعبئة وإذلال.. ناجٍ من محارق الحوثي في بيت الفقيه يحكي لـ”نيوزيمن” جرائم الحوثي ويوميات معاركه‬

السياسية - Wednesday 06 January 2021 الساعة 09:58 pm
عدن، ‫نيوزيمن‬‬‬‬، خاص:

‫"غ- ص – ع 14 عاماً" من شرق مدينة بيت الفقيه، يسرد وقائع 22 يوماً فر بعدها إلى قريته ومن ثم إلى مدينة عدن، يقول فوجئ والدي بطقم تابع للحوثيين يداهم منزلنا ويأخذني مع أبي إلى دار الشيخ، هناك وجه المشرف أبو زينب، لوالدي اتهامات بأنه قام بتهريب أخي الأكبر إلى مناطق سيطرة من أسموهم "الدواعش"، هذه الاتهامات أنكرها والدي الخمسيني، ضعوا له القيود، واحتجزوه في عشة قرب دار الشيخ التي يقوم أبو زينب بالتثقيف فيها والإشراف على حشد المسلحين، وكذا استقبال من يصلون من محافظة ريمة، وتجهيز التوابيت للجثث العائدة إلى مديريات محافظة ريمة أيضاً.

‫حدثني والدي حين زرته في الحبس، أنهم خيروه بين أمرين: إما أن يعود أخي الأكبر إلى القرية أو يسوقني إلى الجهاد، كانت الدماء قد تيبست في ساقي والدي بسبب القيد، أنا وأمي وكذا أعيان قريتنا توجهنا إلى أبو زينب محاولين التوضيح له بأن والدي بالكاد شفي من جلطة وأن أخي يعمل حجر وطين -يعمل في البناء- في مدينة عدن، وأنه العائل الوحيد لأسرتنا، بقاء أبي مقيداً في السجن سيضاعف سوء وضعه الصحي، والدي لا يحتمل القيود. بكت أمي، رجاه كل من حضر معنا.‬‬‬‬

"‫إذاً افتدي أبوك وأخوك وأجب داعي الجهاد أو يعود أخوك أو يبقى أبوك في القيد"، ببرود قال هذه العبارة مشرف الحوثيين وغادر الدار مستقلاً الطقم التابع له.‬‬‬‬

‫عند المساء عدت وحدي إليه وأعلنت موافقتي على الذهاب معهم، أفرجوا عن والدي الذي كانت صحته قد ساءت بشكل ملحوظ قال لي أبو العباس، أحد مساعدي المشرف، إنه سيطلب من المشرف أن يسعف أبي إلى الحديدة إذا تدهورت صحته، وخاطبني بقوله "يا مؤمن لا تقلق، أبوك في عناية المسيرة القرآنية وأولياء الله".‬‬‬‬

‫سهرت واثنى عشر منهم 2 من قريتي والباقون من قرى محيطة بنا، حتى قرابة منتصف الليل بين محاضرات ومشاهدة لقطات من مسلسل المختار وفيديوهات عن انتصارات المجاهدين ورسائل الشهداء الأخيرة وكذا حديث أسر الشهداء التي بثتها قناة المسيرة بعد عودة جثث أبنائهم. هذه المقاطع جعلتني أتذكر كيف أن الزينبيات كن يجبرن الأمهات في قريتنا، على استقبال نعوش أبنائهن بالزغاريد، وأن هذا سيضمن لهن عدم إرسال باقي أبنائهن إلى الجبهات. اختتمت سهرة قبل رحلة الموت بوصايا عبد الملك الحوثي للمجاهدين، كان أبو زينب يلفت انتباهي بين حين وآخر، وكأنه يرى أني أستعيد عبارته وهو يقول لي "افتدِ أبوك" وكذا صورة أبي والقيود في ساقيه.‬‬‬‬

‫في الخمسة أيام الأولى من وصولنا لمدينة الدريهمي، كنا نتلقى تدريبات على التعامل مع مختلف أنواع الأسلحة من بينها السلاح الأبيض بمختلف أنواعه، وكذا اللياقة البدنية والتسلل المباغت، أو كما يسمونه الاختراق الصامت، كنا مقسمين إلى فرق كل فرقة بين 30 إلى 40 شخصاً فرقتي كان معظمهم ممن هم في عمري أو يفرقونني بعام أو أقل من عامٍ أيضاً، يشرف على تدريبنا 5 أشخاص من بينهم اثنان لهجتهما تشبه اللبنانية أو السوريةوالباقون من الكتائب.‬‬‬‬

‫السبعة أيام الأخرى كانت تدريبات خاصة بالتمويه، والاشتباكات المباشرة والتعامل مع نيران خلف التحصينات القتالية، معظم الأيام الإثنى عشر كانت محاضرات ومشاهدة الأفلام الجهادية من بينها معارك من حروب حزب الله مع إسرائيل ومعارك في مأرب. محاضرات من ملازم حسين بدر الحوثي كانت من بعد الغداء حتى قرابة صلاة العصر.‬‬‬‬

‫في وقتٍ مبكرٍ من مساء الخميس نقلنا إلى غرب المدينة، كان محظوراً علينا استعمال الضوء الا في نطاق محدود ومن بين الخنادق المحمية، لدى قائد السرية التي كنت بينها جهاز اللاسلكي، وجهنا في آخر دقيقتين ان الهجوم سيبدأ الآن بمجرد انطلاق سماع أول قذيقة هاون. يضيف كنت ألاحظ أن سريتين بدأتا بالتقدم نحو تحصينات العمالقة الواقعة في غربنا بمسافة 200 متر تقريباً، تذكرت أنه الاختراق الصامت كما دُرّبنَا عليه سابقاً، للأسف ليلتها لم يكن من خلفنا من بادر بإطلاق قذيفة الهاون لبدء الهجوم، اعداؤنا هم من كشفوا التسلسل هم كانوا المبادرين بإطلاق الرصاص الذي انسكب كالمطر نحو سرايا ااإختراق الصامت. ‬‬‬‬

‫قمنا نحن بهجومٍ لتغطية الانسحاب لم نستطع استعادة سوى 21 جريحاً وثلاث جثث بينما ظل باقي الجرحى ينزفون حتى الموت وكذا تركت جثث من قتلوا لحظة بدأ الهجوم كل ذلك كان في أقل من نصف ساعة.‬‬‬‬

‫مساء الجمعة استأنف الهجوم على ثلاثة محاور نحو الغرب والشمال الغربي والجنوب الغربي، كنت بين صفوف المقاتلين نحو الجنوب الغربي، ليلتها تعثرت بجثةٍ تركت في هجمات سابقة، كنا كل مساء ندرك أننا متوجهون إلى الموت وحين يعود من بقي يقسم أنه نجا من الموت بأعجوبة أو أنه موته مؤجل ليومٍ إضافي ليس إلا. ‬‬‬‬

‫كنت أرى المجندين الجدد، في معسكر التدريب، أحدث نفسي أن أحد هؤلاء ربما سيتعثر بجثتي لاحقاً كما حدث لي تماماً، كنت ابكي في صمت ارتجف حين لا يعود من عرفتهم في الأيام الأولى من التدريب أو حين أكتشف أننا نتناقص يوماً بعد آخر.‬‬‬‬

‫انتابني قلق شديدٌ وضيق شديد بعد اليوم الحادي والعشرين من وجودي في مدينة الدريهمي، شعرت بأن للمدينة أيدي تخنقني، تسللت نحو الجهة الشمالية من المدينة، اختفيت خلف كثيبٍ رملي قرابة ساعة ومن ثم توجهت نحو قرية الجارحة في التفافٍ مشياً على الأقدام لأكثر من 8 ساعات، مكثت في الجارحة حتى الظهر وبعدها عدت إلى قريتي لأفاجأ أن والدي توفي بعد 5 أيام من نقلنا إلى مدينة الدريهمي، أخبرتني أمي أنها طلبت من المشرف إسعاف أبي إلى الحديدة كما استجدت مساعده أبو العباس إلا أنهما رفضا ذلك.‬‬‬‬

‫تركت قريتنا وسافرت إلى مدينة عدن لأعمل مع أخي في الحجر والطين.‬‬‬‬


 >>ثلاجات المنتجات تم تفريغها من الجثث 8 مراتٍ خلال شهرين.. الحوثي يواصل دفن مناصريه للوصول إلى شاطئ الدريهمي ‬