"علي أفندي".. أقدم مخبازة في عدن
متفرقات - Wednesday 10 February 2021 الساعة 10:15 am
في كريتر، مركز العاصمة عدن، تجد كل شيء يوحي بالأصالة والعراقة والتاريخ، أبنية وشوارع وأزقة ومعابد وغيرها من الآثار التي تبيّن مدى التجانس العرقي والديني الذي وصلت إليه هذه المدينة العظيمة.
ما زالت الأبنية والثقافات المتعددة التي تتميز بها هذه المدينة عن غيرها من المدن الجنوبية شاهدة حتى الآن، تحكي وتتحدث عن نفسها دون أن يفصلها الإنسان.
وفي زيارة لمدينة كريتر استطلعت بعض تاريخها القديم الذي لا يمكن أن تستطلعه بزيارة واحدة، حتى توقفنا عند شاهد تراثي للمدينة، وهي (مخبازة) زاد عمرها على قرن من الزمن ولا تزال كما هو تؤدي عملها.
في حي الزعفران بمدينة كريتر تستقبلك رائحة السمك المقلي والخبز المحلي التي تلفت انتباهك فتقودك دون إرادة منك إلى (مخبازة علي أفندي) أقدم مخبازة في عدن.
تأسست في العام 1925م وكانت نقطة التقاء للضباط والأفراد البريطانيين.
بدأت في العام 1925م، وأنشأها مؤسسها الأول محمد يوسف، حيث كانت تسمى باسمه (مخبازة محمد يوسف) ثم ورثها عنه ابنه أحمد ثم حفيده علي الذي لا يزال مالكها حتى الآن وتسمى الآن باسمه (مخبازة علي أفندي).
كان رواد هذه المخبازة الشعبية كثر منذ بدايتها، ابتداءً بالإنجليز والجاليات الأخرى الذين كانوا يرتادون هذه المخبازة دائماً، وكانت نقطة التقاء للضباط والأفراد البريطانيين الذين يأتون إليها كل صباح لتناول وجبة الإفطار.
يتذكر الحاج علي أفندي، البالغ من العمر 80 عاماً، قائلاً: كنتُ صغيرا جداً حينما كان يدير هذه المخبازة جدي محمد يوسف وأبي أحمد، وكنت أرى جنوداً وضباطاً بريطانيين لا يمرون كل صباح من هذا الشارع -الذي كان خالياً من الازدحام، الذي هو فيه الآن- إلا وقد تناولوا وجبة الإفطار في هذه المخبازة.
وتوالت الأجيال، وما زالت هذه المخبازة واقفة على حالها هذا، يرتادها الجيل تلو الآخر، وأصبحت بعد استقلال الجنوب (1967) أكثر ازدهاراً. وعن تلك الفترة يقول علي أفندي:
بعد الاستقلال كنت أنا قد استلمت إدارة هذه المخبازة، فزادت شعبيتها أكثر مما سبق، وكان يرتادها الكثير من الشخصيات العامة ونخبة من سياسيي وفناني وشعراء ورياضي الجنوب.
ويتذكر علي أفندي أن هذه المخبازة العريقة كانت تجمع كل أطياف الناس من العامة والنخبة ومن كانوا يرتادونها من السياسيين قائلا: أتذكر عندما كان يمر من هذا الشارع بعض القادة أيام جمهورية اليمن الديمقراطية، فيمرون على هذه المخبازة ويجلسون في هذه المقاعد مع عامة الشعب، يتناولون الوجبات الشعبية كغيرهم من العامة، ثم يخرجون ويمشون في الشارع بطريقة عادية، لم تكن تصحبهم حراسات كثيفة، ولا أطقم عسكرية ولا مدرعات كما هو حاصل الآن، والسبب أن البلد تلك الأيام وصل إلى حالة من الأمن والاستقرار تنعدم هذه الأيام تماماً فلم يكن يخشى السياسيون والقادة من شيء في شوارع المدينة.
روادها من السياسيين والقادة الرئيسان سالمين وعلي ناصر محمد، وياسين نعمان والقعطبي ومحسن الشرجبي.
ويذكر بعض الشخصيات التي كانت ترتاد هذه المخبازة مثل: أحمد محمد قعطبي الذي أصبح وزير الإسكان في جمهورية اليمن الديمقراطية، وياسين سعيد نعمان (رئيس وزراء سابق)، ومحسن الشرجبي (وزير سابق)، والرئيس علي ناصر محمد، والرئيس سالم ربيع علي "سالمين" وغيرهم من السياسيين الذين كانوا يحبون أكلات هذه المخبازة الشعبية.
ملتقى الرياضيين من روادها محمد عبده زيد وصادق حيد ونصر شاذلي وإلى الآن وإبراهيم صعيدي، أيضا كانت هذه المخبازة نقطة تجمع اجتماعية فلم تكن للأكل والشرب فقط بقدر ما كانت نادياً يجمع النخب الاجتماعية خاصة الرياضيين، فقد كانت في فترة من فتراتها بمثابة زاد رياضي لكثرة تجمع الشخصيات الرياضية فيها خاصة أن صاحبها علي أفندي أحد عشاق ومشجعي كرة القدم في عدن قديماً.
يتذكر ذلك علي أفندي ويقول: كنت مولعاً بكرة القدم تلك الأيام، وكنت من مشجعي أم تي سي المحمدي وفريق الحسيني وفريق الأحرار، وكنت اجتمع مع زملائي الرياضيين في هذه المخبازة، حيث كانوا يأتون للأكل والشرب وقضاء ساعات للحديث عن كرة القدم.
ومن الشخصيات الرياضية التي اعتادت القدوم إلى هذه المخبازة، كما يذكر علي أفندي، محمد عبده زيد وصادق حيد ونصر شاذلي وإلى الآن وإبراهيم صعيدي.
وفي هذا الصدد يتذكر أيضا الكابتن والأستاذ محمد سعيد سالم لاعب كرة القدم في فريق (واي) ثم فريق الوحدة سابقا ثم معلقاً رياضياً سابقاً قائلاً: هذه المخبازة جزء من ذكرياتي، ففيها كنت أجتمع مع رفاقي الرياضيين وغير الرياضيين، وأولهم علي أفندي الذي كان أحد مشجعي كرة القدم سابقاً، وكان لهذه المخبازة دور كبير في اجتماعنا فكانت كأنها نادٍ رياضي بالنسبة لنا.
المخبازة المفضلة للسائحين الإنجليز والروس
ولم يتوقف رواد هذه المخبازة على الشخصيات المحلية فقط، فقد كان يرتادها سائحون كثر، يقول علي أفندي:
كان يزورنا أحياناً كثيرة بعض السياح الإنجليز والروس وغيرهم من الأجانب وكانوا يحبون أكلات هذه المخبازة خاصة السمك المقلي واللحم المشوي.
وما يميز هذه المخبازة أنها ما زالت تحتفظ بأصالتها وبنيتها وبنيانها الأساسي، حيث لم يتغير فيها شيء منذ تأسيسها في الربع الأول من القرن الماضي، حتى أكلاتها التي كانت تشتهر بها، وما زالت مقصداً لكثير من محبي تلك الأكلات.