خطاب الحوثي.. مزاعم يدحضها الواقع ومبررات لمشروع عنصرية وفساد المليشيات

السياسية - Sunday 14 March 2021 الساعة 09:07 pm
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

ظهر زعيم مليشيات الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، عبدالملك الحوثي في خطابه بمناسبة ذكرى مصرع مؤسس المليشيات شقيقه حسين الحوثي أكثر إفصاحاً عن مضامين وتوجهات مشروع المليشيات المذهبي والفكري والثقافي الذي تسعى المليشيات لترسيخه في وعي وثقافة المجتمع، من جهة، ومن جهة أخرى كشف عن كثير من مظاهر التخلف والدجل والتزييف المقنع بمبررات سطحية.

كما يكشف تحليل مضامين خطاب زعيم المليشيات أن مليشيات الحوثي تسعى لفرض مشروعها القائم على مزاعم الاصطفاء والانتساب للرسول، والحق الالهي في السلطة، ومفهوم الولاية، وتولي الامام علي كرم الله وجهه، واجترار الخلافات التي نشبت بينه وبين معاوية قبل اكثر من اربعة عشر قرنا، وصولا إلى اعادة فرض نظام الحكم الامامي الذي انهته ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م وإن بلبوس جديدة، من خلال توجيه انتقادات واتهامات مضللة لكل ما له علاقة بالفترات السابقة من تاريخ اليمن باعتبارها أخطاء يجب تصحيحها في اطار تنفيذ مشروع المليشيات الذي تطلق عليه مسمى (الهوية الايمانية).

في التقرير التالي سنسلط الضوء على بعض مضامين خطاب زعيم المليشيات وارتباطها بمشروع الحركة الحوثية الرامية لاستعادة نظام الامامة الذي حكم اليمن ردحا من الزمن بالاعتماد على نفس الاكاذيب والمزاعم التي يرددها الحوثي اليوم.

قلق التسمية ومزاعم التمثيل الواسع

حاول زعيم المليشيات الحوثية عبدالملك الحوثي في خطابه وهو يتحدث عن مليشياته تصويرها بانه مشروع سياسي وديني وفكري يمثل المجتمع من خلال ادعائه بانخراط الكثيرين من مختلف المذاهب والتوجهات السياسية والفئات المجتمعية في اطار مليشياته، وهو ادعاء تنسفه كل الابعاد المتعلقة بنشأة المليشيات الحوثية ومشروعها القائم على الارتباط بإيران عسكريا ومذهبيا وثقافيا وسعيها لإعادة النظام الامامي إلى اليمن باسلوب جديد، فضلا عن دلائل الواقع الذي تظهر به سلطة المليشيات في مناطق سيطرتها سواء من خلال سيطرة اخوة واقارب زعيم المليشيات وابناء بدرالدين الحوثي على مفاصل السلطة، او من خلال مشروعهم الذي يجاهدون لترسيخه في اوساط الناس من خلال ممارسة الحكم باليات ووسائل قائمة على مفهوم بناء دولة داخل الدولة، فضلا عن اقصاء وتهميش واستبعاد وتغيير كل القيادات والكوادر الوطنية سواء المنتمية لتيارات سياسية اخرى او تلك المستقلة واحلال عناصر المليشيات وخصوصا المحسوبين على الاسر الهاشمية والمنتمين لمحافظة صعدة في كل مفاصل ومؤسسات الدولة.

تضليل زعيم الحوثيين حول تمثيل مليشياته لشرائح مذهبية ومجتمعية سرعان ما ناقضه بنفسه من خلال اظهار قلقه الكبير من مصطلح تسميتهم بـ(الحوثيين) الذي يطلق عليهم كما قال نسبة إلى مدينة حوث، وان كانت الحقيقة انه مصطلح يربط المليشيات باسرة مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي الذي لقي مصرعه على يد قوات الجيش اليمني بعد اعلانه التمرد على مؤسسات الدولة في 2004م.

ولعل مبعث قلق زعيم المليشيات من مصطلح الحوثيين الذي تستخدمه وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية وايضا الدوائر السياسية في مختلف دول العالم وحتى المؤسسات الدولية هو ان هذا المصطلح يضع الحركة الحوثية في اطارها الاسري والجغرافي الصغير باعتبار قادتها من اسرة بدر الدين الحوثي، ومن خلفهم اتباعهم هم عبارة عن مجموعة تعكس توجها مذهبيا وفكرا سياسيا محصورا وليست حركة سياسية على غرار الاحزاب والتنظيمات السياسية التي تتأسس كواجهة لتمثيل مجاميع من الناس من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية والمذاهب الدينية والمناطق الجغرافية.

قلق زعيم المليشيات من تسمية مليشياته بمصطلح الحوثيين ظهر أكثر من خلال اشارته إلى أن هذه التسمية تطلق عليهم حتى ممن سماهم بعض الاصدقاء، في اشارة إلى بعض الدول مثل إيران، وبقية مليشياتها الموزعة في دول المنطقة والذين يستخدمون هذا المصطلح عند حديثهم عن الحوثيين، وهو ما يؤكد ان مزاعم تمثيل هذه المليشيات لفئات وشرائح اجتماعية متعددة مجرد اكذوبة يحاول عبدالملك الحوثي تسويقها لإخفاء حقيقة الابعاد العنصرية والمذهبية والجغرافية التي تميز حركة الحوثي وتجعل منها مليشيات لا تقبل بالآخر، ولا تؤمن بالتعايش، ولا تسمح بالتعدد، ولا ترغب بالتنوع، ولا تريد سوى فرض مشروعها واجندتها.

السيطرة الأمريكية على النفط.. أكذوبة حوثية لتبرير ممارسات المليشيات

وفي مشهد يكرر ذات النهج، يستخدم عبدالملك الحوثي مفهوم السيطرة الامريكية على اليمن خلال الفترات الماضية كأكذوبة يسعى من خلالها لتبرير ممارسات المليشيات وسياساتها العبثية في ادارة مؤسسات الدولة ونهب ايراداتها، وسرقة رواتب الموظفين، وبناء مشاريع استثمارية لصالح المليشيات.

يزعم الحوثي في خطابه ان سيطرة الامريكيين على الثروة النفطية والغازية في اليمن جعلت وضع المواطن المعيشي قبل استخراج النفط افضل من بعده وهذا الزعم يلقي الضوء على الكيفية التي يمارس بها الحوثي التضليل على الناس الذين يدركون ان استخراج النفط والغاز في البلاد مثل تحولا اقتصاديا ونقل البلاد إلى حالة اقتصادية وتنموية لم تكن لتتحقق لولا استخدام الثروة النفطية والغازية في مشاريع التنمية والنهضة بالاقتصاد الوطني، والتنمية البشرية من خلال توسع التعليم وانتشاره، ونشر الخدمات الصحية... إلخ من الخدمات التي قدمتها الدولة، ناهيك عن ارتكاز قضية دفع الدولة لمرتبات الموظفين من عوائد بيع النفط والغاز.

مزاعم زعيم المليشيات تلك تهدف في الأساس إلى تبرير الوضع المعيشي الكارثي الذي وصل اليه حال الناس في مناطق سيطرة المليشيات جراء الحرب من جهة، ومن جهة اخرى جراء سرقة المليشيات لمرتباتهم، وقيامها بنهب الايرادات التي تتحصلها مؤسسات الدولة لصالحها تحت مسميات عديدة ابرزها دعم المجهود الحربي، والصناعات العسكرية، ومؤخرا دعم بعض الجبهات.

تفسير الحوثي لنفوذ السفير الأمريكي يدحضه نفوذ إيرلو

في خطابه أيضا ذهب زعيم المليشيات الحوثية إلى إيراد أكاذيب كثيرة حول نفوذ السفارة الأمريكية والسفير الأمريكي في اليمن خلال فترة الحكومات السابقة من خلال ادعائه بان نفوذ سفير واشنطن وصل حد قيام وسائل الاعلام بتغطية زيارات السفير الامريكي للوزراء والمؤسسات الحكومية وان ذلك هو استهداف سياسي طال حتى مؤسسات الدولة.

هذه المزاعم التي يروج لها عبدالملك الحوثي تدحضها وثائق ومعلومات رسمية خاصة بأداء مؤسسات الدولة خلال فترات الحكومات السابقة ابان عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث كانت تحركات السفير الأمريكي تتم وفقا للبرتوكولات المتعارف والمعمول بها في اليمن، ولم يكن يمارس السفير الامريكي أي نشاط دبلوماسي او يلتقي باي مسؤول في الدولة الا بعد ابلاغ وزارة الخارجية التي تتولى عملية التنسيق والترتيب لتلك اللقاءات.

في المقابل فإن تحركات ونشاط سفير إيران في صنعاء حسن إيرلو تعكس حقيقة النفوذ الذي باتت تمارسه إيران في تحديد ورسم وصناعة واتخاذ قرار المليشيات الحوثية، حيث بات ايرلو بمثابة الحاكم الفعلي للسلطة في صنعاء سواء من خلال تحركاته، ولقاءاته، او من خلال تصريحاته التي يطلقها حول اليمن وقضاياه الداخلية.

لقاءات سفير إيران بوزراء ومسؤولي الدولة في سلطة المليشيات الحوثية ونشرها عبر وسائل الاعلام الرسمية التابعة للدولة تدحض اكاذيب زعيم المليشيات وتؤكد كيف انه ومن خلفه مليشياته بكامل مؤسساتها وسلطاتها تدار بالريموت كنترول من قبل سفير طهران الذي وصل الامر بنفوذه إلى ان يعقد لقاء بممثلي بعثة الصليب الاحمر الدولية في اليمن داخل مقر وزارة الخارجية بصنعاء والخاضعة لسيطرة المليشيات وهو تدخل لم يحدث من قبل سفير أي دولة اجنبية في اليمن خلال العقود الثلاثة الماضية.

ادعاءات الحوثي حول مناهج التعليم والمنظمات وأهدافها

في جانب آخر، شن زعيم المليشيات انتقادات أخرى زعم فيها ان النفوذ الامريكي وصل حد تحديد معالم ومضامين المناهج التعليمية لليمن خلال فترة النظام السابق، وهي ادعاءات هدفها تبرير الجريمة التي تمارسها مليشيات الحوثي من خلال قيامها بعمليات تعديل واسعة لمناهج التعليم الاساسي والثانوي وحتى الجامعي في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها، والتي تضمنت ادراج مفاهيم وافكار ومصطلحات وقضايا تتعلق بمزاعم الاصطفاء والحق الالهي والولاية، وتقديس حركة التمرد الحوثية ومشروعها وقياداتها، وتمجيد ذكرى انقلاب المليشيات الحوثية وسيطرتها على مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014م، في مقابل محاولتها إزالة كل ما له علاقة بثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والتي انهت نظام الامامة واقامت النظام الجمهوري، فضلا عن طمس كل المفاهيم المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان والاحزاب السياسية.

وفي سياق ذي صلة، فإن الهجوم الذي شنه زعيم المليشيات على منظمات المجتمع المدني واعتبارها مؤسسات مرتبطة بالاستخبارات الاجنبية وعميلة لها ومنفذة لأجنداتها هو جزء من مشروع المليشيات الهادف إلى الغاء هذه المنظمات من خلال اتهامها بالعمالة والتجسس، وبالتالي افساح المجال لإنشاء منظمات ونقابات وكيانات مدنية جديدة تابعة للمليشيات الحوثية وتدار من قبلها، وهو أمر بات واضحا في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات، حيث قامت الأخيرة بإنشاء هيكل سمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث وايكال كل مهام التعامل مع المنظمات عبره، فضلا عن إيقاف عمل كثير من منظمات المجتمع المدني، والاستيلاء على اخرى، وانشاء منظمات جديدة تابعة لها خصوصا فيما يخص مجال الاغاثة والمساعدات وسرقة ونهب المساعدات الاغاثية والدولية وتوزيعها على اعضاء وانصار المليشيات أو استخدامها في عملية التجارة والاستثمار الخاص بقيادات المليشيات.