الرئيس صالح. دلالة موته، وملابسات ضياع الجيش الذي بناه.!
السياسية - Friday 24 September 2021 الساعة 09:49 pmمن بين كل رؤساء وملوك اليمن العظام الذين انتهت حياتهم بالموت العنيف، وهم كثير في التاريخ القديم والحديث: الرئيس السابق "على عبد الله صالح". هو الأجدر أن يفخر ويتشرف في قبره بتفاصيل وحيثيات مقتله البطولي.
كاحتياط لا بد منه. المقصود هنا. ليس الحديث عن رجل لم يكن مثالياً في كل حال، بل الحديث من خلاله عن المشهد الذي يتسيده خصومه، بكل فشلهم وتشظياتهم وعاهاتهم النفسية والفكرية والأخلاقية.
شماتة بعضهم من ملابسات مقتل "صالح"، تجعل تلك الملابسات أكثر دلالة وتوهجاً، كشماتة العبيد بمقتل "اسبارتاكوس". البطل الذي ثار من أجل كرامتهم وحريتهم.!
مثله. دعا "عفاش" لثورة على الكهنوت القادم من كهوف الأزمنة الظلامية الغابرة. انتفض ودعا للثورة وقادها، ومات في مواجهة ملحمية شرسة ومباشرة..
بالمقارنة: لم يستأسر حرصاً على حياته، ولم يُقتل في وكر مؤامرة دنيئة، ولم يهرب في بالطو حرم سفير أجنبي.!
ولم ينهزم. بالمعنى الأخلاقي النبيل، كما في قول
الشاعر "أبي تمام":
فتىً ماتَ بين الضربِ والطعنِ ميتةً .. تقومُ مقامَ النصرِ إذْ فاتهَ النصرُ
وهو كذلك. الحقيقة تستحق المجازفة، وحتى الصبغة الرمزية المستندة على الوقائع. نتكلم هنا عن:
صمود أسطوري لرجل شجاع قاتلَ. مع قليل من رفاقه. ومن محيط منزله، بالاسلحة العادية. لثلاث أيام عصيبة متواصلة، أمام ميليشيات عقائدية مسعورة بإمكانيات دولة.!
وماذا عن "الـجيش" الذي كان قد بناه صالح بنفسه طوال العقود السابقة.؟!
لهذا السؤال أهمية محورية. هنا. من حيث أن علاقة هذا الجيش بصالح كانت من قبل وظلت من بعد. محلاً للأكاذيب والإشاعات المغرضة التي سقطت كلها خلال انتفاضة صالح، انتفاضة ديسمبر 2017م.
لقد تبين يومها أن هذا الجيش لم يكن "الجيش العائلي". كما كانت القوى الظلامية بمختلف فصائلها تروج بخبث وخسة خلال سنوات سابقة.!
ومع ذلك. تظل هذه النقطة مهمة وحساسة، إذ لا تزال طافحة بالتضليل والمناكفات المتهافتة، من مثل:
- بنى الزعيم جيشاً لنفسه وانقلب جيشه ضده وقت المواجهة.!
- كانت عقيدة الجيش وولاؤه للزعيم صالح، وفجأة تخلى الجيش عن عقيدته وولائه.. لصالح الحوثيين.!
- الجيش الذي قاتل الحوثيين طوال عقود وخاض ضدهم ستة حروب كبيرة، انقلب معهم بأوامر الزعيم.!
- الزعيم سلم الجيش للحوثيين ومكنهم من اجتياح صنعاء وإسقاط النظام.!
لا حاجة للتعليق على مثل هذه الترهات، ولا أبرئ صالح من علاقة لا أعرف تفاصيلها مع الحوثيين، لكنه كان قد أصبح خارج السلطة، وعموماً:
الرئيس صالح ليس هو من أرسل الطائرات ليلاً لضرب معسكر القشيبي في عمران، وطار بنفسه فجراً ليهنئ الحوثيين هناك بإسقاط المحافظة. مصرحاً: عادت عمران إلى حضن الدولة.!
صالح. ليس هو من أمر الجيش بالتزام الحياد، أمام التقدم الحوثي، ولا وزير دفاعه هو من قال: "الجيش محايد"، ولا وزير داخليته من صرح بعد اجتياح العاصمة صنعاء: "على الشرطة التعاون مع اللجان الشعبية" "الحوثية".!
صالح. ليس هو من تواطئ سرا وجهرا مع الحوثيين خلال تمددهم وصولا إلى صنعاء، وليس من صرح بعد سقوطها: "صنعاء لم تسقط، ولن تسقط"!
من فعل هذا وأكثر هو الرئيس هادي، من واقع أنه كان صاحب الأمر والنهي والسلطة والقرار.. وكل شيء بات في يده. الدولة والسلطة والجيش، وبشرعية محلية وإقليمية ودولية.
قد يعترض بعضهم، بعبارة منسوبة للرئيس هادي نفسه. فحواها أنه لم يتسلم من الرئيس السابق صالح "غير العلم الجمهوري".!
هذه الفكرة شتيمة للرئيس هادي، الذي قبل منذ البداية، وطوال سنوات لاحقة. أن يظل مجرد زوج شكلي لامرأة جامحة في سرير زوجها الأول.!
غير أن هذه الفكرة والعبارة الشائعة والخاطئة بنفس القدر، ظهرت في وقت متأخر بعد أن ضيع الرئيس هادي كل شيء لصالح الحوثيين، وهدفها تبرئته من مسئولية هذا الفشل والجريمة التاريخية.!
في كل حال. لم تعد دولة الرئيس هادي والإخوان معنية بالواجب بقدر بحثها عن الأعذار، لكن شخصية كشخصية صالح ليست مناسبة كمشجب لتعليق فشل وأخطاء الآخرين.
ثمّ إن الوقائع ما تزال طرية، والأحداث مشهودة من قبل الجميع في الداخل والخارج، وحسب هذه الوقائع والأحداث:
تسلم الرئيس هادي كل شيء، وبالذات ما يتعلق بالجيش، وعلى يده وبإشراف دولي، ظل طوال ثلاث سنوات يعمل بلا كلل ولا ملل. على تفكيكه وهيكلته وتغيير أماكن وحداته ومهامها، وتغيير كل قياداته. حتى على مستوى ضباط الصف.!
ما له مغزى في هذا المقام. أن هذا الجيش، قبل وامتثل لكل تلك التغييرات الجذرية دون أن يبدي أي نوع أو درجة من الرفض أو الاعتراض أو التمرد المتوقع في حالة كان يتبع قيادة أخرى.
"الفرقة الاولى مدرع". فقط، هي من كانت تبدي الاعتراض ورفض الانتقال من أماكنها حتى تلك التي استحدثتها داخل شوارع العاصمة، خلال أحداث 2011 . وظلت كذلك حتى سقوطها بيد الميليشيات الحوثية على مرآى ومسمع من الرئيس هادي الذي شاهد بحياد "علي محسن الأحمر"، وهو يغرق في كأس "أبو على الحاكم".!