أكاديميون في طريقهم إلى الانقراض.. "شوقي الغيل" قصة للعِبرةِ في ظل حكم الكهنوت

السياسية - Saturday 25 September 2021 الساعة 06:43 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

خلال سنوات الحرب التي دخلت عامها السابع والوضع المأساوي يحيط بأهم مؤسسة علمية في البلد (الجامعة) بعد سيطرة ذراع إيران على كافة أقسامها.

يتساقط الأكاديميون مثل ورق التوت، كنتيجة طبيعية لسياسة ممنهجة اتخذتها المليشيات هدفًا لتصفية الخصوم من الأكاديميين الذين لا ينتمون لمشروعها الطائفي.

سبعة أعوام كانت كفيلة بفضح هذه الجماعة من خلال عشرات القصص، أكثر من 110 مدرسين جامعيين قضوا منذ 2015 حتى 2021 لكل واحد منهم قصته ومأساته.

وسبق ل"نيوزيمن" نشر إحصائية بعدد المدرسين الذين توفوا تحت التعذيب والحرمان والضغوط النفسية فقط في جامعة صنعاء.

آخر الضحايا.. قصة للعبرة

"الدكتور شوقي الغيل ضحية فساد وموت ضمير وعنجهية". بهذه الكلمات علق د. أكرم عطران من جامعة إب على رحيل الغيل.

وأضاف، "ربما اعتدنا على مرارة ظلم الساسة والسياسة، ولكن ظلمنا لبعضنا فوق ذلك الظلم هو والله الأشد مرارة وقسوة".

وختم في السياق نفسه "لن أنعيه إلا بما نعته د. بلقيس محمد علوان، شقيقة زوجة الفقيد، حيث كتبت هي الأخرى على صفحتها في فيس بوك":

د. شوقي الغيل في ضيافة الله، وليقتص الله من ظالميه، متوعدة بأنها لن تسكت، ومحذرة بأن الجميع سوف يسقطون واحداً تلو الآخر.

كيف بدأت القصة

بعد أن طفح به الكيل وأصابه المرض ليتم نقله إلى المستشفى الجمهوري، تم إصدار بلاغ للرأي العام باسمه وهو على فراش الموت.

البلاغ أوضح كل التفاصيل المؤلمة والتي يشيب لها الرأس، جاء فيه:

د. شوقي رئيس قسم المعدات الطبية بكلية المجتمع صنعاء من أقدم الأكاديميين فيها، وله دور بارز في تجهيز معامل وورش القسم.

تعرضه لأزمة صحية على خلفية ضغوط شديدة في عمله، تعنت توقيف راتب، ومستحقات مالية، وعدم صرف مساعدة علاجية. مُنع من الدخول أثناء ما كان بصحة جيدة، الأمر الذي دفعه لتقديم محاضراته في محيط الكلية.

سنوات بدون راتب

يعمل منذ سنوات بنصف مرتب يتسلمه كل أربعة أشهر، أوقف عنه منذ عيد الأضحى ولم يطلق إلا قبل أيام من وفاته.

شقته التي وعد بها في عمارة الكلية شارع هايل، سكن فيها العميد نفسه علماً أنه من جامعة أخرى وشغل منصبه في كلية المجتمع لمدة 8 أشهر.

وعده العميد الحالي بحل مشكلته وتسكينه في سكن الكلية وأصدر توجيها بأولوية التسكين وأثبت ذلك في محضر.

ظلت عمادة الكلية تماطل ليتفاجأ باتصال يخبره أن الشقة التي وعد بها سوف تذهب لمدرس آخر عاد لتوه من الابتعاث في الخارج، فما كان منه إلا أن أخذ أسرته ودخل الشقة.

قامت العمادة بإبلاغ قسم شرطة صرف بحادثة الاقتحام، تم استدعاء الغيل ومعاينة باب الشقة وجدوا أنه لم يتعرض للكسر أو الخلع، اطلعوا على الأوراق، ثبت أحقيته بالسكن، وتم إخلاء سبيله.

العمادة تعلن الحرب عليه

بعدها، وبحسب البيان الصادر عن أسرة الفقيد شوقي الغيل، أعلنت عمادة الكلية حربا شعواء، منع من دخول السكن والكلية.

ظلت أسرته أسبوعًا داخل الشقة بلا طعام أو ماء إلا مما يقدمه الجيران، يومها وجه نائب العميد حراسة البوابة بأن لا تسمح حتى بدخوله دبة ماء لأسرة الفقيد.

بعد أكثر من أسبوع سمح له بأن يدخل أكلا وماء لأولاده وأن يقدم محاضراته في حوش الكلية، تراجعت العمادة وسمحت له بالدخول إلى قاعات الكلية.

قامت العمادة بتغير مجلس الكلية وإلغاء عضوية الدكتور شوقي، وعقدت اجتماعا غير قانوني وأصدرت قرارا يقضي بإخلاء الشقة.

وصل الأمر إلى الوزارة والمجلس التنفيذي لكلية المجتمع، سمح له بإدخال عفش منزله، وحصل على وعد صريح من نائب الوزير بأن الشقة من حقه للأولوية والأقدمية.

طلب من د. الغيل تسليم المفتاح ومغادرة الشقة، مع ترك أثاثه فيها لحين استكمال الإجراءات الرسمية لتسليم الشقة؛ على أن يكتب خطاب اعتذار للعميد لدخوله الشقة.

كتب الغيل الاعتذار وسلمه لمكتب العمادة ثم اعتذر للعميد وجها لوجه وكل شيء موثق وثابت وهناك شهود عيان.

اللحظات الأخيرة من حياته

تعرض د. شوقي لوعكة صحية أسعفه زملاؤه للمستشفى وتم تحذيره من أن ضغطه المرتفع منذ ثلاثة أشهر عن 170 لم ينزل.

أصر العميد بعد كل تلك الإجراءات أن يُخرج كل عفشه وقال بالحرف الواحد، لا تتركوا حتى ملعقة واحدة في البيت". الأمر الذي رفضه الغيل متمسكًا بحقه في استكمال إجراءات التسكين.

ظل بين الوزارة والمكتب التنفيذي والعمادة يحاول دون جدوى، زاد تعنت العمادة وإصرارها على الإخلاء، منع من إدخال خزان للماء والذي ترك عند البوابة ومعرض للسرقة في أي وقت.

تلقى التهديدات باستدعاء الشرطة النسائية لإخراج زوجته وأطفاله وعفشه لكنه أصر على أخذ حق من حقوقه.

أخيرًا أوقفه الموت 

الخميس الموافق 16 سبتمبر/أيلول، سقط الدكتور الغيل فاقدًا للوعي وأسعف للمستشفى الجمهوري العناية المركزة وهو في حالة حرجة جداً.

جاءت هذه التفاصيل ضمن بلاغ قدم للرأي العام، طالبت فيه أسرته من خلال الوثائق الثابتة التي يشهد عليها منتسبو الكلية، والأوراق والمحاضر الرسمية، الوزارة التابعة لحكومة ذراع إيران في صنعاء والمجلس التنفيذي لكليات المجتمع، بإنصاف الراحل ومحاسبة المتسببين بما حدث له حتى وفاته.