آ نص تقر ير جمال بن عمر الذي القاه قبل قليل امام مجلس الأمن بشأن اليمن
تقرير إلى الأمين العام بموجب قراري مجلس الأمن 2014 (2011) و2051 (2012)
السيد الرئيس،
1. بلغ اليمن صلب العملية الانتقالية. منذ أيام قليلة فقط، جلست إلى جانب الرئيس عبد ربه منصور هادي وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبد اللطيف الزياني، لنشهد احتفاء أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل الخمسمئة والخمسة والستين ببلوغ مداولاتهم منتصف الطريق مع انطلاق أعمال الجلسة العامة الثانية.
2. المؤتمرون من جميع المكونات السياسية الرئيسة في البلاد، بمن فيها النساء والشباب، يرسمون معاً مستقبل بلادهم. عملية حوار شاملة كهذه هي إنجاز كبير في بلد تغرقه الأسلحة ولديه تاريخ من الصراعات. فهي تظهر التزام اليمنيين خيار الحوار بدل العنف والتوافق بدل الانقسام.
3. أظهر الحادث المؤسف يوم الأحد أن العملية الانتقالية دقيقة. يؤسفني أن أبلغ المجلس بوقوع اشتباك بين قوات الأمن ومتظاهرين من "أنصار الله" أمام مقر جهاز الأمن القومي في صنعاء، مسفراً عن مقتل وجرح عدد من الأشخاص.
4. مع ذلك، اليمن هو البلد الوحيد في المنطقة الذي خرج من دوامة العنف عام 2011 باتفاق تفاوضي سلمي، يتضمن خارطة طريق واضحة وجدولاً زمنياً لانتقال ديموقراطي شامل. نهنّىء حكومة اليمن وشعبه للوفاء بعهودهم رغم التحديات، ونحثهم على مواصلة الطريق.
5. خلال الأسابيع القليلة الماضية، توزّع المشاركون في مؤتمر الحوار على تسعة فرق عمل، تناقش جميع القضايا الرئيسة التي تواجه البلاد، بما فيها النزاعات المزمنة المتعلقة في الشمال والجنوب. وكما كان متوقعاً مع التئام هذا العدد الكبير والمتنوع من الفرقاء، بينهم خصوم سياسيون وحتى أعداء، كان من الصعب تجاوز الجراح والمظالم، وقد اختبر حسن نوايا المشاركين. لا تزال الانقسامات العميقة تسود فرق العمل المثيرة للجدل، مثل فريقي صعدة والقضية الجنوبية. سيتطلب هذا تيسيراً دقيقاً والحد الأقصى من حسن النوايا من قبل جميع الأطراف.
6. رغم ذلك، يسعدني إبلاغكم بإحراز تقدم عموماً. فقد رفعت أغلبية فرق العمل تقاريرها إلى الجلسة العامة الثانية للمؤتمر. وقدمت أكثر من 100 توصية ليتم تبنّيها، يشمل كثير منها ضمانات دستورية لحقوق الإنسان. ورغم الانقسامات العميقة في فريق صعدة، فقد تمكن من التوافق على رؤية مشتركة لجذور النزاع. ومع تقدم أعمال مؤتمر الحوار، لا يزال المؤتمرون في حاجة إلى التوافق على قضايا رئيسة، تتضمن شكل الدولة ونظام الحكم، وحل قضيتي الجنوب وصعدة. وسيساعد تشكيل مؤتمر الحوار لجنة التوفيق أخيراً في تنسيق مختلف التوصيات والتوفيق بينها وفي تسهيل التوصل إلى توافق.
7. يعمل فريقي ومساهمون آخرون عن كثب مع هيئات مؤتمر الحوار لإطلاعهم على مجموعة واسعة من التجارب والخبرات الدولية. وبينما لا نملك وصفات جاهزة للتغلب على تحديات اليمن الكثيرة، فقد مكّن عرض مقارنات من أوضاع بلدان أخرى المؤتمرين من اتخاذ قرارات مستنيرة بعد اطلاعهم على خيارات مختلفة. ستكون الجلسة العامة المقبلة والأخيرة حاسمة في الاتفاق على مبادئ دستور جديد وملامحه.
السيد الرئيس،
8. يسرّني الإشارة إلى أن الحوار يتجاوز مكان انعقاد المؤتمر. اليمنيات واليمنيون منخرطون في نقاشات وحوارات حول مشكلات بلادهم ومستقبلها المرتقب. ويشاركون في ندوات وطاولات مستديرة وخيم مفتوحة أقيمت في الساحات. وتناقش التطورات في فرق عمل مؤتمر الحوار الوطني يومياً عبر برامج تلفزيونية وإذاعية وفي الصحف ووسائل الإعلام الحديثة. خلال الأسابيع القليلة الماضية، باشرت فرق العمل تواصلها مع المواطنين في أنحاء مختلفة من البلاد. زارت ثماني عشرة محافظة، وتحدثت إلى أكثر من 12500 شخص من مختلف الأعمار والخلفيات، بمن فيهم أعضاء في السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني واتحادات عمالية ومجموعات نسائية وشبابية.
9. خلال زيارة إلى مقر الأمن السياسي، تأثرت واحدة من أعضاء فريق عمل الجيش والأمن. قالت إن الزيارة مثلت "كسر حاجز الخوف" بالنسبة إليها. عام 2011، لم يكن وارداً الترحيب بزيارة وفد من النساء والشباب إلى مقر وكالة استخبارية. وكما قال الرئيس هادي، فإننا نشهد تحولاً شاملاً في الثقافة السياسية، ليس مجرد انتقال سياسي.
10. سيتبع الحوار الوطني الجاري حالياً عملية صوغ دستور. التزمت حكومة اليمن جعل هذه العملية شفافة وشاملة. وسيتم تصديق الدستور الجديد في استفتاء، تليه انتخابات عامة وحكومة جديدة تتمتع بشرعية شعبية كاملة. ندرك ألّا ضمانات لما يحمله المستقبل. هناك آمال كبيرة في مناخ هش تسوده مجموعة من الرؤى والمصالح المتجاذبة تسعى إلى إنتاج نظام جديد وأفضل.
السيد الرئيس،
11. يجب على الحوار الوطني إيجاد حل توافقي للقضية الجنوبية من أجل التأسيس لدستور جديد. وقد خصّص لهذه القضية فريق عمل بتركيبة محدّدة تميل فيها كفة التمثيل لصالح الحراك الجنوبي. سيباشر قريباً مناقشة مقترحات حول وضع الجنوب وهيكل جديد للدولة في اليمن. مع ذلك، لا تزال بعض مكونات الحراك خارج العملية. وكان مؤتمر الحوار دعا في جلسته العامة الأولى إلى تشكيل لجنة للتواصل مع قادة الحراك الجنوبي. من المهم تطبيق ذلك.
12. في الجنوب، يسير الشارع نحو مزيد من الاحتقان. ويدنو من نقطة تحوّل مدفوعاً بالاستياء بعد أكثر من عقدين على المظالم المتراكمة والتهميش المنهجي. ازداد توجّس الجنوبيين إزاء الوعود التي لم تنفذ. ومنذ شباط (فبراير)، ارتفعت بشكل ملموس وتيرة التظاهرات المتدفقة إلى الشوارع وعددها. ولوحظت أعمال عصيان مدني منظمة أسبوعياً، ينجم عنها أحياناً جرحى وقتلى. كان تشكيل لجنتين لمعاجلة قضايا الاستيلاء غير القانوني وغير المشروع على الممتلكات، وقضايا الفصل التعسفي من الجيش والخدمة المدنية، خطوة أولى بالغة الأهمية على طريق معالجة المظالم الرئيسة. لكن، بينما تواصل اللجنتان مساعيهما الحثيثة لجمع الشكاوى والحالات وتوثيقها، فإنهما ستحتاجان موارد أكبر بكثير لإنجاز مهامهما وتقديم علاجات فعّالة. علاوة على ذلك، إن لم تتخذ الحكومة مزيداً من إجراءات بناء الثقة أو تحدث تحسيناً ملموساً في الحياة اليومية للناس، ستزداد الأصوات الغاضبة وتتقلص مساحة الحوار.
السيد الرئيس،
13. لا شك أن الطريق السلمي الوحيد لإحراز أي تقدم هو عبر حوار مفتوح، وبالأهمية ذاتها، عبر معالجة إرث الماضي. لا يزال على الحكومة الوفاء بالتزامها إنشاء لجنة تقصي حقائق في أحداث عام 2011 أو تصديق قانون للعدالة الانتقالية. فقط عبر خطوات حاسمة كهذه، يمكن لليمنيين ضمان طريق المصالحة الوطنية وبلوغ يمن جديد. من المؤسف أن الحرب الإعلامية بين الفرقاء السياسيين لا تزال مشتعلة، يغذيها الأخبار المضللة والمختلقة والتحريض. حان الوقت لكي يوقف السياسيون مناوراتهم في الإعلام. هناك حاجة ماسة إلى هدنة إعلامية.
14. ثمة تحديات كثيرة أخرى تثقل كاهل العملية الانتقالية. لا يزال الوضع الأمني هشاً في أنحاء عدة من البلاد. ولا يزال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يشكل تهديداً خطيراً رغم جميع جهود مكافحته. وهو يحاول في الآونة الأخيرة إرساء موطىء قدم في حضرموت للسيطرة على أراض مجدداً.
15. ارتفع عدد الاغتيالات التي تستهدف كبار القادة الأمنيين. ويبدو أن فصائل سياسية رئيسة لا تزال مسلحة وتواصل التسلح رغم مشاركتها في العملية السياسية، ما يخلق ظروفاً لمزيد من العنف وعدم الاستقرار. ويتواصل تهريب الأسلحة إلى اليمن، وضبطت شحنات عدة أخيراً.
16. تستمر الأزمة الإنسانية في اليمن بلا هوادة، مع بقاء أكثر من نصف السكان في حاجة إلى مساعدة إنسانية للحصول على الغذاء والرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي. ويعاني أكثر من مليون طفل يمني من سوء تغذية حاد. في هذه الأثناء، ومع تحسن الوضع الأمني، تمكّن تسعون في المئة من النازحين جراء المواجهات في جنوب اليمن (162 ألف شخص) من العودة إلى منازلهم. في شمال اليمن، تبدو فرص عودة 300 ألف نازح ضئيلة، واحتياجاتهم الأساسية ملحّة. ورغم خطورة الوضع، لم تموّل خطة الاستجابة الإنسانية حتى اليوم إلا بنحو 30 في المئة.
السيد الرئيس،
17. رغم هذه التحديات، يمضي الانتقال السياسي في اليمن قدماً. بدأت تحضيرات اللجنة العليا للانتخابات للعملية الانتخابية، بما فيها خطوات لإنشاء سجل انتخابي إلكتروني. ومن المقرر أن تنطلق عملية التسجيل في أيلول (سبتمبر) المقبل. لا يتيح الجدول الزمني أي تأخير. لا بد من تعاون وتنسيق وثيقيْن بين الأحزاب السياسية والمانحين والحكومة من أجل نجاح تسجيل الناخبين والعملية الانتخابية. أبدت الأحزاب السياسية للمعارضة السابقة قلقها من أن السلطات المحلية ومعظم المحافظين وموظفي اللجنة العليا للانتخابات عيّنوا في عهد النظام السابق، ومن أن كلهم مرتبط في الحزب الحاكم السابق. وهي تطلب اتخاذ إجراءات لبناء الثقة في العملية الانتخابية. من جهة أخرى، يعارض قادة حزب المؤتمر الشعبي العام أي تغيير في التعيينات، معتبرين ذلك مناقضاً للمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية (اتفاق نقل السلطة).
18. اتخذت خطوات حاسمة لإعادة هيكلة القوات المسلحة. أبعد عدد من القادة العسكريين الذين اضطلعوا بأدوار رئيسة في أحداث 2011 الدامية، أو عيّنوا خارج المؤسسة العسكرية. وبدأ تنفيذ الهيكلة الجديدة للجيش، بما فيها إنشاء سبع قيادات عسكرية مناطقية. وقد حل الحرس الجمهوري والفرقة أولى مدرّع، ودمجا في الهيكلة الجديدة. ورغم هذه الخطوات الجوهرية، لا يزال من الضروري بذل جهود إضافية لضمان مهنية القوات المسلحة.
السيد الرئيس،
19. يجب ألا تساورنا أي أوهام. هناك من يريد تقويض العملية الانتقالية. فقد ازدادت الهجمات على أبراج الكهرباء، مسببة بؤساً وغضباً في أنحاء البلاد. العائلات غارقة في ظلام دامس في ظل حر شديد. وقد لمست إحباط الناس وإرهاقهم وازدياد استيائهم. تحدثت الأسبوع الماضي إلى كثير منهم في مدينة الحديدة، التي شهدت احتجاجات متكررة في الأشهر الأخيرة. هناك، وفي مناطق عدة من البلاد، بدأ صبر الناس ينفد. كذلك، تتواصل الهجمات على أنابيب النفط والغاز. ويسبب تعليق صادرات اليمن من الطاقة وأعمال صيانة خطوط الكهرباء خسائر بمئات ملايين الدولارات. وبينما يتردد أن منفذي الهجمات معروفون، لا يزال الإفلات من العقاب سائداً. الشعب اليمني يطالب بالعدالة. يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
السيد الرئيس،
20. خلال جميع مشاوراتي مع القادة السياسيين، جددت التأكيد أن السبيل الوحيد ليمن آمن ومستقر ومزدهر هو عبر الحوار الوطني والعملية الانتقالية. من مسؤولية جميع اليمنيين أن يسيروا نحو مصالحهم وتطلعاتهم المشروعة عبر هذه العملية، وفق قراري مجلس الأمن واتفاق نقل السلطة.
21. أطلق اليمنيون مساراً استثنائياً، بناء على خارطة طريق متفق عليها. ويستحقون الدعم، وهم يعوّلون على المجتمع الدولي، سيما هذا المجلس، ليدرك أهمية السير معهم حتى نهاية العملية الانتقالية بأكملها. وذلك لمواجهة التحديات وتوفير كل الدعم السياسي والمالي المتاح.
22. ربما تكون مثابرة الجميع أهم عنصر لنجاح العملية الانتقالية. وتبيّن التجارب أنه لا توجد وصفة جاهزة أو صيغة مثالية أو نتائج معدّة سلفاً. فاليمن متفرّد بذاته وشعبه، وله تاريخه الخاص العريق وأبعاده المركّبة.
23. تنشأ دينامية وسياسة تشاركية جديدة في اليمن. من الضروري تعاون جميع الأطراف اليمنية. وهذا التعاون ليس متيسّراً دائماً. يحتاج اليمن حالياً دعم جميع أصدقائه لمواجهة وضعه السياسي الصعب. للأسف، لم تترجم أغلبية التعهدات المالية الكبيرة المعلنة في مؤتمر أصدقاء اليمن، باستثناء المساهمة السعودية السخية. هنا أريد التنويه بالمملكة العربية السعودية. فقد كانت أكبر المساهمين وأول المنفذين. أتمنى أن يحذو الآخرون حذوها. هذا هو وقت مساعدة اليمن عبر الوفاء بالتعهدات ودعم العملية الانتقالية بشتى الطرق. بدورها، يجب أن تنجز الحكومة اليمنية إصلاحات أساسية نص عليها "إطار المساءلة المتبادلة".
24. يبقى اليمن أولوية بالنسبة إلى أمين عام الأمم المتحدة، وسأتابع تواصلي الكامل مع جميع الأطراف لمساعدتها طيلة العملية الانتقالية. أشيد بالرئيس هادي لقيادته وبجهود حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها محمد باسندوة. يعوّل اليمنيون على استمرار تحدّث مجلس الأمن الدولي بصوت واحد في دعم العملية الانتقالية. وأثني على مساهمات مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودعمه. وأود أيضاً شكر الاتحاد الأوروبي ومجموعة أصدقاء اليمن والسلك الدبلوماسي الناشط في صنعاء. علينا جميعاً بذل قصارى جهدنا لضمان أن يقود التقدم الذي شهدناه في مؤتمر الحوار الوطني وفي مجالات أخرى إلى تغييرات مجدية في الأمن والحوكمة والتنمية. وذلك تزامناً مع تحسينات ملموسة في الحياة اليومية لجميع اليمنيين نحو مستقبل أكثر أمناً واستقراراً وديموقراطية وازدهاراً، تصان فيه حقوق الإنسان في ظل سيادة القانون. يبرهن اليمنيون أنهم لا يستحقون أقل من ذلك.