خالد الوصابي.. خطاطٌ يقفُ على ناصيةِ الحلمِ عاشقًا للحرفِ في أسواق مكة

تقارير - Sunday 10 April 2022 الساعة 01:26 pm
عدن، نيوزيمن، خاص:

على ناصية الحلم، ومن ثنايا الإبداع وأركانه، وآفاق المَلكات؛ شِعرٌ ورسمٌ ونحتٌ بالنار، يقف الشاب اليمني خالد الوصابي شامخًا، يذيب جليد النتوءات التي برزت في خضم الحياة، يسافر بين السطور، ويجدد رحلات العودة كلما هدأت عواصف الرغبة بالنجاح. 

يصف حياته بالعشوائية لظروف الغربة والتنقل في المسكن والعمل، إذ لا يمكن لفنان أنيق يجيد رسم الحروف ونظمها أن يكون عشوائيا أبدًا.

تمتلئ صفحته في "فيس بوك" بالمنشورات من آيات قرآنية وأبيات شعرية، وعبارات الحكماء والنساك؛ ينقش الحروف بعناية فائقة وتلقائية مبدع منحه الخالق موهبة عظيمة.  

خالد أحمد قايد الوصابي، 1987 محافظة ذمار وصاب العالي، اتجه للعمل بعد إكماله الثانوية، أب لطفلين (ولد وبنت)، يجيد الخط والرسم وحب الآخرين؛ ينقشهم بشغف ويخفف عنهم بعضاً من عناء الحياة، يمنحهم فرصة لرؤية أسمائهم وقد كُتبت بأصابع من ذهب، كما أنه يكتب الشعر ويتذوقه.

علاقته بالرسم.

يتحدث خالد في دردشة عابرة ل"نيوزيمن" عن تفاصيل من حياته وعشقه للخط وبعض من جزئيات خاصة بعمله. يقول، بدأتْ علاقته بهذا الفن منذ الطفولة قبل التحاقه بالمدرسة، مكللة بموهبة فطرية ومعزَّزة بعشق واسع لفن الخط والرسم.

كان لديه أخ أكبر يمارس نفس الطقوس لكنه لم يُخلص لهذه الملكة ولم يعط موهبته الاهتمام الكافي الذي يجعله محترفا.

بدأ مشواره منذ وقت مبكر، يحاكي الرسومات على صفحات كتب المنهج الدراسي لإخوانه، وعناوين الكتب نفسها "رسماً وليس خطاً".

في الابتدائية، مارستُ الرسم والخط؛ بقلم جاف، أكتب الكلمة خطين وأعود أملأ الفراغ بينهما، عند رؤيتي لأول قلم مقصوص مع أحد المدرسين في القرية وكان يمتلك خطا جميلا، طلبت منه السماح لي بأن أكتب بذلك القلم فأعطاني إياه.

يضيف، أمسكت القلم كما يجب أن يُمسك، لأن لقلم الخط مسكة معينة وزاوية محددة للكتابة، مما أثار استغرابه واندهاشه، خاصةً طريقة وضع النقاط مربعة بذلك الشكل الذي لا يجيده هو.

تحريم الرسم

كثير من الرسامين مروا بحالة اضطراب وحيرة، هل الرسم وتجسيد الأشياء حلال أم حرام، وقد أخذ منهم ذلك عصف ذهني شديد الحساسية.

خالد له تجربة في هذا يقول: "بدأتْ موهبتي تكبر ظللت أمارس الخط والرسم كتوأمين، كنت أحب الرسم أكثر ولا أزال، تعرضت للتوبيخ والمضايقات نتيجة لاعتقاد البعض أن الرسم حرام، خاصة رسم ذوات الأرواح، هذا ما جعلني أتجه للخط أكثر وبشكل مستمر ولا أرسم إلا في حالات نادرة".

انتقل خالد في 2012 إلى المملكة، التقى بالكثير من الخطاطين البرماويين الذين كانوا يعملون في أسواق مكة؛ بالكتابة على الميداليات والأقلام "بآلة الحفر والحرق بالنار" على القطع  الخشبية والجلدية.

يشير إلى أنه وجد أنها مهنة مناسبة، اشتغل فيها وكان بعض الخطاطين عند رؤيته يتفاجأون: أول مرة يلتقون خطاطا يمنيًا. كنت أحاول أن أشرح لهم أن هناك كثيرا من المبدعين اليمنيين في هذا المجال لم يأخذوا فرصتهم أو أنهم اتجهوا إلى أعمال أخرى.

يواصل حديثه: "كنت اليمني الوحيد في تلك الفترة أشتغل خطاطا في (أبراج البيت)، جوار الحرم المكي، ظللت في هذه المهنة فترة طويلة أكتب بخط جميل وأعتقد أن الخط يتحسن باستمرار، لكني اكتشفت أن الخط مثل أي علم مبني على أسس وقواعد وضوابط معينة ودراسة أكاديمية لمن أراد أن يتقنه".

احتراف ومشاركات

انهمك خالد في تعلم أسس الخط بعد أن لاحظ أن هناك خطاطين لا يتقنون سوى نوع واحد أو نوعين، فيما بقية الخطوط يكتبونها بشكل جيد لكن غير متقنين لها، لأنه من الصعب جدًا أن تجد خطاطًا يتقن كل الأنواع إلا حالات نادرة.

تعلم الخط بشكل سليم عام 2018، بدأ بخط (النسخ) واستمر حتى تحسن مستواه وانتقل (للديواني)، أخذ منه وقتا أقصر من النسخ؛ هو الآن في طريقه لتعلم بقية الخطوط بقواعدها، وهذا يحتاج إلى تفرغ تام ودراسة لكل حرف وكل جزئية من الحرف الواحد.

فيما يخص المشاركات يذكر خالد أنه شارك في المسابقة اليمنية الأولى للخط العربي 2020، ثم في المسابقة اليمنية الثانية للخط العربي 2021 وقد حصل على المركز الثاني في خط الديواني.

إضافة لمشاركته في ملتقى خط الوحيين الشريفين لكتابة القرآن الكريم والسنة النبوية في المملكة العربية السعودية 2021.

كما أنه مشارك هذا العام في الملتقى اليمني الأول لكتابة القرآن الكريم خلال رمضان، برعاية جهات حكومية (وزارة الأوقاف والإرشاد ووزارة الإعلام والثقافة والسياحة).

أعمال تم إتلافها

عاش خالد في المملكة مثل أي مغترب مع فارق أن أحلامه وطموحاته تختلف عن الكثير، بداية الأمر كان حريصا على الاحتفاظ ببعض أعماله الفنية التي كان ينجزها، لكن سرعان ما وجدها تتكدس في زوايا الغرف ما اضطره للتخلص منها مع كل مرة يتم فيها الانتقال إلى سكن جديد.

بدأ يركز على أمور أكثر أهمية، مؤخراً عمد إلى تفريغ موهبته على شكل قصاصات ونشرها على صفحات مواقع التواصل، جاهز دائما كما يقول لتنفيذ أي أعمال تطلب منه، افتتاح معارض فنية متى ما وُجدت البيئة الملائمة والمهيأة لذلك.

عن الخطاط اليمني 

يقول خالد، إن الخطاط اليمني منافس كبير في المسابقات الدولية، وهذا ما لمسناه في السنوات الأخيرة بوجود خطاطين شباب يمنيين مبدعين حصدوا المراكز الأولى في مسابقات دولية.

يؤكد، الفضل بعد الله للأستاذ زكي الهاشمي الذي نجح في إيقاد شعلة من الخطاطين اليمنيين الناشئين، بعد أن كان اليمن لا يذكر في محافل الخط العربي، عكس بقية الدول العربية والإسلامية التي كان لها حضور ونهضة قوية.

حركة الخط العربي وظهوره 

سألناه كيف يتابع حركة الخط العربي في الشام ومصر والمغرب، وهل لديه أي فكرة حول هذا الفن الذي أصبح مثله مثل بقية أنواع الفنون الشعر والقصة والرواية والغناء؟

يشير الخطاط خالد إلى أن الخط العربي مشتق من عدة حضارات قديمة، لكنه استقر بعد ظهور الدولة الإسلامية في مكة والمدينة، وبدأ ينتشر منها وسمي (الخط المكي والخط المدني) وكان لا يوجد بينهما فرق.

يضيف، لكنه لم يتطور أو يتجدد إلا مع وجود الدولة العباسية والأموية، خاصة في بلاد العراق والشام، وبدأ يشتق منه عدة خطوط؛ ظهر الخط الكوفي بأنواعه، النسخ، الثلث، الفارسي، وبلغ الخط العربي ذروته من التطوير والتجديد في عصر الدولة العثمانية وظهر الديواني والرقعة.

في مصر ظهر الخط الفاطمي في عصر الدولة الفاطمية مشتق من الكوفي، واستخدم في تزيين المساجد والأماكن العامة، ومن المدينة وبلاد الشام انتشر الخط العربي نحو بلاد المغرب والاندلس، وكان أكثر انتشارا هناك الخط الكوفي.

يوضح في هذه الجزئية أن المغاربة بدأوا بتطوير الخط الكوفي، واشتقاق عدة أنواع كلها مشابهة، سمي بالخط المغربي والقيرواني والاندلسي، لم يكن لخط الثلث اهتمام عند المغاربة، ولم يكن للخط الكوفي وأنواعه اهتمام عند العثمانيين كاهتمامهم بخط الثلث والنسخ.

يعتقد أن أفضل من كتب النسخ والثلث الأتراك رغم اختلاف لغتهم، لكن الآن في العصر الحالي بدأ الخط العربي يلاقي اهتماما واسعا في العراق ومصر والشام والخليج واليمن وبعض دول المغرب.

سألناه هل سبق لك وأن شاهدت خطوط الآيات في جامع الصالح بصنعاء عن قرب وتمعنت فيها وما الذي لفت نظرك؟

أجاب، للأسف لم يحالفني الحظ لزيارة جامع الصالح، لكن حسب معرفتي أن الخطاط (ناصر النصاري) وهو رئيس جمعية الخطاطين اليمنيين، هو من قام بخط جامع الصالح، ودخل أخيراً مجموعة غينيس لأكبر مساحة خطية قام بكتابتها، ويعتبر من أفضل خطاطي اليمن وأقواهم من حيث المستوى.