من سرقة منشدي الإخوان للألحان إلى زوامل الموت الحوثية.. التراث والفن اليمني وحرب الحركات الدينية

السياسية - Sunday 14 August 2022 الساعة 07:41 am
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

أثارت القيادية في حركة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) والحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان عبر صفحة "مؤسسة توكل كرمان على الفيس بوك" ما أسمتها سرقة ألحان الأغاني اليمنية، حيث نشرت أن أغنية (العز عزك) عمل فني قدمه الفنان الإماراتي حسين الجسمي عام 2011م للقوات المسلحة الإماراتية، وأكدت أن اللحن الخاص بهذا العمل أصله لحن يمني لزوامل وأغانٍ وأوبريتات يمنية.

وبعيداً عن تفنيد صحة أو كذب ما تضمنه منشور مؤسسة توكل كرمان حول هذا العمل الفني، فلسنا هنا في وارد الدفاع عن الجسمي أو الرد على توكل كرمان، لكن ما نشر أثار الكثير من التساؤلات عن الأهداف الخفية التي تسعى توكل كرمان ومؤسستها وداعموها من وراء إثارة هكذا موضوع خصوصاً فيما يتعلق بموضوع سرقة ألحان الأغاني اليمنية، وهو الأمر الذي يمكن التأكيد على أنه ذو أهداف سياسية متعلقة بمواقف حركة الإخوان والتنظيم الدولي السري لهم ضد دول التحالف العربي وعلى الأخص الإمارات والسعودية.

لكن في المقابل وبما أن مؤسسة توكل كرمان أثارت موضوع سرقة ألحان الأغاني اليمنية فإن ما تجدر الإشارة إليه أن موضوع العبث بألحان الأغاني اليمنية التراثية، أو الرومانسية، أو الوطنية هو ابتكار خاص بحركة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) وتبعه في ذلك مليشيات الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، وهو ما يؤكد أن الحركات الدينية هي من بدأ عملية العبث وسرقة ألحان الفن اليمني واستخدامه في إنتاج أعمال إنشادية، وزوامل ذات أبعاد سياسية تروج لأفكار وأيديولوجيات هذه الحركات الدينية.

إخوان اليمن.. وابتكار جريمة العبث بألحان الأغاني اليمنية

عقب ظهور حزب الإصلاح (حركة الإخوان المسلمين في اليمن) مطلع تسعينيات القرن الماضي مع نظام التعددية السياسية الذي اقترن بقيام الجمهورية وشروعه في ممارسة عمله السياسي والدعائي وصولا إلى الدعاية الانتخابية التي بدأت مع إعلان موقفه المناهض للاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية في عام 1991م حيث عمدت الحركة إلى إظهار أسلوب خاص بها في الترويج الدعائي تمثل في تكوين وتشكيل فرق إنشادية من الشباب يتولون مهمة إنتاج أناشيد ذات مضامين دعائية سياسية تروج لمواقفهم السياسية التي كان أولها رفضهم لدستور دولة الوحدة ودعوتهم المواطنين للتصويت بلا في الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية الذي جرى يومي 15- 16 مايو 1991م.

وتلى ذلك ظهور الدعاية السياسية أثناء أول انتخابات تعددية تشهدها اليمن في أبريل عام 1993م والتي احتل فيها الإصلاح المركز الثاني بعد المؤتمر الشعبي العام، وكان لافتا منذ ذلك الحين أن آلة الدعاية الإخوانية بدأت بإنتاج كم هائل من الأناشيد التي تتضمن هجوما وانتقادات على خصومها السياسيين من جهة وفي مقدمتهم الأحزاب اليسارية (الاشتراكي – الناصري – البعث)، وفي الوقت نفسه تروج لأفكارهم الدينية وذلك من خلال ألحان كانت جميعها مسروقة من ألحان أغانٍ يمنية.

وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمان عمد الإصلاحيون إلى تشكيل فرق إنشادية مركزية وأخرى محلية على مستوى المحافظات أوكلت إليها مهام إنتاج أناشيد ترويجية لأيديولوجيتهم الدينية، وأفكارهم السياسية، والدعاية لمواقفهم التي ظلت تتقلب وتتغير وفقا ومدى قدرتهم على تحقيق مصالحهم الحزبية، وهو ما ظهر من خلال طبيعة الأناشيد الدعائية التي كانت تروج للرئيس السابق الشهيد علي عبدالله صالح إبان تحالفه معهم في الحكم وأثناء اختياره مرشحا باسم حزب الإصلاح في أول انتخابات رئاسية شعبية مباشرة عام 1999م، قبل أن تتغير تلك المواقف إلى معارضته حيث أنتج إخوان اليمن عبر فرقهم الإنشادية آلاف الأناشيد ذات الطابع السياسي الدعائي.

ويجمع المراقبون والنقاد الفنيون على أن حزب الإصلاح تعمد العبث بالألحان الخاصة بالأغاني اليمنية سواءً الأغاني ذات الألحان التراثية، أو الأغاني ذات البعد العاطفي والرومانسي وأغاني الحب، أو تلك الأغاني الخاصة بالمغتربين وبالمهاجل الزراعية، وصولا إلى الأغاني الوطنية، وجميعها كان لها نصيب من سرقة ألحانها وتركيبها على أناشيد ذات طابع دعائي يخص الإخوان..

وكنموذج فقط يمكن ضرب مثال على الأنشودة التي أنتجها منشدو حزب الإصلاح والتي كانت تقول كلماتها (نجوم الليل بتسألني على بترولنا والغاز...)، فمفرداتها لم تكن أكثر من سرقة لمفردات أغنية عباس الديلمي وألحان الفنان الكبير علي الآنسي بعنوان (نجوم الليل بتسألني على قلبي ومن أضناه وعن سهدي وأشجاني وعن دمعي ومن أجراه).

وكمثال آخر سنجد واحدة من الأناشيد التي أنتجتها فرق حزب الإصلاح أثناء فوضى العام 2011م في ساحة الجامعة بصنعاء والتي حملت عنوان (عاهدنا الله وكتاب الله ما عد نقبل علي عبدالله) وهي مسروقة من كلمات وألحان أغنية للفرقة اليمنية الشهيرة بالثلاثة الكوكباني التي غنت الأغنية الوطنية (عاهدنا الله وكتاب الله والثورة وعلي عبدالله).

ويمكن التأكيد على أن حركة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) استغلت الحملات الانتخابية لإنتاج أكبر كم من الأناشيد ذات الطابع السياسي الدعائي الذي كان معظم إن لم يكن جميع ألحانه مسروقة من الأغاني اليمنية بمختلف أنواعها، مستغلة الظروف التي تحكم العملية التنافسية الانتخابية لممارسة عبثها ذلك دون أي مواجهة من قبل أي جهة حكومية أو تنفيذية أو حتى مدنية معنية بالحفاظ على التراث اليمني وألحانه، وبالتالي رسخت في أذهان الناس قبول عمليات السرقة للألحان الغنائية وتركيبها على أناشيد دعائية سياسية لا تزال مستمرة في استخدامها حتى اليوم.

زوامل الحوثي.. سرقة وتدمير آخر للألحان اليمنية

وعلى منوال ما فعلته حركة الإخوان المسلمين اليمنية جاءت مليشيات الحوثية التي تنتهج ذات الأفكار الدينية المتطرفة مع اختلاف التوجه بين الحركتين حيث الأولى تنادي بمشروع الخلافة بينما تطرح الأخرى مشروع الإمامة، لتكمل مسار التدمير الممنهج للتراث اليمني الغنائي بكافة أشكاله وألوانه.

ومنذ انقلابها على السلطة وسيطرتها المسلحة على الدولة ومؤسساتها في 21 سبتمبر 2014م وعلى ذات منهج حركة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) أصدرت مليشيات الحوثي فتاوى دينية تحرم وتجرم الغناء والموسيقى ومن يعمل فيها، حتى إنها زعمت أن الغناء والموسيقى واحد من أسباب تأخر تحقيقها للنصر.

ويدلل المراقبون على الإجراءات التي نفذتها مليشيات الحوثي ضد الإذاعات الخاصة المحلية في صنعاء، حيث قامت بإغلاق معظم تلك الإذاعات ونهب معداتها بحجة أنها تبث برامج غنائية لها تأثيرها السلبي على عادات وثقافة وتقاليد المجتمع والترويج للأفكار الغربية من جهة، والإسهام في تأخير النصر، حسب زعمهم من جهة ثالثة.

ولم تكتف المليشيات بإصدار فتاواها المتطرفة ضد الفن والغناء والتراث اليمني بل عمدت إلى تنفيذ عملية تدمير ممنهجة بحق الأرشيف الغنائي الوطني بما يحويه من أعمال وأغان وأناشيد وطنية تظهر ظلامية الحكم الإمامي الكهنوتي وتمجد الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر، والنظام الجمهوري والوحدة اليمنية.

وأكدت مصادر في إذاعة صنعاء لنيوزيمن، أن مليشيات الحوثي قامت بإتلاف مئات الأعمال والأغاني الفنية الوطنية من مكتبة الإذاعة، فيما أخفت أعمالا أخرى، قبل أن تصدر توجيهات بمنع بث أي أغان أو أناشيد وطنية تمجد الثورة اليمنية السبتمبرية، أو تلك التي تتغنى بالوطن وبإنجازاته.

وامتد عبث المليشيات الحوثية إلى إيقافها ومنعها لأي برامج مخصصة لبث الأغاني الوطنية أو مناقشة التراث الغنائي اليمني بمختلف أشكاله وتنوعاته في مختلف وسائل الإعلام الرسمية التي تسيطر عليها.

ومثلما قامت حركة الإخوان المسلمين اليمنية (حزب الإصلاح) بسرقة ألحان الأغاني الوطنية وتركيبها على أناشيدها الدعائية، فعلت مليشيات الحوثي ذات الأمر بسرقتها ألحان بعض الأغاني الوطنية وتركيبها على زواملها الدعائية المذهبية.

وعلى مدى السنوات الماضية منذ انقلابها تعمدت مليشيات الحوثي إحلال اللون المسمى بالزوامل والتي تقوم بإنتاجها فرق إنشادية تابعة لها محل كل الأعمال والأغاني الوطنية سواء أكانت تراثية أو عاطفية أو اجتماعية أو وطنية عبر تسخير كافة موارد وإمكانات الدولة لإنتاج هذه الزوامل، ونشرها وبثها على وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية الخاضعة والتابعة لها.

ويجمع المراقبون على أنه ومثلما كان للسرقات التي تمت للألحان الغنائية اليمنية من قبل الخارج، فإن حركة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح في اليمن) ومليشيات الحوثي كان لهما النصيب الأكبر في العبث بالتراث والفن اليمني وتدميره بمختلف الأشكال، وما تشهده اليمن من خفوت لكل الأعمال الغنائية والفنية اليمنية سواءً القديمة أو الجديدة إلا خير دليل على الحرب التي يواجهها التراث والفن الغنائي اليمني والتي بدأتها حركة الإخوان وأنهتها مليشيات الحوثي.