حقيقة الغضب من حديث الجفري.. هل بات تيار "الأقيال" في خدمة الإخوان؟
تقارير - Thursday 13 October 2022 الساعة 06:14 pmأولاً أعترف بأني من المعجبين والمؤيدين لما يطرحه الشيخ/ على الجفري، وأسلوبه في الحديث والطرح الديني، وأرى ذاتي تنساق لكل ما له علاقة بالصوفية ومشايخها حتى وإن باتت النظرة لهم بأنهم الوجه الآخر لفكر الحوثي القائم على تقديس "آل البيت".
لم ألتفت إلى الهجوم الأخير ضد الجفري بسبب مقطع الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن ما قاله في حواره مع قناة "اليمن اليوم" عن "آل البيت" وأن حبهم من الدين، مشيراً إلى إجماع المذاهب الإسلامية على مكانتهم وجوب دفع الخمس لهم من غنائم القتال ضد الكفار.
لم ألتفت إلى هذا الهجوم، فما صنعه الحوثي بنا تحت هذا المسمى يبرر انتقاد من يتحدث عنه ولو كان من شخص أكن له الحب والاحترام مثل الجفري، وهذا رأي شخصي لا يحق لأحد أن يحاسبني عليه.
لكن الفضول دفعني لأن أبحث عن مصدر مقطع الفيديو القصير المقتطع من مقابلة طويلة استمرت لجزأين ونشرت كاملة على موقع القناة وقناة الشيخ على "اليوتيوب"، أي أن شخصاً ما قام بمتابعة الحوار كاملاً واقتص منه هذا الجزء ونشره، وكان أول من نشره هو أحد ناشطي الإخوان البارزين على مواقع التواصل الاجتماعي ويقدم نفسه كأحد رموز تيار "الأقيال اليمنيين".
وما يثير التعجب أن أغلب ممن قاد الحملة ضد الجفري باسم "الأقيال" كان نشطاء الإخوان، الذين لم يتجرأ أحدهم لا بالماضي ولا بالحاضر أن يهاجم شيخهم/ عبدالمجيد الزنداني الذي أدلى بتصريحات مشابهة لما قالها الجفري، بل أفتى على وجوب دفع الخمس لآل البيت من الثروات وليس من غنائم القتال ضد الكفار فقط.
ذهبت لكي أستمع إلى المقابلة الكاملة مع الشيخ/ علي الجفري، فأدركت سر هذا الغضب الإخواني المغلف برداء الأقيال ضد الرجل، فقد قال كلاماً مس فيه صنمهم الأعلى وهو مؤسس جماعة الإخوان/ حسن البنا، والصنم الآخر مؤسس فكر الحركات الجهادية في العالم الإسلامي/ سيد قطب، ومدى تطابقهما مع فكر الخميني في إيران.
قال الجفري، في سياق حديثه عن أهم مشكلة يعاني منها واقع المسلمين هو الانحراف الذي حصل في مسألة الحكم (الخلافة بالنسبة للسنة والإمامة أو الولاية عند الشيعة)، مؤكداً على إجماع أهل السنة والجماعة من زمن الصحابة إلى يومنا هذا بأن هذه المسألة هي من فروع الدين وليست من أصول الدين، وكذلك الأمر بالنسبة لعلماء الشيعة عبر التاريخ.
يضيف الجفري، بأن الكارثة حصلت مع دعوة حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان والذي نقل مسألة الخلافة من فروع الدين إلى أصول الدين ثم جاء سيد قطب بتأصيلها عبر مصطلح "الحاكمية لله" وتكفير كل من "لا يحكم بما أنزله الله"، رغم إجماع علماء أهل السنة بأن ما ورد في القرآن تكفير دون تكفير ولا يخرج المسلم من الملة.
هذا الانحراف في الفكر السني، كما يشرح الجفري، قابله انحراف بالفكر الشيعي على يد الخميني عقب نجاح ثورة في إيران أواخر الثمانينات واعتباره لفكرة "ولاية الفقيه" بأنها أصل من أصول الدين في مخالفة لقول علماء الشيخ، ويرى الجفري بأن كارثة المسلمين الحالية بدأت من هنا (أي من الإخوان والخميني).
وجه الجفري في حواره أيضاً انتقادات لفكرة الولاية لدى الحوثي والمذهب الزيدي وتحويلها إلى أصل من أصول الدين، مشيراً إلى ما ارتكبه أئمة الزيدية تحت هذه اللافتة عبر التاريخ والتأصيل لمبدأ "الخروج على الحاكم" وما سببه من صراعات في شمال اليمن لمئات السنين.
ما تعرض له الجفري من هجوم "إخواني" مغلف تحت لافتة الأقيال، يعزز صحة ما بات يطرحه الكثيرون من نجاح جماعة الإخوان في تسخير لافتة "الأقيال" واستثمار مناخ الكراهية ضد الهاشمين ومصطلح "آل البيت" بسبب جرائم الحوثي، كأداة لاستهداف خصوم الإخوان بطريقة ذكية باتت تنطلي على الكثير من الصادقين داخل تيار الأقيال.
فما قاله الجفري قاله الزنداني قبل 8 سنوات، بل كانت فتوى وليست رأياً، دون أن نرى ذات الهجوم عليه، في حين ذهب البعض إلى نبش فيديوهات قديمة للجفري تعود إلى ما قبل عشر سنوات، كما أن قيادات "هاشمية" في حزب الإصلاح (الذراع المحلي لإخوان اليمن) سبق وأن هاجمت تيار الأقيال، وتمر مرور الكرام.
وما يثير الدهشة أن الهجوم ضد الجفري تحول إلى هجوم ضد قناة "اليمن اليوم" بل وإلى هجوم ضد مقدمة البرنامج/ رحمة حجيرة واتهامها بتأييد فكر الحوثي والعمل على نشره لأنها "هاشمية"، وسبق حملة الجفري حملة مماثلة ضد القيادي المؤتمري أحمد الكحلاني بسبب حوار له على ذات القناة، وإن كان كلامه برأيي –مائعاً– بالظهور كطرف محايد دون أن يسجل موقفاً مشرفاً ضد جرائم الحوثي.
ورغم أن حديث الرجل لم يتضمن تأييداً واضحاً لما يقوم به الحوثي، ومع ذلك كان الهجوم ضده يتمحور حول "هاشمية" الرجل وليس إلى مضمون كلامه كمدخل فقط لإثبات نظرية أن حزب المؤتمر حزب يسيطر عليه "الهاشميون" بل وعلى قناة "اليمن اليوم"، في حين أن الحقيقة هي أن أكثر حزب يتواجد الهاشميون على رأس قيادته هو حزب الإصلاح.
انحدار طرح تيار الأقيال في تقييم خطاب هذا أو ذاك على نسبه وأصله برأيي جريمة لا تختلف عما يقوم به الحوثي، بل وتخدم الحوثي وتدفع بالهاشميين إلى التخندق في صفه لحماية أنفسهم، كما أن انحدار طرح أغلب "الأقيال" إلى الانتقاد والسخرية من الأفكار والمعتقدات مهما كان صوابها وخطأها، هو أمر يجب أن يعاد النظر فيه.
فمشكلتنا نحن اليمنيين ليست مع الفكرة بحد ذاتها، بل مع محاولة فرضها بالقوة أياً كانت هذه الفكرة، دينية أو سياسية أو اجتماعية، فمن حق الحوثي وغيره أن يعتقد أنه ابن رسول الله أو يعتقد ما يشاء دون أن يترتب عليها مزايا سياسية أو اجتماعية ويحاول فرضها على المجتمع بقوة السلاح.
لا فرق بين من يحمل السلاح ليحكم بالقوة مدعياً أن الله والرسول منحاه الحكم علينا ومن يدعي أن الله خصه لوحده بفهم الإسلام وتطبيقه على أرض الواقع، فكلاهما يعتقد بأن مسألة الحكم أصل من أصول الدين (أي أنها مسألة كفر وإيمان) وليست من فروع الدين، وهذا أصل المشكلة، كما قال الجفري وكما يقوله الواقع.