تفاصيل من حكم السلاطين والجمهورية.. صالح الحنشي يكتب: هذا الجنوب الذي نريد استعادته
السياسية - Sunday 30 October 2022 الساعة 02:42 pm
عدن، نيوزيمن:
المشكلة التي تعرض لها الجنوب. أنه خلال مرحلة الوحدة هناك من حرص أن يسوق أسوأ ما في مرحلة دولة الجنوب، مقابل تسويق أفضل ما في شمال ما قبل الوحدة. وللأسف أننا ساهمنا في هذا.
كل ما تم تسويقه عن مرحلة الجنوب قبل الوحدة، هي الصراعات التي شهدها الجنوب، وأصبح لا يعرف الناس عن تلك المرحلة إلا هذه الصراعات.
رغم انتقادنا لمرحلة جنوب ما قبل عام 90 إلا أنها كانت نموذج دولة، ولا أبالغ إذا قلت إنه نموذج دولة لم تشهد مثيلا له في أي بلد عربي في تلك المرحلة.
هل تصدق أن رئيس الدولة والوزراء كان لا يملك منهم غير معاشه الشهري، ولا يملك إلا سيارة كورولا صغيرة، تأخذه للعمل، وعاده ممنوع استخدامها بعد الدوام.
قيادة دولة كانت قدوة للناس في النزاهة. ولهذا لم يجرؤ أي موظف حتى على التفكير بالرشوة.
بنوا جيشا من أفضل الجيوش في المنطقة، كان الجميع يعمل له ألف حساب.
كان اللواء يتمركز في صحارى شبوة أو حضرموت، وقائد اللواء عسكري في اللواء مثله مثل أي جندي يسكن مثله في خيمه ويأكل من نفس المطبخ، بل ومرابط في المعسكر أكثر من أي جندي.
لا نثريات ولا سيارات، لا يملك إلا معاشه فقط، حتى السيارة التي يستخدمها في المعسكر، إذا راح إجازة شهرا تأخذه السيارة إلى بيته وتعود إلى المعسكر.
كان علي ناصر محمد رئيسا للدولة، وكان شقيقه صاحب تاكسي في عدن، وكان التاكسي مصدر دخله الوحيد..
لا يفكر حتى مجرد تفكير أن يحصل حتى على مساعدة مالية من شقيقه، وكأن من هو رئيس للبلاد لا تربطه به أي صلة قرابة.
وعندما أتحدث هنا عن علي ناصر، ليس لأنه علي ناصر كان كذلك. كانت الدولة كلها هكذا ولو كان غير علي ناصر رئيسا لكان مثله. بما يعني أن نموذج الدولة كان هكذا.
العميد متقاعد التينه وهو أول قائد للقوى الجوية في دولة الجنوب، روى لي قصة حين أحيل من الجيش إلى الخارجية، وتم تعيينه ملحقا تجاريا في إحدى الدول الأوروبية، قال: نسقت عملية شراء شحنة قمح مع إحدى الشركات الأوروبية اشترتها شركة التجارة في الجنوب. بعد شهر تقريبا على إتمام إجراءات الشحنة، وصلني من الشركه شيك بمبلغ خمسين ألف دولار، سألتهم حق إيش؟
قالوا هذه عمولتك باعتبارك كنت وسيطا في هذه الشحنة.
أخذ الشيك وقطع تذكرة وسافر إلى عدن، وقابل الرئيس وسلمه الشيك.
ما قال الرئيس هات الشيك وحطه في جيبه، عمل مذكرة جنب الشيك يورد المبلغ للبنك كإيراد عام، ووصله إلى البنك بنفسه..
هذه فقط بعض النماذج..
للأسف يا ريت أن من يطالبون اليوم باستعادة دولة الجنوب، يكون هدفهم استعادة هذا النموذج أولا، وليس استعادة الأرض فقط.
استعادة هذه النموذج لا يقل أهمية عن استعادة الأرض..
لا قيمة لاستعادة دولة الجنوب بدون قيم تلك الدولة..
استعادة الجنوب بقيم وعقلية دولة مهدي مقولة لا يقل سوءاً عن البقاء في اليمن الكبير..
**
آن الأوان لتصحيح صورة الجنوب، التي تعرضت للتشويه عشرين عاما من الضخ الإعلامي.
ليس جنوب ما قبل عام تسعين فقط، بل حتى جنوب ما قبل عام 67، لا وجه لمقارنته بشمال ما قبل 1962 الذي حرص الإعلام في صنعاء على وضعه في خانة واحدة مع الإمامة.
أتحدث هنا عن جنوب كسلطنات.. هذا الجنوب في حقبة الأربعينات والخمسينات قدم نموذجا لم يقدمه الشمال حتى بعد سبتمبر 62 وخلال ما قيل انها مرحلة الجمهورية، أتحدث عن نموذج الدولة وقيم العدل والمواطنة المتساوية، وما سنتحدث عنه حقائق ووقائع.
قدمت السلطنات نماذج للدولة في قمة الرقي.
لم تشهد مرحلة السلطنات أي سجون أو قمع أو قهر ولم يكن هناك سجناء سياسيون ولامنفيون.
كان السلطان لا يملك غير معاش.
وسأضع أمامك نموذجا لهذه السلطنات استطعت أن ألم بكثير من المعلومات عنها، وهي السلطنة الفضلية، وطبعا وضع كل السلطنات الأخرى مشابه لها مع تفاوت هنا أو هنا..
كانت السلطنة الفضلية بداية كل عام، تعد موازنتها، وفيها الموارد وأوجه الصرف ورواتب كل موظفي السلطنة، من السلطان إلى أصغر موظف، ويعلقونها في شارع زنجبار ليطلع عليها كل الناس.
كان الفارق بين راتب أي موظف لا يختلف عن راتب السلطان إلا بما يشبه الفارق في الدرجة الوظيفية. مثلا، راتب محافظ محافظة وراتب معلم.
كان في السلطنة الفضلية قضاء مستقل، يحتكم السلطان أمام هذا القضاء في أي نزاع مع أي مواطن.
كان في دلتا أبين جمعية اسمها لجنة أبين هذه اللجنة تجبي سنتا على كل رطل قطن يبيعه أي مزارع، لا يحق للسلطان الصرف من أموال هذه اللجنة التي كانت تقيم مشاريع، وبنت الأندية الرياضية، والمراكز الثقافية ودور السينما والمدارس.
في عام 1955 افتتحت سينما زنجبار في السلطنة الفضلية.
تعرفون متى دمرت هذه السينما؟ بعيد حرب 94 دمرتها عناصر الإصلاح.
انظروا إلى هذا أيضا، في عام 1953 أصدرت السلطنة الفضلية قانونا أسموه قانون تنظيم صيد الحيوانات والطيور. هذا القانون يمنع الصيد إلا بترخيص من البلدية، ويمنع صيد الحيوانات والطيور في مواسم التكاثر.
واحتوت آخر فقرة فيه، منع استخدام السيارات أثناء صيد الحيوانات والطيور، لأنها قد تسبب هجرة هذه الحيوانات والطيور.
كل الذي كان يملكه سلاطين آل فضل في دلتا أبين 30 فدانا، ويملك بعض مواطنين في الدلتا مساحات أكبر من هذه المساحة.
هذه السلطنات لم تصنعها بريطانيا، هذه سلطنات موجودة قبل وصول بريطانيا إلى الجنوب بأكثر من ثلاثمائة عام. وبعض هذه السلطنات قاومت البريطانيين.
وحتى العلاقة بين البريطانيين وهذه السلطنات فيما بعد كانت باتفاقيات..
لحج أيضا كانت مركزا ثقافيا وفنيا، وأجمل الأغاني والألحان والشعر الغنائي كان أثناء مرحلة السلطان القمندان.
