الحرف اليدوية في موزع.. ماضٍ عامر وحاضر منسي ومندثر

المخا تهامة - Wednesday 29 March 2023 الساعة 12:02 pm
موزع، نيوزيمن، خاص:

اشتهرت مدينة موزع، غرب محافظة تعز، منذ القدم بعدة حرف يدوية وتنوعت هذه الحرف بين أوساط الأهالي، لتصبح مهناً رئيسية ومصدر دخل أساسية إلى جانب الزراعة التي تشتهر بها المدينة.

ذاع صيت هذه المهن، واشتهرت المنتوجات وأسماء صانعيها في موزع وعموم مديريات الساحل الغربي، وأصبحت مصدر طلب لدى من يحتاجها من الأهالي والتجار الذين يصلون إلى المدينة، لشراء احتياجاتهم من هذه الحرف القيمة.

ولعل أبرز الحرف اليدوية التي تميز بها أبناء موزع، هي حرفة صياغة الحلي والمجوهرات والفضة. واكتسبت هذه الحرفة شهرة كبيرة، ولعل أسرة آل الصائغ من أشهر الأسر التي تجيد هذه الحرفة وتوارثتها الأسرة جيلاً بعد جيل.

صياغة المجوهرات 

وأجادت أسرة الصائغ إعادة تصييغ الحلي والمجوهرات من الذهب والفضة، حيث يقوم العاملون بهذا المجال بتحويل وإعادة صياغة المجوهرات إلى حلقات وحجول أو سلوس حسب طلب الزبائن. وكان أكثر من يتهافتون على طلب هذه المجوهرات العرسان الذين يتزينون بهذه الحلي في مناسبات الزفاف وما بعدها.

ظلت هذه الحرفة متماسكة لعقود من الزمن، إلا أنها لم تستمر كثيرا، لابتعاد أبناء هذه المهنة عن مواصلة العمل فيها، وعزوف الكثير من المواطنين والتجار الذين كانوا يقبلون على شرائها.

وأيضا برزت مهنة صقل الجنابي، وهي حرفة لا تقل أهمية عن صياغة الحلي، فهذه المهنة المرتبة الثانية من الحرف اليدوية التي يمتاز بها أهالي مديرية موزع منذ القدم.

ورغم أهمية هذه الحرفة واشتغال الكثير من السكان فيها قديماً إلا أنها انقرضت كسابقتها، واختفت لعدم تتابع الأجيال والتمسك بها.

ويقول احمد الصائغ، وهو أحد أبناء العاملين القدماء بمهنة صياغة الحلي لـ"نيوزيمن": كنت اشاهد أبي وهو يقوم بعملية إعادة صياغة المجوهرات من ذهب وفضة، وكيف تتم إعادة صياغتها، عملية صعبة ومعقدة وتحتاج إلى جهد وتركيز، ورغم ذلك لم استطع أن اكتسب خبرة أبي لأن تفكيري وحلمي كان بعيدا، وهو الغربة.

وأضاف: الصياغة مهنة الآباء والأجداد وعمرها يرجع إلى ما يقارب ثمانمائة عام،  فأنا أعتبر من الجيل العاشر لهذه الأسرة التي توارثت المهنة جيلاً بعد جيل حتى اختفت.

ويشير الصائغ في حديثه أن مهنة عمل صياغة الذهب أو الفضة ليس بالعمل، السهل كما يزعم الآخرون، شاهدت أبي كيف كان يقضي يوما شاقا ومتعبا اثناء قيامه بالعمل في إنجاز ما يُطلب منه من مصوغات.

مهنة شاقة 

وتختلف صياغة الذهب عن الفضة فلكلاهما طريقة مختلفة عن الأخرى، فعمل الفضة أسهل بكثير من الذهب، وفق ما أفاد به أحمد الضائغ.

وأضاف: يقوم الصائغ بتذويب الريالات الفرنسة ذات المعدن الفضي الابيض ووضعها بآنية والتي توضع بداخل الكير لقصد التذويب، وبعدها يتم إخراجها على شكل صفيحة، ومن ثم يقوم بتشكيلها بالطريقة التي يريدها بعمل خواتم أو حجول أو حدايد للنساء أو قلادات وغيرها.

أما في عملية صياغة الذهب فهمي تعتبر عملية معقدة قليلاً وتحتاج إلى التركيز والدقة بالعمل، حيث يقوم الصائغ بدق وإذابة الجنيهات الذهبية وبعد اذابتها يقوم بإخراجها، ومن ثم يقوم بعملية التشكيل الذي يطلبه منه زبائنه.

وقال ابن أسرة الصائغ: كانت الادوات التي يستعملها العاملون بهذه المهنة اشياء بسيطة كالمطرقة والكير، أو دبة الأكسجين والمصب، وأدوات النقش.

وبحسرة أشار إلى أن هذه المهنة اختفت منذ الثمانيات لعدم اهتمام الأبناء بها ومتابعتها من الاجيال الجديدة، خصوصا وأن هذه المهنة تطورت وأصبحت المعدات والأدوات المستخدمة حديثة ومتطورة، وهو ما أسهم في انقراض المهنة واختفائها بشكل سريع.

صناعات منقرضة

كما برزت الصناعات الخزفية، التي كان لها نصيب كبير في سوق الصناعة اليدوية، فاشتهرت المدينة بصناعة السجاد، والمسارف (سفر الأكل)، والمهاجن والكوافي، والحبال والقفف وغيرها من الأعمال التي تصنع بعسيف النخل. 

كانت هذه الحرف تصنع بحرفية عالية، وهو ما جعل شهرتها كبيرة وسوقها رائجا في المديرية وباقي المحافظات المجاورة. إلا أن هذه الحرف الخزفية اختفت هي الأخرى، واصبح من النادر أن تجد هذه الأعمال في منازل المواطنين، وإن وجدت فيها منتوجات فمن خارج المديرية.

وبرزت أيضا حرف أخرى مثل صناعة الكوافي والمكاحل والاميال والدباغة وصناعة القعائد والكراسي التي كانت تصنع من شجر العلب، أضف إلى ذلك صناعة دباغة الجلود وصناعة المدر الفخار وصناعة الوقاء الذي يضع على ظهر الجمال أو الحمير أو الخيول، وهذه حرف لم تقل شهرتها عن سابقاتها، ولكنها اشتركت بأنها حرف منسية واختفت عن الوجود، وانتهى صيتها واصبح من الماضي، وأصبح ذكراها مقتصرا على أماكن صناعتها المهجورة وأيضا اسماء الأسر المشهورة التي اشتغلت بها.

كثيرة هي المهن التي كانت تميز أسر مدينة موزع عن باقي المديريات في الساحل الغربي، ولكن هذه المهن اندثرت وما تبقى منها أصبح آهلا للاندثار، ولم يتبق منها سوى مهنة صناعة الفخار أو كما يطلق عليها محلياً "المدر".

الحرف رزق أساسي

وكانت الحرف الخزفية إحدى المهن التي يعتمد عليها أهالي موزع بشكل كلي كمصدر دخلي رئيس للرزق، وفق ما ذكره طالب حبيل، أحد ممتهني الحرف الخزفية.

وقال لـ"نيوزيمن": كنا قديماً نعتمد اعتماداً كلياً على هذه المهنة لأنها كانت مصدر رزقنا الذي نعتمد عليه بمعيشتنا اليومية، فصنع الأدوات الخزفية من الأشياء البسيطة من "الوسيف" أو ما يسمى "عسيف النخل" أو "الطفي"، مشيرا إلى أن ممتهني هذه الحرفة كانوا يصنعون أدوات جميلة من القفف والجيوب الكبيرة والصغيرة التي تضع فيها حبوب الذرة والمسارف التي تفرش وقت الاكل والسجاد والحبال بأنواعها.

وأضاف حبيل: بعد قطع عسيف النخل ويسمى بالعامية الطفي نقوم بتركه يومين حتى يجف قليلا، وبعدها نجمعه ونضعه في الماء بهدف رطوبته ليسهل تشقيره -قطعه إلى أجزاء صغيرة ورقيقة- ويصبح لينا ويسهل العمل به، ثم نقوم بعمل الشبط أو الضين، لصنع الأدوات الخزفية التي تباع بالسوق ويشاهدها الجميع، موضحا أن هذا العمل شاق للمتعلمين ولكن نعتبره سهلا على المتمرسين لانهم تعودوا على هذا العمل كل يوم.

وتابع: يستمر عملنا أسبوعيا وما ننجزه يتم تسويقه باليوم المتعارف عليه يوم الخميس، وما نجنيه من أموال كنا نشتري به ما نحتاجه من مواد غذائية ومستلزمات.

وقال طالب حبيل إن مهنة الخزف اشتغل بها الكثير لذا تجدها تغطي الأسواق المحلية بالمديرية وتسوق إلى أسواق أخرى في مدن مجاورة، واليوم أصبحت هذه المهنة مختفية مع ظهور الأدوات الحديثة المواكبة للعصر، ولا يتبقى من هذه المهنة والأدوات التي تصنع سوى الذكريات القديمة.

صناعة الفخار في خطر

صناعة الفخار "المدر" من الصناعات التي لا تزال تقاوم من أجل البقاء وعدم الاندثار كسابقاتها من المهن الحرفية والخزفية التي اختفت وأصبحت من حكايات الماضي.

لا يزال عدد بسيط من العاملين في المهنة يصنعون أوني وقطع فخار مختلفة تلبي احتياجات السوق، ولكن بشكل بسيط جدا.

ويتحدث محمد عبده مدار، أحد المشتغلين بهذه المهنة لـ"نيوزيمن"، أن مهنة صناعة المدر أو الفخار تعني له الشيء الكثير، موضحا أنه عمل فيه هذه المهنة منذ أن كان صغيراً وتناقلها عن أبيه وجدته وأمه.

وأضاف: تعلمت هذه الحرفة منذ صغري فهي كانت كفيلة بتغطية مصاريف المنزل وتؤمن لنا القوات والاحتياجات اليومية.

وأشار إلى أن حرفة صناعة المدار والجرار الكبيرة والصغيرة والشرب والمجامر وغيرها، مهنة العز والفخر التي عاشها الآباء والأجداد بل إن اسم القرية التي أسكنها صارت تسمى باسم هذه الحرفة (قرية المدارة) لكون معظم العاملين في هذه القرية يمتهنون هذه الحرفة.

وقال محمد مدار: "إن صناعة المدر بالطريقة البدائية صعبة بعض الشيء رغم توفر موادها، فصناعتها تعتمد على الطين البري المتماسك، يضاف له روث الحمير، حيث يتم خلطه بالماء ودوسه بالقدم جيدا، ثم تبدأ مراحل العمل وتشكيل الأشياء التي نريد صنعها.  

وأضاف: صناعة المدر البدائية تعتبر كلعبة الحظ أو يانصيب لأن المرحلة الأخيرة قد تذهب بما صنعته طيلة الأسبوع بمهب الريح وتخسر كل شيء في حال عدم التركيز على الأشكال المراد صناعتها.

بعد تجهيز الأشياء التي جرى صناعتها وتكوينها يتم حرقها بالشمس طيلة أسبوع، قبل أن يتم جمعها بعد ذلك في أوقات الليل ورصها بداخل فتحة كبيرة  في الأرض بعمق 6 أو 5 أمتار طولا، نقوم بإشعال الحطب وإضرام النار في الأشياء المصنوعة ليعطيها مزيدا من التماسك والقوة. 

وعملية الحرق هذه تكون مهددة بالخطر تنهي ما عمله العاملون في هذه المهنة طيلة أسبوع، فمثلا هبوب الرياح الشديدة التي تقلب الفخار المصنوع المرصوص فوق بعض، أو تساط أعواد الحطب الكبيرة عليها، حيث يتكسر الفخار خصوصا في الطبقات العليا في حين تسلم الطبقات السفلى من التكسر، لهذا تجد العمل دوما يصادفه الحظ.  

وأصبحت مهنة المدر، مهددة بالخطر والاندثار، خصوصا بعد وفاة الكثير من الآباء المشتغلين بهذه المهنة وابتعاد الأبناء عن مواصلة هذا الموروث.

ويقول محمد مدار: أبناء أصحاب مهنة المدار، تركوا هذه المهنة لعدم توفر الآليات الحديثة خصوصا وأن الطريقة القديمة متعبة وشاقة ويصعب على الأبناء تحملها والاستمرار بها. 

وأشار إلى أنه لا يستطيع شراء الآلات الحديثة، خصوصا وأن قيمة ما ينتجه لا يكفي للعيش وتأمين احتياجات أسرته إلى جانب قلة الإقبال على شراء هذه المنتوجات الذي أثر على هذه المهنة بشكل كبير جدا.

وأكد أنه لا يزال يعمل بالطريقة القديمة لعدم تمكنه من شراء الأدوات والمعدات الحديثة التي تساعده في تطوير عمله، رغم أنها تنهكه مع تقدمه بالسن ولا يجد أحدا لمساعدته، إلا أن حبه وتمسكه بهذه المهنة هو الدافع الكبير الذي جعله يستمر في صناعة الفخار والمدر حتى اللحظة.