تصريحات الزبيدي والجدل المتصاعد حول الحكومة.. الحاجة إلى خطاب سياسي مسؤول

تقارير - Tuesday 20 June 2023 الساعة 08:12 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

مع تصاعد الجدل بين مكونات الحكومة الشرعية مؤخراً حول أداء حكومة معين عبد الملك والنقص الحاد في الخدمات الأساسية للمواطنين في المناطق المحررة، تبرز الحاجة إلى خطاب سياسي مسؤول يعيد الأمور إلى نصابها ويذكّر المنخرطين في الخلافات والجدل بالخطر الحقيقي الذي يتهدد البلاد جنوباً وشمالاً، والمتمثل بمليشيا الحوثي.

جاءت تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، في وقت حرج من الجدل المتصاعد بين رئيس الوزراء معين عبدالملك ومؤيديه من جهة، والمكونات الوطنية الأخرى التي ترى في أداء الحكومة الضعف والفساد وسوء الإدارة من جهة أخرى، وهو الجدل الذي يمكن أن تصل سخونته لتطال أعلى سلطة في البلاد: مجلس القيادة الرئاسي.

خلال الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته هيئة رئاسة المجلس الانتقالي والقيادة التنفيذية العليا، ورؤساء الهيئات المساعدة الأحد الماضي، أشار الزبيدي بوضوح إلى أهمية تماسك مجلس القيادة الرئاسي من أجل القيام بمهامه ومسؤولياته نحو مواجهة التحديات الماثلة على الساحة في الجنوب والشمال وفي طليعتها التصدي لمخاطر وتهديدات مليشيا الحوثي.

تصريحات الزبيدي ومجريات الاجتماع الاستثنائي للمجلس الانتقالي التي تناقلتها وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين، جاءت في مرحلة لم يغفل رئيس الانتقالي عن التذكير بحساسيتها، كما بدت هذه التصريحات استشعاراً مسؤولاً لخطورة ملامح الانقسام الذي بدأ يطال مؤسسات الدولة. وبالرغم من عدم إغفال الزبيدي لضرورة إجراء إصلاحات شاملة تطال الحكومة ومؤسسات الدولة، إلا أن الرسالة التي بعثها وقيادات الانتقالي عبر هذا الاجتماع، تتمثل في عدم السماح لأي خلافات بين المكونات الوطنية مهما بلغت درجتها، أن تؤثر على تماسك مجلس القيادة الرئاسي. وفي ما يبدو رسالة أخرى غير مباشرة من قبل الانتقالي، ليس إلى الحكومة فقط بل إلى الشركاء في مجلس القيادة الرئاسي، ألمح الزبيدي إلى ضرورة أن تؤدي الإصلاحات الشاملة في الحكومة ومؤسسات الدولة إلى "تمكين المحافظات المحررة من إدارة شؤونها والاستفادة من مقدراتها".

جملة "المحافظات المحررة" التي وردت في سياق تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ربما يجب التوقف عندها كونها تشير بوضوح إلى الخطاب السياسي المعتاد لقادة ومسؤولي الحكومة الشرعية عند الحديث عن المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، بينما اعتاد رئيس وقادة المجلس الانتقالي الحديث عن "المحافظات الجنوبية" واستعادة الدولة الجنوبية. فهل ينظر الشركاء السياسيون في مجلس القيادة الرئاسي إلى تصريحات رئيس المجلس الانتقالي في هذه "المرحلة الحساسة"، باعتبارها رسائل تقارب مصيري وطني يتوجب عليهم التقاطها والبناء عليها؟

حتى الآن لا يزال المجتمع الدولي والإقليمي يتعامل مع اليمن كبلد موحد، بينما يحاول المجلس الانتقالي الجنوبي ومكونات الحراك السلمي المتوافقة معه أن يلفت نظر الإقليم والعالم إلى الوضع الراهن للدولة الموحدة. ليس لأن الإقليم والعالم لا يعرف هذا الوضع، بل لأن الجميع لا ينظر إلى تركيبة السلطة العليا في الحكومة الشرعية، حيث الرئاسات الثلاث يشغلها قادة من شمال اليمن الذي تسيطر مليشيا الحوثي على ما يقارب 90% من مساحته. وبينما اتخذت الحكومة الشرعية من عدن عاصمة مؤقتة لها، وفي حين احتضنت عدن رجال الدولة الفارين من صنعاء عقب انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة وتنكيلها بمعارضيها، انشغل الإقليم والعالم بالحرب ضد المليشيا الحوثية ونسوا القضية الجنوبية.

والآن، بعد فشل الحرب في اجتثاث المليشيا الانقلابية أو حتى إجبارها على الانخراط في حكومة شراكة وطنية تستوعب جميع القوى السياسية والاجتماعية، ما زال الحديث عن القضية الجنوبية يعتمد على تصعيد المجلس الانتقالي ورسائله الاحتجاجية ضد سريان الوضع الراهن. وبنظرة فاحصة لهذا الوضع، فما زال الجنوب، الشريك الرئيسي في وحدة العام 1990، خارج الرئاسات الثلاث، بينما تمارس مؤسسات الدولة مهامها من عدن.

بالعودة إلى تصريحات الزبيدي في الاجتماع الاستثنائي الأخير للمجلس الانتقالي الجنوبي، تفيد النظرة الفاحصة نفسها للوضع في المرحلة الراهنة "الحساسة"، أن الأقدار ربما وضعته في المكان الذي هو فيه ليقدم نموذجاً للقائد الوطني العابر للحدود التشطيرية، طالما ليس لدى شمال الوطن ذلك النموذج من القادة. فهل تدفع به الأقدار والمعطيات السياسية التاريخية نحو دور أكبر في تقرير المصير الوطني جنوباً وشمالاً؟ ذلك مرهون بأدائه السياسي وبتوفر رجال دولة لا يعانون من فجوات بين انتهاجهم لخطاب سياسي مسؤول وبين أدائهم كقادة بحجم الوطن الكبير.