"سالم البوك".. مؤسس أول فرقة موسيقية في أبين

الجنوب - Saturday 05 August 2023 الساعة 09:27 am
أبين، نيوزيمن، عبدالله البحري:

عندما تذكر الموسيقى والفرق الفنية في محافظة أبين، جنوب اليمن، لا بد من ذكر "فرقة الريف الموسيقية أو كما تعرف بفرقة "البوك"، التي جرى إنشاؤها وتأسيسها في مديرية خنفر عام 1958 بقيادة الفنان سالم أحمد البوك.

ويعد الفنان الكبير سالم أحمد البوك، من فناني الرعيل الأول الذين برزوا في مديرية خنفر ومحافظة أبين بشكل عام، وأحد مؤسسي الحركة الفنية والثقافية في المحافظة، فهو الفنان المبدع والمثقف والشاعر والملحن ومؤسس أول فرقة موسيقية في مديرية خنفر إبان حكم الاستعمار البريطاني للجنوب، وقدم الفنان الكثير من الأعمال الفنية والإبداعية. 

وأسهم هو وشقيقه الراحل "محمد" بتأسيس أول فرقة موسيقية عرفت حينها بفرقة البوك. وعقب اشتهار الفرقة بأعمالها الفنية تم تسميتها بفرقة الريف الموسيقية التي ذاع صيت أغانيها في مديريات أبين ومحافظات مجاورة. 

بداية الحياة

ولد الفنان سالم أحمد البوك في منطقة المسيمير بمحافظة أبين جنوبي اليمن في عام 1943م. والتحق بالمدرسة الأساسية في العام 1950م بمدرسة جعار، وبعد عدة سنوات وتحديدا في عام 1956م تم توظيفه كاتباً في محكمة جعار كأصغر موظف حينها. إلا أنه كان يشعر أن موهبته الفنية كانت أقوى من الوظيفة التي كان يشغلها، بالرغم من أن تلك المرحلة تكاد لا ترى فنانا يغني أو يعزف، بل كانت تستمع الأغاني والأعمال الفنية من خلال الاسطوانات.

وكان لسالم البوك صديق يدعى أحمد عباد بن رشه وهو من أبناء محافظة لحج. وكان هو الآخر محبا للفن، ويقول البوك في حديثه لـ"نيوزيمن": توافقت أفكارنا فاشترينا آلة عود ب80 شلن ودفت ب5 شلن وإيقاعا ب10 شلن وبدأنا نتعلم العزف وتتوالى الأيام.

وأضاف: تعملنا العزف على الآلات الموسيقية التي قمنا بشرائها، ومع الأيام أصبح العزف أكثر احترافاً واتقاناً بفعل التدريب المتواصل.

الانطلاقة الفنية

يقول الفنان سالم البوك لـ"نيوزيمن": في يوم زواجي "عرسي"، حضر إلى الحفل الفنان الكبير عوض عبدالله المسلمي، وأحيا حفل الزفاف، حيث قدم لي جملة من النصائح القيمة التي أفادتني كثيراً في بداية مشواري الفني.

وأضاف: على إثر ذلك، جاءت لنا فكرة تجميع الشباب الهاوين فنياً في مدينة جعار من أجل تأسيس أول فرقة موسيقية، وهو ما تم في العام عام 1958، حيث تم تشكيل أول فرقة، وتم اختيار اسم لها "فرقة البوك"، وتشكلت حينها من 5 أشخاص هم:

1- سالم البوك: عازف عود وملحن ورئيس الفرقة.

2- محمد البوك: مغني 

3- عبدالله قائد خلاقي: مغني 

4- محمد سيف ياسر: مغني

5- أحمد علي عبيد الشاعر: ملحن وشاعر.

ويقول الفنان سالم لـ"نيوزيمن": إن فرقة "البوك" قدمت العديد من الأعمال الفنية الحماسية والوطنية، وسجلت حضوراً فنياً كبيراً في الساحة، نجاح الفرقة برز من خلال الحفلات والمناسبات التي كانت تقام بداية الأمر في جعار ومناطق أخرى في محافظة أبين. مؤكدا أن الفرقة استطاعت أن تثبت نفسها في فترة وجيزة لما تتميز به من قدرات فنية.

توالي النجاحات 

وتتوالى الأحداث وصولاً إلى المرحلة الثانية من التأسيس والاهتمام من قبل السلطنة العفيفية بعد أن ذاع صيت الفرقة بين المواطنين، وقد قام السلطان محمد بن عيدروس العفيفي بتبني الفرقة ودعمها.

وأضاف الفنان سالم البوك لـ"نيوزيمن": بدأ نشاط الفرقة وتألقها يلمع ونجمها يسطع في الأفراح والمناسبات ونشر السعادة والحب بين أوساط المجتمع بالأغاني الحديثة وبأصوات واعدة تداعب آذان المستمع فيتراقص لها طرباً.

وقال: صيت الفرقة وتأسيسها في جعار، وصل إلى مسامع نائب السلطان الشيخ حيدرة منصور، حيث قام باستدعائي كرئيس ومؤسس للفرقة، فقابلته في مكتبه، ورحب حينها بالفكرة إيما ترحيب. ولاحقا قام باستدعاء نجله الأستاذ منصور حيدرة، الذي تلقى دراسته في مصر وكان مثقفا، فأوكل إليه مهام الاهتمام بالفرقة وتوفير كل ما يلزم، وفعلاً قام بتوفير آلتي كمان ومقرا للفرقة مفروشا ومؤثثا من كافة المعدات.

مرحلة جديدة

وبحسب الفنان سالم البوك: كان الهدف من الدعم السلطني هو أن يسود الفن والثقافة بين أوساط المجتمع في أبين، وهو ما تم فعلا من خلال الاتفاق على تشكيل الفرقة الحديثة تحت اسم (ندوة يافع بني قاصد الفنية) في العام 1962، ورئيسها الأستاذ منصور حيدرة.

وقال: بدأت الفرقة في هذه المرحلة تعمل بتنظيم أكثر ولوائح وارشيف وجدول للفعاليات، ولكن كانت هناك بعض الصعوبات التي واجهت الفرقة من حيث النقص في بعض العازفين لبعض الآلات الموسيقية مثل الكمان، لينضم لاحقاً للفرقة الفنان السيد علي إبراهيم الحبشي، وكان الحبشي موظفاً في المالية، وكان يجيد العزف على الكمان والعود، وهنا برزت الفرقة بكل ما هو رائع وجديد وقد استفادت الفرقة من هذا المبدع.

وتشكلت فرقة ندوة يافع بني قاصد للفترة من 1962م من 15 عضوا هم:

1_ سالم البوك مؤسس الفرقة: عازف عود وملحن

2_ محمد البوك: مغني وعازف إيقاع.

3_ أحمد عباد بن رشه: عازف عود

4_ عبدالله قائد خلاقي: مغني 

5_قائد عوض الرحيتي: عازف دف 

6_ محمد سيف ياسر :مغني

7_ علي إبراهيم صالح: عازف ناي

8_ عقيل صالح الصعيدي: شاعر وملحن

9_ عبدالله سعيد عذبه: عازف إيقاع

10_ صالح خلف: عازف دف

11_ السيد علي إبراهيم الحبشي: عازف كمان وعود

12_ سعيدة عبدالحبيب: مغنية وموهبة صاعدة

13_ أحمد علي عبيد الشاعر: شاعر

14_ أحمد عمر إسكندر : شاعر وملحن

15_ تكرير منصور: مغني .

وأضاف: وبعد فتره وجيزة انتقلت الفرقة إلى مقرها الجديد في منزل عوض أحمد يافعي بجانب صيدلية محمد عمر. وابتدأت الفرقة تتميز بطابع خاص بها وذاع صيتها في المحافظة وخارجها.

إنجازات لافتة

وفي أحد اجتماعات الفرقة "ندوة يافع بني قاصد الفنية" برئاسة الأستاذ منصور حيدرة، تم طرح فكرة تنظيم وإقامة حفل منظم للفرقة على مسرح البلدية في جعار، وهو ما تم لاحقاً، حيث جرى إقامة حفل مميز من حيث التنظيم والفقرات المقدمة فيه. قبل أن يقوم الأستاذ سالم البوك بتقديم مفاجأة غير متوقعة بإظهار موهبة واعدة وهي الفنانة الصاعدة في ذلك الوقت سعيدة عبدالحبيب، أول فنانة في أبين تغني مع فرقة موسيقية، فكان حفلاً لن ينساه أبناء جعار أبدا، بحسب ما وصفه الفنان "سالم البوك".

وقال الفنان البوك: بعد فترة وجيزة تم انتخاب الأستاذ الشاعر عبدالله أبوبكر التوي رئيساً للندوة، واستمرت الفرقة بتقديم العطاء الفني والإبداعي إلى جانب انضمام آخرين من المبدعين والموهوبين في العزف والغناء.

أضاف: كانت الفرقة تحظى بالدعم الجماهيري الكبير آنذاك، حدثت بعض التغيرات من جانب التطوير للفرقة، من حيث الجانب الفني والإداري، فمثلاً بسبب الموهبة التي يمتلكها أعضاء الفرقة نجد أن بعض العازفين بدأت تتطور مهاراتهم وتمكنوا من إجادة أغلب الآلات الموسيقية وهو ما عكس على الأداء وتطور الأعمال الفنية المقدمة للجمهور، واستمرت الفرقة حتى عام 1965.

تطورات متلاحقة

وقال الفنان سالم البوك بعد العام 1965، بدأت الأوضاع في تلك الفترة بالتأزم واشتداد المواجهات بين الثوار والمستعمر البريطاني، وتم منع الأغاني الوطنية أو الحماسية، وبدأت الانفجارات تحصل في جعار. 

ويحكي لنا الأستاذ سالم البوك عن ذلك قائلا: وبرغم كل ما يحصل كنا نعمل البروفات لدعم الثورة بشكل سري في الليل، فكان يجتمع معي والسيد أحمد عمر إسكندر والأستاذ إبراهيم الحبشي، ونؤدي بروفات بالعود فقط وبكل سرية وهدوء.

وأضاف الأستاذ سالم البوك: لقد شاركنا في أحد الاحتفالات في مدينة احور في 2 فبراير 1967م وقد حضر الحفل سلطان احور، فجاء الينا مندوب السلطان وطلب منا أن نغني بعضاً من الأغاني الوطنية والحماسية، فقلنا له نحن محضرين أغاني سماعية وعاطفية ولم نحضر أي من الأغاني الوطنية خوفاً من أن يكون هناك مقلب. فجاء ابن السلطان وطمأننا وقال: أنا مستعد أن أحضر إلى جعار واخرجكم إن تم احتجازكم، ولكن الفرقة رفضت نظراً لما تمر به البلاد حينها، إلا أنني اعتزمت الغناء وقدمت أغنية ردفان الوطنية، وهي من كلمات الشاعر عقيل الصعيدي، فبدأ الجمهور لحظتها بالتشجيع وإطلاق بعض الأعيرة النارية من جراء التفاعل مع الأغنية الوطنية الحماسية حينها لينتهي الحفل وسط تشجيع وفرحة من الجمهور الحاضر.

فترة صعبة 

وبمجرد وصول الفرقة إلى جعار وصل خبر يفيد بأن الفنان سالم البوك غنى أغنية وطنية، فتحركت قوة في الليل فكسرت باب مقر الندوة وتم حبس حارس المقر وتم إرسال بعض الجنود للبحث عن سالم البوك وتم إبلاغ أسرته أن يسلم نفسه للشرطة وفعلاً حضر إلى قسم الشرطة وتم التحقيق معه وكان أول سؤال هل غنيت أغنية وطنية، قال الأستاذ سالم: نعم غنيت، ولكن السلطان في احور هو من طلب مني هذا، فتم سجنه فبراير حتى تاريخ 15 أغسطس 1967م. 

ويتابع الحديث الأستاذ سالم البوك قائلا: تم فصلي من وظيفتي رغم علاقتي بالسلطان محمود القوية وأخيه الأمير فيصل. ووجهت لي التهم بينها تحريض الجماهير بالأغنية وتوزيع منشورات.

بداية جديدة 

وبعد النجاحات التي حققتها فرقة "البوك" وفرقة "ندوة يافع بني قاصد الفنية"، عمل الفنان على تأسيس أول فرقة موسيقية نسائية، وهو ما تحقق في العام 1975م، لتكون أول فرقة نسائية تقوم بتأدية الأغاني والأعمال الفنية. وسجلت هذه الفرقة فقرات فنية متنوعة لإذاعة وقناة عدن وحققت نجاحاً كبير حينها.

ومع بداية الثمانينيات عمل الفنان "سالم البوك" على تأسيس فرقة "العامل" الموسيقية، وقدمت هذه الفرقة عددا من الأعمال الغنائية الخاصة بها، والتي غنيت في الكثير من الفعاليات والمناسبات. كما أن الفنان شغل منصب مدير لمكتب الثقافة في محافظة أبين، كأحد أبرز الفنانين المبدعين.

وأشار نجل الفنان البوك أحمد سالم البوك إلى أن والده يعد من المناضلين من الرعيل الأول الذين حفروا اسمه في الذاكرة الفنية والإبداعية والثقافية في محافظة أبين والجنوب بشكل عام. وأضاف في حديثه لـ"نيوزيمن": هو قامة فنية كبيرة قدم العديد من العطاءات الفنية والثقافية وخدم الوطن طوال مشواره الفني، وقدم خير ما لديه وللأجيال القادمة، ويستحق كل التقدير والاحترام والتكريم والاهتمام من قبل الجهات المختصة التي لم تقم بتكريمه حتى الآن برغم ما قدم للوطن.

الموسيقي وسيم صالح رئيس منتدى خنفر الثقافي أشار في حديثه لـ"نيوزيمن" إلى أن الفضل يعود للفنان الكبير الأستاذ سالم البوك في تأسيس الندوة الموسيقية في مدينة جعار، حيث تأسست على يده هو وأخوه محمد البوك وبعض المواهب من أبناء المنطقة وكانت تحمل اسم فرقة أولاد البوك الفنية. وقد استطاعت هذه الفرقة أن تثبت نفسها في فترة وجيزة لما تتميز به من قدرات فنية. 

ويضيف وسيم صالح في حديثه عن الفنان سالم البوك، وتوالت الأحداث وصولا إلى المرحلة الثانية من التأسيس والاهتمام من قبل السلطنة وإطلاق اسم الفرقة الفنية في جعار بعد أن ذاع صيتها بين المواطنين وقام السلطان محمد بن عيدروس العفيفي بتبني الفرقة ودعمها. وأشار وسيم بأنه تناول سيرة الفنان سالم البوك في كتابه الذي أصدره بعنوان "مراحل تطور الأغنية في أبين".

يسكن الفنان الكبير حالياً في حي اللحوم (أحد الأحياء السكنية في مدينة جعار محافظة أبين)، وهو متقاعد وله من الأبناء 12 (6 من الذكور و6 إناث).