وزير الرياضة في حكومة بحاح الأولى، يسرد حكايات الاعلام

وزير الرياضة في حكومة بحاح الأولى، يسرد حكايات الاعلام

السياسية - Monday 12 October 2015 الساعة 06:43 pm

آ رأفت الاكحلي نقلا عن صفحته على الفيس بوك * آ  بما أننا في إحدى وسائل الإعلام الاجتماعي، سأستهل مقتطفاتي بحديثي عن الإعلام. لا يمكن لأي قدر من التعليم أو التدريب أن يجهز الشخص لما سيواجهه من الإعلام عند تولي أي منصب عام. أتذكر رد رئيس شركة النفط في أحد الدول الافريقية في أحدى الجلسات التي حضرتها قبل سنوات (لن أطرح اسمه لأنها كانت جلسة مغلقة) عندما طرح له أحد المشاركين ضرورة استخدام الصحافة والاعلام في توعية العامة عن المستقبل النفطي لبلدهم. قال للمشارك "هل تعرف ما هي الصحافة في بلدي؟ أستطيع أن أنشر مقالاً غداً في الصفحة الرئيسية لأي صحيفة في بلدي متهماً إياك باغتصاب الأطفال ونشر صورتك مع أحد الأطفال وذلك لقاء ظ¥ظ  دولار فقط". ثبت ذلك الوصف الصادم في عقلي عن بشاعة الإعلام السياسي في العديد من الدول، وفي يوم وليلة أصبح علي التعامل مع الإعلام واتخاذ سياسات إعلامية على المستوى الشخصي والعملي. هل تعملون أول شيء عملته عند سماعي خبر تعييني (وبالمناسبة سمعت الخبر في نشرة الأخبار ولم أعلم به قبلها إطلاقاً)؟ لقد قمت بمراجعة جميع إعداداتي على حساب الفيس بوك الشخصي للتأكد من أن جميع صوري ومنشوراتي الشخصية غير متاحة للعامة، لعلمي أن كل شيء في حياتي أصبح منذ تلك اللحظة متاحاً للبحث والنشر حتى ما كان منه شخصياً. وكان ثاني شيء عملته هو رفع مستوى الحماية لحسابي الشخصي في الفيس بوك وتويتر لعلمي أن حساباتي الشخصية قد تتعرض لمحاولات اختراق بدءاً من تلك اللحظة وبالفعل تعرضت خلال الأسبوع اللاحق لأكثر من محاولة اختراق. ماذا كان أول ما نشر في وسائل الإعلام الاكترونية والاجتماعية والورقية عني؟ انتشرت مادتين صحفيتين، الأولى سيرتي الذاتية التي حصل عليها الكثيرون من منشورات مؤتمر تيدكس صنعاء والتي كنت متحدثاً فيه، والثانية هي صورة للأستاذة أروى عثمان (التي تعينت كوزيرة للثقافة) وهي تبتهج محتفلة في الشارع بأحد المهرجانات مع أحد الأصدقاء الأعزاء (وهو أحد القيادات الشابة الرائعة في وزارة التخطيط). انتشرت الصورة أولا في الفيس بوك مع تعليق أن هذا هو الوزير الأكحلي والوزيرة أروى عثمان يرقصون في الشارع، وتعليق اخر أن هذه هي الرقصة التي أوصلتنا للوزارة. مستوى جديد من الابتذال ولم أعلم ما إذا كانت تلك حملة مقصودة ومنظمة من أي طرف بسوء نية أم أنها ممارسة فردية لقت لها رواجاً في أوساط المجتمع الالكتروني اليمني، ولكن الصورة والتعليق انتشرت انتشاراً كبيرا في الواتس اب وفي مواقع الأخبار الالكترونية وغيرها، حتى أصبح كل من يلقاني يسألني عن الصورة. إلى اليوم أجد بعض التعليقات عند ذكري تقوم بالإشارة إلى تلك الصورة حيث أن بعض الناس لم يعرفوا أي شيء عني سوى تلك الصورة المفبركة. المشكلة ليست في الصورة ذاتها ولكن في أن الناشرين أولاً ادعوا أنني من في الصورة (فيما لا يوجد شبه حقيقي بيني وبين الزميل العزيز في الصورة) وثانياً قاموا باللعب على وتر الثقافة المحافظة في اليمن ومحاولة إلصاق صورة سلبية في أذهان الناس عن الأشخاص في الصورة وقد نجحوا في ذلك إلى حد كبير. تذكرت يومها كلام رئيس شركة النفط وعرفت تماماً ما كان يقصده. تلك كانت تجربتي الأولى مع المنصب العام مباشرة بعد التعيين. آ  اضافة أولى: أعطيت مثالاً واحداً في منشور الأمس على ما يتعرض له الشخص من الإعلام، وأضاف بعض المعلقين الأعزاء أمثلة أخرى كالانتقادات عن صغر سني وعن كوني من خارج الوسط الرياضي إلى اَخره من المقالات التي تناولها الناس في أول أيام التعيين. كان لدي تحديين اخرين مع الإعلام كوزير للشباب والرياضة تحديداً دون بقية الوزراء: - الأول وهو تحدي مستمر أن الرياضة كما أشار أحد المعلقين على منشور الأمس لها قسم خاص في جميع الصحف وفي النشرات الأخبارية اليومية وهناك برامج متخصصة بالرياضة، وبالتالي هناك مساحة أكبر لتسليط الضوء على أنشطة الوزير والوزارة وعلى إبداء الاَراء والنشر الانتقادات بخصوص أي شيء يخص وزارة الشباب والرياضة ووزيرها. - أما التحدي الثاني فقد صادف أن موعد بدء كأس الخليج العربي (خليجي 22) كان في يوم الخميس 13 نوفمبر فيما أدت الحكومة القسم يوم الأحد 9 نوفمبر 2014. كان خليجي 22 يمثل بالنسبة لي فرصة ذهبية لتغيير الجو السائد في اليمن. وقد شدد رئيس الوزراء بضرورة حضور افتتاح كأس الخليج لتأكيد حضور الحكومة والدولة وإرسال رسالة بأن هناك بداية جديدة في اليمن بعد أحداث سبتمبر 2014. إلا أنني كنت أعلم حجم الانتقادات التي وجهت لحكومة الوفاق السابقة بخصوص سفريات الوزراء المتكررة، وتوقعت حملة انتقادات إذا سافرت لحضور الافتتاح، وبالفعل كما توقعت ما أن توجهت إلى المطار يوم الأربعاء حتى كانت المقالات قد بدأت في النزول بالعناوين المثيرة مثل "تعرف على أول الوزراء قصاً لشريط السفر" و "من هو الوزير الذي سافر قبل أن يعرف الطريق إلى وزارته". في محاولة للتخفيف من ملل القراءة وتقديم تجربة أكثر تفاعلية، سأقدم في بعض المنشورات (كمنشور اليوم) معلومات عن الموقف الذي كنت فيه وأسأل القراء الأعزاء ما الذي كانوا سيفعلونه إذا كانوا في مكاني، قبل أن أكتب في المنشور اللاحق ما الذي فعلته وطرح ذلك للمناقشة. ولهذا أطرح أمامكم سؤال اليوم: ما هي السياسة/الاستراتيجية الإعلامية التي كنتم ستتبعونها إذا كنتم في مكاني؟ أتطلع لقراءة مشاركاتكم القيمة. آ  اضافة أخيرة: جاءت مقترحات المعلقين على المنشور السابق غنية بخيارات الاستراتيجية الإعلامية، وعندما بدأت في الوزارة جاءتني مقترحات كثيرة من الزملاء والمقربين، البعض نصح بالاتبعاد تماما عن الإعلام وإقفال أي حسابات على وسائل التواصل الإعلامي والعمل بمعزل تماماً عن الإعلام، والبعض الاخر نصح بتجنيد مجموعة من الإعلاميين لتوفير تغطية دائمة لأي أنشطة أقوم بها، وكان الكثيرون قلقون جداً من أي انتقاد يوجه في أي وسيلة إعلام ويعرضون علي التواصل فوراً مع أصحاب وسائل الإعلام تلك والوصول إلى اتفاق ليتوقفوا عن الانتقادات! في الحقيقة ارتكزت السياسة الإعلامية التي اتبعتها على المبادئ التالية: 1- الإيمان المطلق بحرية الإعلام، وإن صدرت بعض التجاوزات والخروج عن مبادئ الصحافة المهنية فلا بد من التحمل حيث أن المجتمع اليمني لا زال جديداً على مرحلة حرية الرأي ولا بد لنا أن نتوقع هذه التجاوزات. 2- العمل بما قاله لي يوماً أحد الشخصيات التي احترمها كثيراً وقد قال لي You need to grow a thick skinبمعنى أن علي أن أربي جلداً سميكاً وذلك لتحمل الضربات. وبالتالي تقبلت أي نقد بصدر رحب وقررت عدم الرد على أي انتقادات مع الأخذ والاستفادة مما يأتي فيها 3- الرفض التام لإنفاق أي مبالغ سواء من خزينة الدولة أو من مالي الخاص على إسكات أي صحفيين أو تشجيعهم على كتابة مقالات إيجابية. 4- كان علي أن أسابق الإعلام الاخر في الوصول إلى المواطنين، وعليه ركزت على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيس بوك، فأنشأت صفحتي هذه والتي بلغ عدد متابعيها بضعة الاف في الأيام القليلة الأولى ووفرت لي نافذة مباشرة لإيصال ارائي ورسالتي للناس مباشرة ولوسائل الإعلام الأخرى. واجهت مشكلة إنشاء صفحات أخرى باسمي من اخرين سواء بحسن نية أو بنوايا أخرى إلا أنه ولله الحمد وبتعاون العديد من الأصدقاء الأعزاء استطعنا إغلاق جميع الصفحات الأخرى وتوثيق صفحتي الشخصية من الفيس بوك بسرعة قياسية، وقد ساعدنا في ذلك أحد الزملاء العاملين في إدارة شركة فيس بوك وقام بتوثيق الصفحة ومتابعة إغلاق الصفحات الأخرى. 5- ولكن كل هذه النقاط يمكن اعتبارها تقليدية (ربما وسائل التواصل الاجتماعي أقل تقليدية في اليمن) إلا أن الأهم من ذلك كله هو العمل على نسج رسالة إعلامية أو ما يمكن تسميته بالقصة/الحكاية (بالانجليزية تسمى بال narrative) التي نريد للناس أن تعيشها وتؤمن بها وتسير معها. في الحقيقة إن كان ثمة ما افتخر به في فترة تولي وزارة الشباب والرياضة فهي الحملة التي نفذناها بنجاح في خليجي 22، وذلك في فترة قصيرة جداً للإعداد وموارد تكاد تكون منعدمة ولكن بتخطيط مسبق وباستخدام وسائل العصر الحديث، كان الهدف هو بث الأمل في الناس بعد أحداث سبتمبر 2014 وإخراجهم من جو الإحباط وتعزيز الحس الوطني لدى الجميع، وأعتقد أننا استطعنا خلال أسبوع تحقيق نجاح كبير لم يكن ممكنا أن تحققه مئات الخطابات السياسية أو المقالات الإعلامية. سأوجز بعض الخطوات المتخذة كمثال: 1- كانت جميع تصريحاتي الصحفية ومقابلاتي التلفزيونية تركز على فكرة رئيسية (أو Theme) واحد وهو "أن اليمن بخير" واستخدام مفردات إيجابية ترددت في جميع التصريحات والمقابلات وهي "الأمل" و "التفاؤل" و"البسمة" و"تجميع اليمنيين" 2- إدخال الأفكار الجديدة مثل استخدام صورة "السيلفي" الشهيرة مع شباب المنتخب 3- استخدام المنتخب كرمز لليمن يجمع الكل ويمكن لجميع الأطياف السياسية الالتفاف حوله، ولهذا رتبنا لتوجيه رسالة من رئيس الوزراء إلى المنتخب مع ارتدائه لفانيلة المنتخب، ورتبنا لعدد من السياسيين والوزراء انزال صورهم وهم يرتدون فانيلة المنتخب...إلخ كما كانت هناك خطوات أخرى لا يتسع المجال لذكرها، ولا زلت أتذكر إلى الان الأثر الكبير الذي تركته مشاركة المنتخب في خليجي 22 على جميع الفئات بما فيها كبار السن من النساء اللواتي ربما لم يشاهدن مباراة من قبل وأتذكر لقاء احداهن في إحدى البقالات في صنعاء في ذلك الأسبوع وقالت لي (يا بني والله اني أقوم الفجر وادعي للمنتخب). كانت تلك مقتطفات من تجربتي مع الإعلام، وللأمانة تعرفت على العديد من الصحفيين الرائعين ممن لديهم شغف كبير بالرياضة وبمهنة الصحافة وساعدوني كثيراً برغبة صادقة منهم لخدمة قطاع الرياضة والشباب. إلا أن ما أستطيع أن أجزم به هو أننا لا زلنا في القطاع الحكومي بعيدين كثيراً عن العمل الاحترافي في مجال استراتيجيات التواصل (communication strategies) بالرغم من أن هذا المجال اليوم من أهم مجالات العمل الحكومي وبالذات ما يسمى ب "تغيير السلوكيات" (behaviour change). كان لدي الطموح أن نعمل على تطوير خطة متكاملة في هذا المجال ترتكز على المنتخب الوطني وبدعم من شركات يمنية وعالمية متخصصة لنغير في نفسية المواطنين في اليمن، إلا أن الأوضاع لم تسمح بذلك فخرجنا بتجربة خليجي 22 التي ربما يمكن البناء عليها في المستقبل.