آخر نسخة من صنعاء: اللص في حماية زميله (المشرف)

السياسية - Friday 30 November 2018 الساعة 06:31 am
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

منذ زيارة مارتن جريفنث الأخيرة لصنعاء، انتشرت نقاط تفتيش مستحدثة في شوارع صنعاء، في تقاطعات الشوارع ومداخل الأنفاق الواقعة بشارع الستين، والأحياء الرئيسية للمدينة، كما انتشرت سيارات جديدة كورولا وهايلوكس من الموديلات الحديثة وبشعار الشرطة، ورغم ذلك ارتفعت معدلات السرقة في الأحياء السكنية بشكل غير مسبوق.

ذهب فؤاد إلى قسم الشرطة رفقة اللص الذي تم القبض عليه من قبل المواطنين في حارته شرق صنعاء، اللص اعترف حال القبض عليه بأن الألواح الخاصة بالطاقة الشمسية التي كانت في سطح منزل فؤاد من ضمن ما قام بسرقته الشهر الماضي، وأن بطارية السيارة الخاصة بجاره علي أيضا ضمن قائمة سرقاته.

وصل اللص مرفقاً بأكثر من ستة من سكان الحي كل منهم له دعواه ضده، فقد سرق ألواح طاقة شمسية وبطاريات سيارات، ونوافذ عمارات قيد الإنشاء، وأشياء أخرى من محلات تجارية تحت تهديد السلاح.

قام مشرف قسم الشرطة بنفسه لاستقبال اللص، فهو صديق قديم له، وزميل مهنة أيضاً، قبل أن ينضم الأخير للجان الشعبية للحوثين، ويتحول إلى مشرف لقسم الشرطة، ومن المنطق أن يتعاطف لص مع زميل له في اللصوصية، وكانت تلك صدمة كبيرة بالنسبة للمواطنين الذين اعتقدوا أنهم قبضوا على اللص، وأن قسم الشرطة بدوره سيقوم بإعادة مسروقاتهم منه.

انسحب المشرف وهو يقود اللص بيده من الغرفة التي كان فيها عند قدوم زميله (اللص)، وبعد دقائق قليلة عاد إلى الحاضرين الذين قادوا زميله إليه، وهو مبتسم ويخاطب الحاضرين استعداداً لما سيقوله لهم:
صلوا على محمد وآله.

تمت الصلاة على النبي بشكل جماعي، فاستأنف الرجل حديثه، ببعض المواعظ الدينية عن قيمة التسامح والعفو عند المقدرة، ثم أتى بخلاصة ما يريد قوله:
صاحبنا (هكذا وصف اللص)، سيقوم بكتابة تعهد خطي بإعادة المسروقات، وأنتم تعاونوا معه واتركوا له مهلة أسبوع زمان يدبر نفسه، ورعى الله من تجمل.

اعترض الحاضرون، وطالبوا على الأقل بضمانة تجارية من اللص، لكن صديقه المشرف قال لهم:
الرجال وجيه، وهذا وجهي أنا أمامكم، هو ابن ناس، لكن الظروف أجبرته على السرقة، فلا تظلموه، واتركوا له فرص للتوبة.

رفضوا أيضاً، إلا بضمانة تجارية، فاستنفر المشرف وبدا عليه الغضب:
شوفوا يا رجال، ما بش معاكم غير هذا الكلام، وأفضل لكم كل واحد يروح بيته، ويرجع بعد أسبوع، إحنا قسم شرطة، لا تخافوا لن يتغير العنوان، واعملوا حسابكم أننا نعرف كل واحد منكم وعمله وأسرته وكم عدد أولاده، وأكثر مما تتصوروا.

مر أسبوع، أسبوعان، شهر، وكل واحد منهم يذهب إلى القسم لمراجعة المشرف حسب وعده، لكن اللص قد اختفى، والمشرف يطلب منهم الصبر، وكل مرة بلهجة مختلفة وصلت مؤخراً درجة التهديد لمن يستمر بالمطالبة بحقه من اللص.

هكذا انتهت قصة اللص المؤمن وصديق المشرف الحوثي، لا شيء من المسروقات عاد لأصحابه، ولا عقوبة وقعت على اللص، ولا حصل الضحايا حتى على مجرد اعتذار من السارق الذي قبضوا عليه، ولا من السارق الذي حماه وأخفاه (المشرف).

تتم مداهمة المقاهي بشكل مستمر، ويتم القبض على عدد من الشباب بشكل مستمر أيضا، ويودعون في سجون البحث الجنائي بتهمة (الاختلاط)، لكن اللص يتم التعامل معه بكل لطف ويحظى بحماية غير مسبوقة.

قام حمود عباد والمتوكل وزير الصحة ومعهما مدراء مكاتب تنفيذية بأمانة العاصمة بالنزول الميداني بذريعة متابعة السوق وإجبار التجار على تخفيض الأسعار بعد تراجع قيمة العملة مؤخراً.

تم إغلاق محلات ومراكز تجارية كبيرة، وصيدليات متعددة، لكن أياً منها لا يتبع أحداً من أتباع الحوثي وحمود عباد، بل هي مراكز تابعة لتجار طالما تعرضوا لمضايقات الجماعة، وأجبروا على دفع إتاوات مالية مرتفعة، أجبرتهم بدورهم على رفع أسعار السلع في محلاتهم.

بالمقابل وبعد تراجع أسعار الوقود عالمياً إلى مستويات غير مسبوقة منذ عامين، ومع تراجع قيمة العملة الوطنية أمام الدولار بأكثر من (60%)، قامت الجماعة بتخفيض أسعار الوقود بنسبة (10%)، وهللت وسائل إعلامهم لهذا الإنجاز الكبير.

تم الضغط على السوق بكل الوسائل لابتزاز التجار بأعلى قدر ممكن، وبحماية مسلحي الحوثي، لكن السوق السوداء للغاز تبيع أسطوانة الغاز الواحدة بقيمة (10500) عشرة آلاف وخمسمائة ريال، بينما سعرها الحقيقي (1200 ريال)، وسعرها عند عقال الحارات حسب تسعيرة الحوثيين أنفسهم (3 آلاف ريال)، لكن هؤلاء يبيعون حصة المواطنين من الغاز في السوق السوداء ولأصحاب المطاعم بأسعار مضاعفة دون رقيب ولا حساب ولا عقاب.

التسبيح يرتفع من مآذن المساجد كل وقت، بصوت عبدالعظيم عزالدين، وخطباء الجمعة ومحاضرات الحوثيين في كل مناسبة تدعو الناس لتجاوز الأزمات والتوجه إلى الجبهات لأن ما يصفونه بــ(العدوان) سبب كل الأزمات، لكن مستوى وعي الناس لم يعد كما كان، فقد تعلموا كثيرا من ممارسات الجماعة.

قال الكاتب الساخر مروان كامل، إنه لم يجد أحداً متعاطفاً مع الحوثيين في كل مقايل القات بصنعاء، ولكن ربما يجد متعاطفين معهم في (الدورات الثقافية)، وهو منشور يلخص بكثافة وضع الجماعة بصنعاء، ومدى تذمر وغضب الناس المتزايد يومياً ضدهم.

من سيستثمر هذا الغضب، وهذا التذمر ضد الجماعة؟

هذا هو السؤال الملح أمام شرعية غابت عن الناس وتفرغت لمصالحها.