المصالح والاعتبارات الأمنية هي من تشعل الحروب أو تطفئها وليس المبادئ أو القيم.
هذه حقيقة تاريخ الحروب منذ مئات السنين والحرب الروسية في أوكرانيا لا تشذ عن ذلك.
نحن وجميع الشعوب العربية في وضع المراقب لهذه الحرب ولسنا طرفا فيها، تماما مثلما هم ينظرون لصراعاتنا البينية ومآسي حروبنا الداخلية منذ عقود من زاوية المراقب فقط.
وبالتالي لا تستدعي متابعتنا لهذه الأحداث اي غلو بالمواقف مع هذا الطرف أو ذاك.
كان القلق القومي على الاقلية الروسية في شرق أوكرانيا، ثم التخوف الامني من تمركز صواريخ واسلحة استراتيجية للناتو فيها باتجاه روسيا، هي الدافع للحشد العسكري الروسي على الحدود للضغط بشدة ووضع اتفاقية دولية ملزمة بعدم حدوث ذلك.
أوكرانيا هي مجال حيوي في أمن روسيا مع القوى العالمية، تماما مثلما المكسيك هي مجال حيوي امريكي وقبلها كوبا.
فمنذ 60 عاما وعقوبات الحصار الأمريكي قائمة حتى اليوم ضد كوبا بسبب نشر صواريخ سوفيتية فيها موجهة للبر الأمريكي وهددت أمريكا يومها بالحرب النووية اذا لم يسحب السوفييت صواريخهم من كوبا، وبالفعل تم لهم ما أرادوا.
تماما مثلما يعتبر شرق ليبيا مجالا حيويا لأمن مصر وحشد الجيش المصري كل قوته للتدخل اذا تجاوزت القوات الليبية المدعومة من تركيا خطا معينا وسط ليبيا، وتفهمت تركيا والعالم هذا المحذور وتوقفت عند ذلك الحد.
تماما مثلما تعاطف العالم في بداية عاصفة الحزم مع السعودية لقيادتها تحالف لتأمين مجالها الحيوي في اليمن ضد اي تواجد اجنبي اخر.
هذا عرف دولي متعارف عليه بين الدول الكبرى والاقليمية (المجال الحيوي لكل دولة منهم لحفظ امنها الاستراتيجي) رغم الإقرار الدولي بالسيادة الوطنية لجميع الدول.
اعتقد ان الذي عجل بالروس لاتخاذ قرار التدخل العسكري المباشر بدلا عن الضغط واستمرار التفاوض هما أمران:
الأول: عدم الحصول على اي رد ايجابي من امريكا والاتحاد الأوروبي على مقترحات روسيا نهاية العام الماضي لعقد اتفاقية ملزمة بعدم توسع الناتو في أوكرانيا.
والسبب الثاني: وهو الأهم هو التلميح قبل ايام من الرئيس الاوكراني قليل الخبرة السياسية بامكانية عودة أوكرانيا لامتلاك مقدرة نووية.
وهذا الذي عجل بشكل درامي قرار الاعتراف الروسي بالجمهوريات المنفصلة من أوكرانيا والتدخل العسكري خلال اقل من 24 ساعة.
بالمحصلة الاخيرة، نجح التحالف الانجلوساكسوني (أمريكا، بريطانيا، كندا، أستراليا) بجر اوروبا وروسيا الى دوامة حرب، اذا طالت سوف تثير مشاكل قومية نائمة في أوروبا منذ اكثر من مائة عام في ظل ازدياد شعبية الاحزاب القومية خلال العقد الاخير في اكثر من دولة أوروبية، بالاضافة للاعباء الاقتصادية وازمة لاجئين جديدة لعشرات الملايين بما يعني وأد اي قوة واعدة للاتحاد الأوروبي مستقبلا على المسرح الدولي.
وتفرغ التحالف الانجلو ساكسوني للمارد الصيني... وتحالف دول اوكوس المعلن قبل عدة اشهر (أمريكا وبريطانيا وأستراليا) ليس بعيدا عن هذا السيناريو.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك