في العقد المنصرم كان الربيع العربي هو الاختراق الكبير للمنطقة وإشعال المساحة التي تفصل بين الهويات الكثيرة وتسليم الشعوب العربية للفوضى وهدم النسيج الاجتماعي للشعوب الحية من ليبيا إلى سوريا وإلى العراق واليمن وإبطال الذخيرة البشرية التي يمكن أن تكون حاجز الصد ضد هيكلة المنطقة لصالح النظام العالمي الحديث، والمتعجرف.
في أوكرانيا حيث تقع البلاد بين الشرق والغرب، وتفصل بين الهويات العرقية وكذلك الهويات الدينية المسيحية كما يحدث للعرب، الهويات الإسلامية (سنية - شيعية) وفيها سقط النظام المحايد الذي هو جزء من الشرق الروسي كما هو من الغرب، وصعد الخطاب المنتمي للغرب على حساب الشرق كما هنا بالمنطقة العربية، وصعد الخطاب المنتمي للهوية الإيرانية على حساب الهوية العربية وكذلك للهوية التركية على حساب العربية، وسقطت المنطقة بالفوضى جراء ذلك الربيع العربي وتسقط أوروبا جراء الربيع الأوكراني، نفسه.
ساحة الاستقلال في كييف هي ساحة التغيير في صنعاء، والتحرير في مصر، وفي ليبيا، وسوريا.
وكما أشعلت ثورات الربيع العربي ثقاب المعركة بالمنطقة أشعلت ساحة الاستقلال الحرب الأوروبية، فكلتاهما ثورات بمنظور القطيع الذين نفذوا المؤامرة الخفية للنظام العالمي الذي هدم المنطقة العربية ويسعى لغرس مخالبه وقد فقدنا المجالات الحية من المغرب العربي، وإلى مشرقه، هنا.
يتعرض الخليج حالياً لابتزاز كبير من نظام الولايات المتحدة، ورغم الحياد العربي بحرب أوروبا تريد جره إلى المعمعة، كن معي ضد روسيا، أو كن مع روسيا ضدي، وهنا يتبدى الموقف العربي المنحاز لمصالحه القومية.
فلا يمكن خسارة واستعداء روسيا والقطب الذي يدعي حماية المنطقة لم يستطع حسم ملف المعركة في اليمن، بل يفاقم من الصراع كي تصبح مصادر الطاقة في الخليج مهددة لأجل بقاء الكلمة الأمريكية وتبقى الحماية، والقرار.
أدوات الصراع في اليمن، هي سبب تأخير الحسم العسكري في البلاد، وأبقت المشروع الإيراني إما تعاوناً معه في الخفاء أو كرهاً للخليج وهنا أقصد ذراع الإخوان في اليمن الذين لعبوا بالمعركة الوطنية ولولا هم لما أصبحت اليمن ثغرة للموقف العربي في ظل هذا الاستقطاب العالمي المريع وإعادة قولبة سياسة العالم.
فيبقى الاختراق من المجال اليمني لمنطقة الخليج أهم ورقة ابتزاز في المنطقة، وكذلك الثغرات التي فتحت بفعل الربيع العربي في ليبيا وسوريا وبقت مصر وخرجت من المؤامرة.
ولذا أثمن الخطوة الخليجية.. إماراتية وسعودية.. من حسم الملفات مع تركيا والتصالح الفجائي وكذلك استقبال الرئيس السوري بشار الأسد لعودة سوريا إلى الحضن العربي، كانت خطوة هامة.
من أوكرانيا إلى الوطن العربي هناك مجال للصراع مهدته ساحات الاحتجاجات في قلب العواصم، هناك حيث الفواصل التي تفصل بين الخطابات والرؤى والطموحات والأحقاد وبين الهويات والأعراق وعلى كل مجال أن يحدد مصيره من المعركة الباردة والحارة في آن.
بالمختصر: لولا فشل الشرعية والإخوان باليمن، لما كان الكهنوت الإيراني إلى اللحظة يبتز الخليج، ويرميه إلى قلب الابتزاز في الصراع المختلف، والدخول برهان المغامرة، ومع ذلك أثق بتحركات العرب، وبالمستقبل.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك