فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

قانون النص

Wednesday 13 April 2022 الساعة 11:55 am

يقول اليمنيون: نص البلاء ولا كله.. النص مليح، النص من أي شيء ينم عن توازن نفسي وسلوكي.. حتى صار نص الشيء قانونا مثيراً للابتسام على الرغم من أنه سبب بقائنا آخر ذيل البشرية.

يدين الحكام والمعارضون معاً لدين النص.. بعد كل حرب يشعلونها ويوقدون نارها.. بعد أي صراع وخلاف، ومصارعة.. ومنتصف كل محاولة ثورية.

ما حرب من حروبهم الكثيرة المتكررة، دارت دورتها كاملة.. لا صراع انتهي إلى نتيجة حاسمة، ويقولون لا منتصر ولا مهزوم.. بل كلنا خاسرون.

ومثل كل حروبهم، لا ثورة من الثورات الكثار إلا وتوقفت وهي ما تزال بالنص، ولعل هذا يفسر الأسباب التي تدفع الأجيال المتعاقبة إلى السؤال نفسه: أين الأثر الذي أحدثته أهداف الثورة؟ ولما لا يجدوا لها أثر يكتفون بتمجيدها حتى بعد مرور ستين أو سبعين عاماً على غيبة إثرها.

يتقاتلون دون دواعٍ وطنية للحرب، وعند النص يتصالحون دون سبب وجيه.. يتحاربون، وقبل أن تأخذ الحروب دوراتها إلى نهاياتها، يتوقفون.. يلتقون، يتصافحون.. وبوس النواصي والخدود، ولسان مقالهم قولة البحتري:

إذا احتربت يوما فسالت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها

فإن قيل: ما الذي يجري، ولماذا جرى أصلا؟ قال قائلهم: نزغ الشيطان بيني وبين أخوتي.. والآن غلبناه، وخلاص نرمي الماضي خلفنا، والساعة ساعة أخي قال أخي! وتذهل لجرأتهم على وصف أنفسهم بصفات الاعتدال، الوسطية، التسامح، العفو عند المقدرة، دون إبداء أي شعور بحرج أو إثم... لأن الآخر الفارسي أو الرومي أو الحبشي أو العربي قد انتزع منهم فضيلة الحياء عنوة، كما انتزع البيضتين.

كذلك، إذا ثار الشعب.. يفور ويثور، فيتقطعون لثورته عند منتصف الطريق، ليخمدوها، كي يبقى الحاكم والمعارض والتاجر والمقاول في السلة الأصلية.. وأخي قال أخي.

نص، وبعد وقت يطول أو يقصر، يعودون إلى الحرب.. وعند منتصفها، بعد أن يكونوا قد اهرقوا دماء الأجراء والأبرياء، وخربوا العمران، يتذكرون القربى وتتساكب دموعهم.. يليها لقاء، فمصافحة وبوس، فأخي قال أخي.. فإذا هم مردودون في الحافرة وهكذا دواليك.

ويقول لك: لماذا ظل اليمن في حالة استاتيكية، أو تحرك مكانك، على الرغم من حالات الديناميكية التي يعبر عنها بثورات وحروب وصراعات ومصارع؟ إنه قانون النص.