بعد مرور الشهر الأول من تنحي عبدربه منصور هادي وتسليم السلطة السياسية للمجلس الرئاسي بادر رئيس المجلس رشاد العليمي بدعوة دولة رئيس الحكومة الأسبق خالد بحاح للعودة إلى العاصمة عدن واستعادة نشاطه السياسي، مبادرة لافتة تعطي دلالات وإشارات يجب قراءاتها بموضوعية.
فهي تؤكد حقيقة أن مرحلة الإقصاء والاستفراد التي انتهجها هادي بتحالفه مع جماعة الإخوان قد انتهت وأن المشهد عملياً بات مختلفاً ويمكن أن يستوعب كافة القوى والشخصيات الجنوبية والشمالية بما يحقق أعلى ما يمكن من النجاح في المرحلة الانتقالية.
برغم أن ما رشح من دعوة العليمي إلى بحاح بالعودة للنشاط السياسي لم يتحدث عن دعوة واضحة للعودة لشغر منصب سياسي غير أن الاستنتاجات وردة الفعل الواسعة أكدت أن الحفاوة الشعبية تحمل تأكيداً على أن حالة التفاؤل السائدة بعد الهيكلة السياسية لم تنته عند الجمود القائم في الإدارة التنفيذية التي تمثلها الحكومة التي لم تعط مؤشرات تفاعلية تلامس هموم الناس في المحافظات المحررة، استمرارية الارتخاء في حكومة معين عبدالملك معروفة مسبباتها فهي نتيجة حصيلة محاصصة الأحزاب والمكونات التي كانت تتلاعب في حقبة الرئيس السابق هادي ضمن منظومات الفشل والتكلسات التي بنتها تلكم الحقبة.
لا يمكن القطع أن الدعوة التي وجهت لدولة الرئيس بحاح كانت لشغل منصب رئاسة الوزراء، ولكن مع ذلك فإنه يعد الشخصية التوافقية الممكن أن تشغر الموقع السياسي نظراً لعدم وجود خصومة بينه وبين كافة القوى المُشكلة للمجلس الرئاسي وتحديداً القوى الرافعة بما يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يترأسه عيدروس الزبيدي والمقاومة الوطنية التي يرأسها طارق صالح، القوى الوحيدة الرافضة لوجوده هي جماعة الإخوان التي تضاءل نفوذها في المجلس الرئاسي بعد الإطاحة برأسها علي محسن الأحمر.
بحاح شخصية توافقية داخلياً وتمتلك رصيداً سياسياً مع عواصم القرار السياسي في المنطقة وتحديداً السعودية والإمارات ومصر والأردن، فالرجل لعب الأدوار المتقدمة مع انطلاق عملية عاصفة الحزم كما أنه مشمول بالقرار الأممي المعترف بالشرعية اليمنية وكما أنه رجل الانتصارات السياسية والعسكرية حتى تم الانقلاب عليه في أبريل 2016.
ولعل هذا ما يفسر اتساع دائرة الترحيب الشعبي بدعوته للعودة للنشاط السياسي.
فكل الانتصارات العسكرية التي تحققت في المحافظات الجنوبية كانت في عهد بحاح بما فيها تحرير عدن وساحل حضرموت.
الإدارة التنفيذية فيما بعد تشكيل المجلس الرئاسي تظل هي المعضلة أمام المجلس الرئاسي الذي عليه دور آخر في تجميع قوته السياسية والعسكرية وتوحيدها في سياق الترتيبات الأممية بخوض مفاوضات الحل النهائي مع الحوثيين والانتهاء عملياً من الحرب التي طال مداها وإغلاق ملف الانقلاب والعودة إلى المسار السياسي.
هذه المهمة الثقيلة توازيها مهمة أثقل في تطبيع الحياة داخل المحافظات المحررة وتوفير الخدمات الأساسية للسكان من صحة وتعليم واتصالات وغيرها بالإضافة لدفع المرتبات المتأخرة وهي استحقاقات تتطلب إدارة قوية للخروج من الواقع البائس الذي تحمله الناس طويلاً.
قد تكون عودة خالد بحاح للمشهد السياسي اليمني إيجابية جنوباً وشمالاً، لكن الأهم هل لدى الرجل المحفزات للعودة فهو رجل له تجربته السياسية التي انتهت بانقلاب قوى الفساد السياسي عليه.
فهل يملك المجلس الرئاسي الضمانات التي تغري الرجل للعودة السياسية وهل هناك قوى إقليمية مستعدة لتكرار تجربة ناجحة كما كانت في بداية الحرب وتوجت بتحرير عدن وتشكيل القطاعات العسكرية والأمنية في مكافحة الإرهاب؟.
هذه قراءات في مشهد يمني لا يتوقف ولن يتوقف، وتبقى الأسئلة لا إجابات لها بانتظار إشارة أخرى وإن كان بحاح متحفظاً ومن الصعوبة بمكان إخراجه من تحفظاته فهو حضرمي وللحضارمة حساباتهم في دفاترهم القديمة.
*نقلا عن موقع "سكاي نيوز عربية"