هاني مسهور

هاني مسهور

تابعنى على

من المخا إلى عدن.. بداية جنوبية لتجاوز جغرافية الانقسام

Tuesday 20 May 2025 الساعة 06:42 pm

في المخا، لم يكن اللقاء الإعلامي مجرد صورةٍ عابرة تُلتقط ثم تُنسى… بل كان لحظة فارقة تخلخلت فيها جدران الصمت والتردد، وانكسر فيها حاجزٌ نفسيٌ ظلّ يحاصر القرار الجنوبي ويجمّد الممكن السياسي.

لقد كان الحدث أبعد من ترتيب مقاعد أو تبادل كلمات، كان إعلانًا ضمنيًّا أن هناك من قرر أن يضع القدم على طريق طويل، رغم وعورته، لأنه الطريق الوحيد نحو المستقبل.

أن يذهب جنوبيّون، ممثلون عن مؤسسات مدنية، إلى أرضٍ لطالما وُصفت بأنها "يمنية"، بينما تنتشر فيها قوات العمالقة وأحزمة الجنوب منذ سنين، فذلك إعلان صريح أن الجنوب لا يحضر فقط ببندقيته، بل بعقله ومبادرته.

التحرك لم يكن عسكريًا هذه المرة، بل كان تحركًا معنويًا، بوعي سياسي يؤمن أن معركة استعادة الدولة تبدأ بكسر الجمود، لا فقط بكسر العدو.

ما حدث ليس مهادنة، بل منازلة من نوع آخر… مواجهة للانقسام بخطوة وحدوية، ورفع للراية السياسية فوق الراية العسكرية، في لحظة تتطلب من الجميع أن يحدّقوا في الغد بدل أن يحاكموا الأمس.

إنّ تقارب المؤسسات الجنوبية واليمنية في هذه المرحلة ليس اصطفافًا مؤقتًا، بل محاولة لكتابة جملة جديدة في بيان الانتصار… جملة لا تبدأ من صنعاء ولا تنتهي في مأرب، بل تُكتب من المخا إلى عدن.

وفي هذا السياق، لا بد أن نحيّي بكل تقدير:

مختار اليافعي، نبيل الصوفي، سعيد بكران، حسين حنشي…

أربعةٌ حملوا على أكتافهم ثِقَل الماضي، لكنهم اختاروا أن ينظروا إلى الأعلى، لا إلى الوراء.

مثّلوا جيلًا لا يسكنه الثأر، بل يسكنه الوطن. جيلًا يفكك عقد التاريخ ليعيد تركيب الجغرافيا بما يليق بأبناء هذه الأرض.

جيلاً لا يخجل من أن يقول: كفى بكاءً على الأطلال… كفى تردادًا لمعلقات الخيبات. آن أوان أن نكتب نشيدًا جديدًا، بلحنٍ لا تُجيده حناجر الثأر، ولا تُتقنه أنامل الحروب.

من المخا خرجنا برؤية: الجنوب موجود، والمستقبل لمن يملك الجرأة أن يذهب حيث لا ضمانات…

ويكسر جدارًا بوجه الكراهية، ليضع حجرًا في بناء وطنٍ يشبهنا، لا وطنٍ يشبه صراعنا.

من صفحة الكاتب على منصة إكس