في خضم الأمواج المتلاطمة لسياسات الشرق الأوسط، تتزايد التحديات أمام المصالح الأميركية وحرية الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر نتيجة لهجمات الحوثيين. وعلى الرغم من هجماتهم المستمرة، فإن الحوثيين أضعف بكثير مما يظهرون. تتزايد خطورتهم على السفن التي تعبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ولم تثنهم التهديدات التي استخدمتها الإدارة الأميركية البحرية، وهذه الجهود كانت غير فعالة ودون نتائج ملموسة، وقد اعترفت الإدارة بالفشل عندما سحبت المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات “يو إس إس دوايت أيزنهاور” من البحر الأحمر إلى شرق البحر الأبيض المتوسط تحسبًا لتصاعد القتال بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.
منذ البداية، كان من الممكن أن تكون الاستراتيجية العسكرية الأفضل لمواجهة تهديد الحوثيين هي استخدام مطار أرض الصومال في بربره لإدارة العمليات، هذه الاستراتيجية تعتمد على عدد أقل بكثير من الأفراد بالمقارنة مع حاملة الطائرات، مما يجعلها أكثر فعالية من حيث التكلفة والقدرة على المناورة، غالبًا ما تقلل الإدارة الأميركية من أهمية الاستراتيجيات العسكرية، معتقدة أن الدبلوماسية وحدها قادرة على إنهاء التهديدات. هذا الافتقار إلى الإبداع والاهتمام بالديناميكيات المحلية يؤدي إلى تفويت الفرص لإنهاء تهديد الحوثيين وتحقيق الاستقرار للشعب اليمني.
طوال فترة الحرب الأهلية في اليمن، كان الجنوب ينعم بالسلام والاستقرار نسبيا، وأغلق الباب في وجه تنظيم القاعدة. الاعتراف بحقوق جنوب اليمن في تقرير المصير بدلاً من التضحية بحرية الملاحة والمصالح الأميركية لصالح نظام موال لإيران في صنعاء، كان ينبغي أن يكون قرارا بديهيًا لصانعي السياسات الأميركيين. في 22 يونيو 2024، التقى اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، مع عشرات المسؤولين المناهضين للحوثيين من صعدة ووعد الزبيدي بدعم المقاومة ضدهم، مما يشير إلى فقدان الحوثيين لشرعيتهم المحلية، هذا اللقاء يشبه إلى حد كبير فرار الأفغان من طالبان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
عيدروس الزبيدي يقف الآن في موقف يحتاج فيه إلى تقدير الوضع السياسي بدقة، منتظراً الانتخابات الأميركية القادمة. فعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تعني زيادة الضغط على إيران، مما سيدفع تلقائيًا باتجاه فك ارتباط الجنوب عن اليمن واعتبار الجنوب العربي منطقة آمنة اقتصاديا وسياسيا. هذه المنطقة يمكن أن تصبح مساحة جغرافية استثمارية يمكن الاعتماد عليها في توازنات المنطقة الشرق أوسطية، مما يعزز من فرص الاستقرار والازدهار في الجنوب العربي.
غالبًا ما يبدو أن صانعي السياسات الأميركيين يميلون إلى الحفاظ على الوضع الراهن بدلا من الاعتراف بفوائد انهياره، مثال على ذلك هو التعامل مع حزب الله على أنه منظمة قومية لبنانية، على الرغم من أن استعداد حزب الله للقتال إلى جانب بشار الأسد يدحض هذه الفكرة، فلقد حان الوقت للاعتراف بأن المجلس الانتقالي الجنوبي واليمنيين من الشمال والجنوب قد تجاوزوا الأزمة. وبدلاً من فك الارتباط مع اليمن، يجب على الولايات المتحدة مضاعفة جهودها والاعتراف بأن لديها شركاء محليين محتملين يرغبون في رؤية نهاية عهد الإرهاب الحوثي.
الاعتراف بحقوق جنوب اليمن في تقرير المصير لا يمثل فقط فرصة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، بل هو أيضًا خطوة استراتيجية لحماية المصالح الأميركية، بدلاً من التضحية بحرية الملاحة والمصالح الحيوية لصالح نظام موال لإيران، ويمكن للولايات المتحدة أن تستثمر في بناء علاقات قوية مع القوى المحلية التي تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار.
إن عدم اتخاذ موقف حازم تجاه دعم حقوق جنوب اليمن في تقرير المصير يعكس ضعف الرؤية الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. فإهمال حقوق الجنوبيين يعزز من نفوذ إيران ويضع المصالح الأميركية في خطر، آن الأوان لاتخاذ موقف حاسم يعيد التوازن ويضمن الاستقرار في المنطقة، ويحول دون استغلال الأطراف المتطرفة للفراغات السياسية والأمنية.
تقديرات الموقف تلزم الزبيدي أن يتريث حتى نوفمبر 2024، فالموقف الأميركي لا يمكن البناء عليه مرحليا كما أن الحزب الديمقراطي الغارق في أيديولوجيته اليسارية مازال ينظر إلى الجنوبيين باعتبارهم امتدادا للشيوعيين العرب، التريث بانتظار ما يمكن أن تكون عليه الولايات المتحدة بعد عهدة بايدن أو بالأدق فترة باراك أوباما الثانية، ونجح الجنوبيون في تعزيز قوتهم العسكرية على الأرض باعتبار أنهم دخلوا عملياً في الشراكة الكاملة مع الشرعية بعد أن كانوا يمتلكون المناصفة في الحكومة عبر اتفاق الرياض 2019.
التريث ليس علامة ضعف، بل هو خيار استراتيجي للجنوبيين، لذا فإنهم يفضلون التريث وانتظار اللحظة المناسبة للتحرك. المرحلة الحالية تتطلب من الجنوبيين التحلي بالحكمة والصبر لأنهم يدركون أن الوقت في صالحهم، وأي خطوة متسرعة قد تعرض مكتسباتهم للخطر، وعليهم استيعاب أن تقديرات السعودية وهي التي التزمت بإعادة الشرعية إلى صنعاء وإنهاء الانقلاب الحوثي، اضطرت تحت ضغط من سياسات بايدن في بداية ولايته، الموافقة على الذهاب إلى ما هو أبعد من الهدنة مع الحوثيين إلى القبول بهم كأمر واقع ليس فقط لحكم شمال اليمن بل كل اليمن جنوباً وشمالاً.
القرار السعودي كان وسيبقى مدفوعاً بعوامل متعددة لكنها تبقى في نطاق تقديرات موقف قد لا ينظر لمصالح الأطراف الأخرى سواء الداخلية أو الإقليمية، تلك تقديرات الرياض، أما تقديرات عدن فتبقى مغايرة وإن تقاطعت في أجزاء معها وهو ما ستفرضه اللحظة الأبعد من التداخلات الطارئة في الشرق الأوسط، وهذا يقتضي تقييما موضوعيا والأخذ في الاعتبار أن قرارا حاسما لا بد وأن يتخذ سواء فاز ترامب أو بايدن أو غيرهما. فالقرار الأخير يبقى لدى عيدروس الزبيدي وحده.
من صحيفة العرب