عندما بدأت التحركات الأولى للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما للتقارب مع إيران، ومحاولة إبرام اتفاق نووي معها كانت الخطوات والاتفاق أمرين مجهولين، لكن الجميع كان يعي أننا أمام أمر سيئ.
اليوم تعرف الدول المعنية بنود هذا الاتفاق السيئ، لكنها لا تعرف مدى سوء القادم من الأيام بحال انهيار هذا الاتفاق من دون خطة «ب» واضحة.
ولا يستبعد أن تتغير الأمور، ويتم التوقيع، مع تهافت إدارة بايدن وبعض الأوروبيين للمضي قدماً بهذا الاتفاق السيئ.
التحليل هنا هو وفق المعطيات، والإدارة الأميركية، مثلاً، تتحدث الآن، وفق التسريبات، عن إمكانية إرجاء الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات النصفية الشهر القادم، وهذا يعني أن الاتفاق ذهب إلى المجهول، والاستطلاعات تشير إلى خسارة متوقعة للديمقراطيين.
الإسرائيليون بدورهم فرحين بأن واشنطن باتت تستمع لهم حول الاتفاق النووي، وبعض الصحف الإسرائيلية، ومنها «يديعوت أحرنوت»، تتحدث عن ضرورة ضربة عسكرية لإيقاف مشروع إيران النووي تماماً، ولابيد يقول إنه اتفق مع الرئيس الأميركي بحرية إسرائيل في الرد على إيران.
الأمر الآخر المهم هنا هو أن الاتفاق النووي نفسه الموقع عام 2015، الذي يراد إحياؤه الآن، تقارب بعض بنوده من انتهاء الصلاحية، مما يتطلب مساعي جديدة وجولات مفاوضات أخرى.
وعلاوة على ذلك هناك الموقف الإيراني، وتشير بعض المعلومات الخاصة إلى أن الإدارة الأميركية، والأوروبيين، خلصوا إلى أن المرشد الإيراني لم يتخذ قراره بعد بتوقيع الاتفاق، وأن الأمر يتوقف على قراره الآن.
وما عطل توقيع الاتفاق، الذي بشرت بعض القوى الدولية بقرب إبرامه بأي لحظة، هو المطالبة الإيرانية بأنه «ما لم توقف وكالة الطاقة الذرية المسيسة التحقيقات فلا يوجد اتفاق».
وكان الرد الأميركي بأنه: «إذا سيست الوكالة انتهى دورها».
وعليه فالواضح أن فرص الاتفاق -الآن- تتلاشى، ولو تم فإنه سيكون ضعيفاً، ووسط اعتراض من دول المنطقة، وسيطلق يد إيران مالياً لتزويد جماعاتها بالمنطقة بالتسليح وخلافه، ولن يوقف طموح إيران النووي.
وفي حال لم يتم الاتفاق فإن المنطقة ككل ستدخل إلى المجهول، وبالطبع لن تتوقف إيران عن الاستمرار بمشروعها النووي، الذي يبدو أنه تحول إلى مسألة شرعية للمرشد الأعلى.
كما أن طهران ترى الآن أن الموقف الصيني الروسي الغربي يصب بمصلحتها.
كل ذلك يعني أن أبواب الجحيم ستكون مفتوحة على مصراعيها بالمنطقة، ولا يمكن القول هنا، كما يردد البعض، أن السلاح النووي قد يحسن من سلوك إيران، وأن تكون مثل الهند، مثلاً، بعد حصولها على القنبلة النووية.
هذه مقارنة خاطئة، والأدق هو مقارنة السلوك الإيراني بالروسي، فروسيا لم تطمئنها كل ترسانة الأسلحة النووية التي تمتلكها في أزمة أوكرانيا، أو غيرها.
والمشروع الإيراني بأساسه مشروع توسعي.
وتعليقاً على ذلك يقول لي أحد المطلعين على الملف الإيراني إنه «لا يوجد خطر خارجي يهدد إيران، بل إن الخطر الحقيقي عليها هو داخلي، وتحديداً سلوك النظام نفسه».
الخلاصة هي أنه بحال تم إرجاء الاتفاق النووي لما بعد الانتخابات النصفية الأميركية، حينها نكون دخلنا المجهول الحقيقي، وبتنا أقرب للمواجهات بالمنطقة.
*نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط»