تعيش البلاد منذ عقد كامل من الزمن أوضاعًا سياسية بالغة التعقيد، فالآمال والتطلعات تزداد دون أفق، والممكنات تضيق دون جدوى، والأحلام تتطاير مثل العهن المنفوش، والأوبئة تتضاعف وتحاصر حاضر الناس ومستقبلهم، أوبئة من جنس ونوع مختلف.
كل ذلك ولا سبيل إلى اجتراح مسار مختلف غير هذا العدمي الذي أصبح بمثابة أمر واقع لا يمكن الفكاك منه وتجاوزه أو على الأقل منعه من التمدد بشكله الأفقي المخيف.
في حقيقة الأمر البلاد برمتها تعيش مجاعةً غير معلنة والساسة يعيشون ترفًا في تأدية أنواع البرتكولات واِبراق مختلف التهاني والمجاملات، وثمة عدو داخلي تزداد حيله ضراوة من ذي قبل وتتسع الآفاق أمامه مستمتعا بهزائمنا النفسية القاسية ومباركا حالات الجوع والفقر، ومنتشيا
كما يفعل لاعب كرة قدم حين يسجل هدف الفوز في الثواني الأخيرة من زمن المباراة.
البلاد تتجه إلى هاوية سحيقة وليس في الأمر مبالغة فالشواهد والمعطيات وتقارير المنظمات البائسة وحوادث القتل اليومية والصراع على الثروات والأراضي وفتح مقابر بمساحات واسعة وإنشاء أجهزة أمنية وإدارية جديدة بمسميات بديلة لمؤسسات الدولة المتعارف عليها وبث روح الفرقة والاقتتال وتسليط أقوام على آخرين وقبائل على قبائل أخرى مؤشر لا يمكن حتى جعله في خانة الظواهر، الأمر أكبر مما نتصور وأسوأ مما سنشهد.
إن الحاجة اليوم للقيادة من أجل انتشال الناس من هذا المستنقع المناطقي الطائفي، أو بالأصح انتشالهم من "مشروع الموت" الذي يتم تكريسه بكل الصور عبر بوابات ونوافذ وطيقان متعددة بالتزامن مع أهداف كبيرة تسعى إلى ابتلاع المنطقة العربية برمتها.
من واجب الجميع اليوم إبداء الخوف والتلويح بإطلاق التحذيرات في وجه ما يُعتمل من رؤى هدامة وأفكار سرطانية قاتلة، ونظم وقوانين صادمة للعقل في عصر الطفرة في التكنولوجيا والحداثة ونظم المعلومات الهائلة.
على اليمنيين بجميع طوائفهم إدراك أن البلد يعيش مجاعة غير معلنة، وأن هناك تحفظات شديدة لدى الأطراف اللاعبة في الملف اليمني في هذا الاتجاه، فالتقارير التي يتم نشرها مجزأة وعلى استحياء ليست سوى ذر الرماد في العيون، لأن ما يحدث من تفاصيل في الداخل مرعب إلى الحد الذي يفقد العاقل عقله.