مجاري الفساد طفحت نتانتها وتمادت قذاراتها، وتناثرت حبات مسبحة فساد المفسدين وصعُب عليهم مواراة قبحهم كما اعتادوا دائمًا.
ويبقى السؤال المؤلم: كيف وصل كل هذا الفساد للحد الذي يُباع فيه المواطن ويُقتل ويموت جوعًا؛ لتعيش فئة معينة رغيدة العيش؟
السبب عدونا الأزلي الخوف والصمت وفساد المواطن بصمته عن حقه والهاتف لصالح الفاسدين، الخارج لمؤازرة الناهبين، المؤيد لحُكام بائعة، ناهبة، ولحكومات شرهة للسرقة.
فنحن كمواطنين ارتضينا أن تحكمنا فئة كاذبة، باغية بتدمير بلدها، بائعة للأرض والعرض.
ولكن حين يتحول المواطن لمسؤول، ينقلب لغول فاسد لا يكترث لمدى تأثر هذا الشعب بفساده، بل يظل كل همه تأمين نفسه وحاشيته والبقاء متربعًا على عرش النهب واللصوصية.
حينما نقول إن التغيير يبدأ من أنفسنا، فإننا نعي أن هذه البلاد لن يتغير فيها شيء إلا لو تم تغيير جذري من ذات المواطن ليعرف قدر الوطن وليُحاسب عند خطئه ويُعاقب عند فساده.
لا بد أن يبدأ التغيير والمحاسبة والعقاب من المواطن نفسه لإعادة حساباته.
فالرئس الفاسد هو مواطن، والوزير السارق قبل أن يتربع على كرسي الوزارة هو أيضا مواطن والمسؤول المتعطش للرشوة هو أيضا مواطن، حتى ذاك المسؤول الأمني أو العسكري الواجب قيامه بواجبه لحفظ أمننا وكرامتنا فإنه مواطن عمل على تذليل الصعاب أمام كل سيئ أساء لنا وغض الطرف عن اللصوص.
القاضي أيضا ورئيس النيابة والجهات الضبطية، فإنهم قبل فسادهم وقبولهم للرشاوى من أجل إضاعة حقوق الناس، وتغاضيهم على فساد المسؤولين فإنهم قبل وظيفتهم مواطنون.
المواطن مسكين لكنه حتى يتقلد منصبا في زمن الحرب يأخذها غنيمة ويتحول إلى سكين تذبح الجيوب.
ينسى أن المسؤولية تكليف لا تشريف، فيعتبر الحرب غنيمة يسحق بفساده كل شيء أمامه ويُسخر كل شيء له والمنح للأحفاد ويتجمل بملحقيات دبلوماسية للأقارب والمؤلفة قلوبهم ممن حوله دون مراعاة لأي وطنية أو مواطن كادح يحلم بعيش كريم.
ينسون أنهم ينتمون لهذا الوطن وأنهم من المواطنين فيُفسدون وتتضخم كروشهم ويحملون المشاريع الشخصية بعيدا عن مصلحة الوطن.
وبعدها تظهر حملات سوشيال ميديا، يريد بها كل طرف تصفية حسابات مع الطرف الآخر ومن ثم تنتهي هذه الحملات ويتم تخدير المجتمع ليُعاد من جديد الاتفاقات والتحاصص والتقاسم للكعكة السياسية والمناصب بأسماء مواطنين جُدد يُشرعن لهم الإفساد أكثر ممن أفسد قبلهم.
وهكذا هي دائرة الفساد تدور من حولنا.
وسيظل المواطن فاااااااااسد.