بالنسبة للجماعة الحوثية: الشعب اليمني هويته إيمانية، ومشكلته تتمثل فقط وفقط بوجود أمريكا وإسرائيل، وقضيته تتمثل أيضا فقط وفقط، في مواجهة مؤامرة "صهيوأمريكية" على الإسلام، نيابةً عن العرب والمسلمين.!
إذن. طالما الإسلام هو المستهدف، فلا مشكلة تتعلق باليمن، بحد ذاتها، وطالما الهوية الإيمانية هي الهوية الأساسية للشعب اليمني، فلا قضية لهذا الشعب سوى الدفاع عن هويته الوجودية المصيرية المستهدفة.
هكذا تقول ملازم المؤسس "حسين الحوثي"، وهكذا أكد رفيقه القيادي العسكري الحوثي المخضرم "عبد الله الرزامي"، مؤخرا، عبر قناة الهوية، مشددا على أن اليمن قديما وحديثا، ليست هدفا للمؤامرة، بل طريق للنيل من الكعبة المشرفة.!
المستهدف. إذن. بهذه المؤامرة. هي السعودية التي توجد فيها هذه الأماكن الإسلامية المقدسة، وبالتالي فإن الحكومة السعودية "في عدوانها على اليمن". كانت مجرد أداة لأمريكا وإسرائيل، كأي مغفل يشترك بلا وعي في المؤامرة ضد نفسه.
وعلى غرار النهج السلفي في تقسيم العالم إلى فسطاطين: مسلمين وكفرة، قسم الرزامي المسلمين إلى نوعين لا ثالث لهما: مسلم مع اليهود، ومسلم ضد اليهود. وعلى المسلمين من الصنف الثاني الوقوف ضد المسلمين من الصنف الأول.
هذا الخطاب بات يثير الغثيان من كثرة ترديده، ويعني في المحصلة، أن لا وجود لمشكلة يمنية خاصة، ولا قضية للشعب اليمني غير مواجهة المؤامرة الكونية على الإسلام والمسلمين، واعتبار قضاياه الحقيقية. ضربا من الوهم.
وللإنصاف. يشترك كهنة الجماعات السنية، مع الجماعة الحوثية في هذا الخطاب، مع اختلاف في التفاصيل لا أكثر، ففي حين يعاني أبناء تعز من الحصار والفوضى والعنف والتفلت الأمني والفساد المالي والإداري.. يرى الشيخ العديني أن المشكلة تكمن في التبرج والانحلال.!
لا وجود لهذه المشكلة أو ما يشبهها في تعز، ولا في أي مكان آخر في اليمن، وفي حين تعاني تعز واليمن كلها من مختلف المشاكل الأمنية والمعيشية، وتمر بأسوأ أنواع الأزمات والحروب، وتعيش زخما دينيا غير مسبوق. يرى العديني أن الإسلام، في خطر.!
والخطر –حسب رأيه- لا يكمن في التعصب والتطرف والعنف والإرهاب والجماعات الدينية تلك التي انقلبت على الدولة والإجماع الوطني في صنعاء، أو تلك التي حولت المناطق المحررة إلى إمارات دينية كقندهار، بل في الأحلام اليمنية البعيدة بمجتمع مدني ودولة مدنية.!
كتب هذا الشيخ الإخواني مؤخرا في حسابه الفيسبوكي:
"المصطلحات العلمانية مثل: المواطنة المتساوية، والديمقراطية، والدولة المدنية، والتعايش.. تلغي الإسلام كله، وليس بعضه".!
إذن. على الشعب اليمني، أن يقف وراءه ووراء جماعته لمحاربة هذه المفاهيم الشيطانية، والذين يحملونها أو يحلمون بها، فالمعركة، كما يحددها في منشور آخر: "المعركة بيننا وبين الكافيهات والمنظمات والقنوات.. هي معركة من أجل الهوية الإسلامية. إما أن نكون أو لا نكون".!
"الهوية الإسلامية" للإخوان، هي هي "الهوية الإيمانية" للحوثيين، بذات المنطلقات والأبعاد والتداعيات.. بغض النظر عن الاختلافات الهامشية، فالكهنة هم هم في كل جماعة وملة، وقضيتهم في كل زمان ومكان، ليست الإنسان، بل مصالح "الجماعة الكهنوتية".
مشكلة الكهنة دائما ليست في القتل، الذي يخنق السماء، ولا في الفساد الذي ينخر الأرض، ليست في الجهل المقدس، ولا الفقر المعمم، ولا القبح والخوف والحرب والجريمة والكراهية.. بل في الفكر المستنير، والأمل الواعد، والجمال الخلاب، والإضافة الملهمة التي تبشر بالصيف والضوء والسلام..
ومواقفهم عادة ليست ضد الأوبئة التي تفتك بالعقول والأبدان، ولا التخلف والفقر والجوع والحرمان والاستبداد والقهر والضياع.. بل ضد الأحلام المشروعة، والطموحات الخلاقة، والتوجهات المتوهجة بأبجديات الحياة، مشكلة في البناء، لا في الهدم.!