في معركة شد الحبل بالجنوب لتحقيق أكبر قدر من التنازلات فإنه على قدر زيادة السخط الشعبي في قاعدة الانتقالي من سوء أداء قياداته في الوزارات والمؤسسات المتواجدين فيها... بالقدر نفسه يزداد السخط الشعبي وبدرجة أكبر على قيادة التحالف العربي من تصنع العجز لديها في حل ملف الكهرباء مثلا في مدينة واحدة "عدن".
لا يمكن أن تكسب هذه السياسة على المدى المتوسط أي نجاح بخلق حاضنة شعبية صديقة لمن يتبناها، ولم يكن المجلس الانتقالي إلا نتيجة سياسية لقضية وطنية تشكلت منذ حرب 1994 مالكها الحقيقي الإرادة الشعبية وإذا ما تعثر أو نكص الانتقالي عن حسن القيادة السياسية لأي سبب ذاتي (سوء الأداء القيادي حيثما وجد في دولة المحاصصة والمناصفة وهو ما يحصل الآن) أو لأسباب موضوعية بفعل أطراف خارجية.. فإن عدالة القضية الجنوبية فيها كل مقومات الاستمرار وسوف يصنع الشعب القيادة المناسبة للمراحل القادمة.
لقد اجتهد نظام عفاش (سلطة وأحزاب معارضة) منذ عام 2009 في محاولة تفكيك الحراك الجنوبي السلمي من خلال سياسة التفريخ التنظيمي للحراك ومع ذلك بقي الحراك الجنوبي كقضية وطنية صامدا رغم تعدد رؤوس التمثيل السياسي، وعندما توفر الظرف الموضوعي المناسب في حرب 2015 انطلق الجميع جنوبا ببندقية واحدة لاتجاه واحد لتحرير الأرض.
وكان قيام المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017م نهاية لهذا التفريخ السياسي ولم تفلح بعده أي مكونات سياسية جديدة في كسب الشارع.
لذلك ذهبت الأطراف المعنية بتعطيل مسار القضية الجنوبية إلى محاولة التفكيك الجغرافي للجنوب من خلال تشجيع قيام المجالس والتنظيمات على مستوى المحافظات والقبائل تحت يافطة التنظيم والترابط الاجتماعي، كل محافظة أو قبيلة على حده.
وعلى قدر ما في هذا النشاط من وجاهة ظاهرية أقنعت الكثير بحسن نية بتفضيل النشاط فيها على حساب تفضيل العمل الوطني الجامع لكل تراب الجنوب.. على قدر ما يخفي هذا السيناريو عند الجهات المتبنية له إلى إعادة حركة التاريخ بالجنوب إلى ما قبل عام 1967 وتحويله لجزر سياسية ومجتمعات محلية ليس بينها أي تفاهم أو تنسيق وهي مادة شهية لمسار مناطقي قادم من الصراع بين هذه السلطنات والمشايخ كصفة دائمة لعقود قادمة.
نحن مجتمع فقير تنمويا وفي آخر سلم الترتيب العالمي للتنمية وانعدام التنمية والفقر هي أسباب كافية لاستمرار الصراعات الداخلية لعقود وعقود.
وإذا هناك أي إنجاز تاريخي لدولة الجنوب بعد الاستقلال 1967 هو جمع 23 سلطنة ومشيخة في دولة واحدة، وهذا وفر الأرضية المناسبة لتكامل هذه المجتمعات المحلية وقيام مشروع تنموي وطني يشمل الجميع ويخلق التطور والاستقرار المطلوبين.
إلا أن الهوس الأيديولوجي والذهاب بعيدا في أحلام قومية وأممية على حساب إنجاز المشروع الوطني قد أضاع هذه الفرصة لدولة الجنوب.
اعتبارا من التجربة السابقة، اليوم لا يمكن لأي محافظة جنوبية أو قبيلة أن تنجح في خلق كيان سياسي مستقر لها إذا لم تكن المحافظات المجاورة تنعم بنفس النجاح والاستقرار.
وكلما ضعف العمق الاستراتيجي لأي كيان من دولة إلى مجرد مكون محافظة كلما قلت فرص نجاح هذا الكيان ومقاومته لتحديات الواقع المحيط.
أقول هذا الكلام وأذكر مرة أخرى أنه ما زال الجميع فقيرا وعريانا تنمويا وهذا كاف لتوصيف هشاشة أي كيان صغير يسعى للظهور منفردا.
الخلاصة: على كل عاقل مستقل الرأي أن يدرك أن محاولة التفريخ الجغرافي لا تمتلك أي شرط من شروط الاستمرار ولن تلبي طموح الناس على المدى المتوسط في هذه المحافظة أو تلك وسوف يحفز ضعف التنمية والفقر القائم على زيادة التزاحم الداخلي في إطار نفس المحافظة حول من يأخذ الحصة الأكبر في سلطة المحافظة وستذهب الناس في كل محافظة لعملية إعادة فرز داخلي وتذكر أبسط الخلافات والشروخ الاجتماعية القديمة وبالتالي الذهاب لدوامات صراع داخلي... سوف توصل المواطن إلى قناعة من عدم جدوى التنازل على الجامع الوطني لمصلحة مشاريع سياسية أخرى.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك